إن الإصابة بالعين والحسد حقٌ ثابت في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وقد يترتب عليهما ضررٌ في البدن والرزق والعلاقات، واللجوء إلى الله تعالى بالدعاء والرقية الشرعية هو الحصن المنيع للمسلم للوقاية والعلاج من آثارهما.
الرقية الشرعية من القرآن الكريم
القرآن الكريم هو الشفاء والنور، وتلاوة آياته بنية الرقية والتحصين من أعظم أسباب الحفظ والشفاء بإذن الله، ومن أهم ما يُقرأ في هذا الباب:
- سورة الفاتحة: وهي الشافية والكافية، وتُقرأ على المريض أو بنية التحصين.
“بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ” [سورة الفاتحة: 1-7].
.
- أوائل سورة البقرة:
“الٓمٓ * ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” [سورة البقرة: 1-5].
.
- آية الكرسي: وهي أعظم آية في القرآن، ومن قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ حتى يصبح.
“اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ” [سورة البقرة: 255].
.
- أواخر سورة البقرة: من قرأهما في ليلة كفتاه.
“آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ” [سورة البقرة: 285-286].
.
- المعوذتان وسورة الإخلاص: تُقرأ ثلاث مرات في الصباح والمساء، وتكفي من كل شيء.
- سورة الإخلاص:
“قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ…”
[سورة الإخلاص].
- سورة الفلق:
“قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ…”
[سورة الفلق].
- سورة الناس:
“قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ…”
[سورة الناس].
- سورة الإخلاص:
أدعية التحصين من السنة النبوية الصحيحة
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم العديد من الأدعية والأذكار للتحصين والرقية، وهي من أقوى ما يستعين به المسلم، ومن هذه الأدعية:
- رقية جبريل عليه السلام للنبي ﷺ:
“بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ، مِن كُلِّ شيءٍ يُؤْذِيكَ، مِن شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ، أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ، اللَّهُ يَشْفِيكَ باسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ”.
(المصدر: صحيح مسلم).
- دعاء التحصين من كل شر: يُقال ثلاث مرات صباحًا ومساءً.
“بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ”.
(المصدر: سنن الترمذي، حديث حسن صحيح).
- لتحصين الأبناء والأهل: كان النبي ﷺ يعوّذ به الحسن والحسين.
“أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ”.
(المصدر: صحيح البخاري).
- عند الشعور بألم في الجسد: يضع المسلم يده على موضع الألم ويقول “بسم الله” (ثلاثاً)، ثم يقول (سبع مرات):
“أَعُوذُ بِاللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ”.
(المصدر: صحيح مسلم).
- دعاء الكرب والهم:
“لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ”.
وهو دعاء ذي النون، قال عنه النبي ﷺ: “فإنه لم يدعُ بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له” (المصدر: سنن الترمذي، حديث صحيح).
صيغ وأدعية عامة للتحصين والعلاج
يمكن للمسلم أن يدعو الله تعالى بأي صيغة تحمل معانٍ طيبة وتضرعًا إلى الله لرفع البلاء والتحصين من الشرور، وهذه بعض الأمثلة على الأدعية المنتشرة التي يمكن الدعاء بها:
- “اللَّهُمَّ أبْطِلْ كُلَّ حَسَدٍ وَعَيْنٍ أَصَابَتِ الْجَسَدَ فَأَمْرَضَتْهُ، وَأَصَابَتِ الرُّوحَ فَأَتْعَبَتْهَا، اللَّهُمَّ أَزِلْ كُلَّ أَثَرٍ سَيِّئٍ تَرَكَتْهُ الْعَيْنُ وَأَعِدْ إِلَيَّ الْعَافِيَةَ وَالرَّاحَةَ”.
- “أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ مِنْ شَرِّ الْحَاسِدِينَ، وَمِنْ شَرِّ الْعَائِنِينَ، وَمِنْ شَرِّ النَّاظِرِينَ، وَمِنْ شَرِّ السَّاحِرِينَ وَالشَّيَاطِينِ”.
- “اللَّهُمَّ أَخْرِجْ كُلَّ عَيْنٍ نَظَرَتْ وَاسْتَحْسَنَتْ وَتَمَعَّنَتْ وَرَكَّزَتْ، اللَّهُمَّ أَخْرِجْ كُلَّ عَيْنٍ نَظَرَتْ فَأَمْرَضَتْ وَأَهْلَكَتْ، وَكُلَّ نَظْرَةٍ تكررت وَمَا بَرَّكَتْ”.
- “تَحَصَّنْتُ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، إِلَهِي وَإِلَهِ كُلِّ شَيْءٍ، وَاعْتَصَمْتُ بِرَبِّي وَرَبِّ كُلِّ شَيْءٍ، وَتَوَكَّلْتُ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَاسْتَدْفَعْتُ الشَّرَّ بِلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ”.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي من الأدعية العامة التي يتداولها الناس، ولم تثبت بنص محدد عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء بابه واسع، ويمكن للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من صيغ لا تخالف الشرع، إلا أن الأكمل والأفضل هو الالتزام بالأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي جامعة للخير ومباركة.
حكم الرقية الشرعية وأثر العين
الرقية الشرعية جائزة ومستحبة، وهي من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقد ثبت أثر العين والحسد بأدلة قطعية، حيث قال النبي ﷺ:
“الْعَيْنُ حَقٌّ، ولو كانَ شيءٌ سابَقَ القَدَرَ سَبَقَتْهُ العَيْنُ، وإذا اسْتُغْسِلْتُمْ فاغْسِلُوا”.
(المصدر: صحيح مسلم)، وهذا الحديث يؤكد على حقيقة تأثير العين، وضرورة التحصن منها بالوسائل الشرعية كالدعاء والرقية والمحافظة على الأذكار.
أذكار الصباح والمساء: الحصن اليومي للمسلم
المداومة على أذكار الصباح والمساء هي بمثابة درع واقٍ يحفظ المسلم طوال يومه وليلته من كل شر، بما في ذلك العين والحسد والسحر، ومن أهم هذه الأذكار:
- آية الكرسي: (مرة واحدة).
- المعوذات (الإخلاص، الفلق، الناس): (ثلاث مرات).
- “بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ” (ثلاث مرات).
- “حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ” (سبع مرات)، وهي آية من القرآن [التوبة: 129].
- “اللَّهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا، وَبِكَ أَمْسَيْنَا، وَبِكَ نَحْيَا، وَبِكَ نَمُوتُ، وَإِلَيْكَ النُّشُورُ” (في الصباح)، و “وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ” (في المساء)، (المصدر: سنن الترمذي، حديث حسن).
- “يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ”، (المصدر: السلسلة الصحيحة للألباني).
المصادر والمراجع
- سورة الفاتحة، الآيات 1-7.
- سورة البقرة، الآيات 1-5.
- سورة البقرة، الآية 255 (آية الكرسي).
- سورة البقرة، الآيات 285-286.
- سورة الإخلاص، سورة الفلق، سورة الناس.
- صحيح مسلم، كتاب السلام، باب الطب والمرض والرقى، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري، كتاب الطب، باب رقية النبي صلى الله عليه وسلم، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، كتاب الدعوات، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة (FAQs)
ما هي الرقية الشرعية الصحيحة للحسد والعين؟
الرقية الشرعية الصحيحة هي ما كانت بكلام الله (القرآن الكريم)، أو بأسمائه وصفاته، أو بالأدعية النبوية الصحيحة، مع الاعتقاد الجازم بأن الشفاء من الله وحده، وأن الرقية سبب فقط.
هل العين والحسد حقيقة؟
نعم، العين والحسد حقيقة ثابتة بالقرآن والسنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الْعَيْنُ حَقٌّ” (صحيح مسلم)، وهي تعني إصابة شخص بالضرر بسبب نظرة إعجاب أو حسد من شخص آخر.
ما هو أفضل وقت للتحصين؟
أفضل وقت للتحصين هو المحافظة على أذكار الصباح بعد صلاة الفجر، وأذكار المساء بعد صلاة العصر أو المغرب، كما يُشرع التحصين عند الخروج من المنزل، وعند رؤية ما يُعجب الإنسان، وفي كل وقت بالاستعانة بالله وذكره.
هل يجوز الدعاء بأدعية غير مأثورة للوقاية من الحسد؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يشاء من الأدعية الطيبة التي ليس فيها اعتداء أو مخالفة للشرع، ولكن الأفضل والأكمل هو الالتزام بالأدعية الواردة في القرآن والسنة، لأنها أجمع للخير وأعظم بركة.
