يرتبط شهر رمضان المبارك في وجدان الكثيرين بأصوات روحانية تملأ الأجواء بالسكينة والخشوع، ويأتي في مقدمتها صوت الشيخ سيد النقشبندي، الذي أصبحت ابتهالاته العذبة جزءاً لا يتجزأ من التراث الرمضاني، خاصة في لحظات الإفطار والسحور، حيث يظل ابتهاله الشهير “مولاي” علامة مميزة لهذا الشهر الفضيل.
في هذا المقال، نستعرض الفرق بين الدعاء المأثور والابتهال، ونقدم نماذج من الأدعية الصحيحة، ونلقي نظرة على بعض الابتهالات والقصائد الرمضانية الشهيرة، مع توضيح الحكم الشرعي فيها لتقديم محتوى موثوق وشامل.
الأدعية المأثورة من القرآن والسنة لشهر رمضان
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي جامعة لخيري الدنيا والآخرة، وفيها البركة والكفاية، ومن هذه الأدعية:
- دعاء جامع لخيري الدنيا والآخرة: وهو من أكثر الأدعية التي كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم.
“وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” [البقرة: 201].
.
- دعاء طلب العفو والعافية: عن العباس بن عبد المطلب قال: قلت يا رسول الله علمني شيئا أسأله الله عز وجل، قال:
“سلِ اللهَ العافيةَ”، فمكثتُ أيامًا ثم جئتُ فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، علِّمْني شيئًا أسألُه اللهَ، فقال لي: “يا عباسُ، يا عمَّ رسولِ اللهِ، سلِ اللهَ العافيةَ في الدنيا والآخرةِ”، (حديث صحيح، أخرجه الترمذي).
.
- دعاء ليلة القدر: عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال:
“قولي: اللهمَّ إنَّكَ عفوٌّ تحبُّ العفوَ فاعفُ عنِّي”، (حديث صحيح، أخرجه الترمذي).
.
الابتهالات الرمضانية: بين التعبير الوجداني والحكم الشرعي
الابتهال هو شكل من أشكال التضرع إلى الله بأسلوب فني ولحني، وغالباً ما يكون في صيغة شعرية أو نثرية مسجوعة، وقد ارتبطت الابتهالات بشهر رمضان بفضل أصوات كبار المبتهلين مثل الشيخ سيد النقشبندي والشيخ نصر الدين طوبار، الذين أثروا الوجدان الإسلامي بأعمالهم الروحانية.
تضفي هذه الابتهالات أجواءً إيمانية مؤثرة، وتعتبر جزءاً من الموروث الثقافي الديني في كثير من البلدان الإسلامية.
أمثلة على ابتهالات وقصائد رمضانية شائعة
فيما يلي بعض النماذج من الابتهالات والقصائد التي اشتهرت في شهر رمضان، وهي تمثل تعابير إيمانية بليغة صاغها أصحابها للتعبير عن محبتهم لله وتعظيمهم للشهر الفضيل.
- من ابتهال “أغيب وذو اللطائف لا يغيب”:
“أغيبُ وذو اللطائفِ لا يغيبُ.، وأرجوهُ رجاءً لا يخيبُ.، وأنزلُ حاجتي في كلِّ حالٍ.، إلى من تطمئنُّ به القلوبُ.، فكم للهِ من تدبيرِ أمرٍ.، طوتهُ عن المشاهدةِ الغيوبُ.، فليس لي غير باب الله بابٌ.، ولا مولى سِواهُ ولا حبيبُ”. - من ابتهال “رمضان أهلاً”:
“رمضانُ أهلاً مرحباً رمضانُ.، الذكرُ فيكَ يطيبُ والقرآنُ.، بالنورِ جئتَ وبالسرورِ ولم يزلْ.، لكَ في نفوسِ الصالحينَ مكانُ.، يتلونَ آياتِ الكتابِ وما لهمْ.، إلا بآياتِ الكتابِ أمانُ”. - من قصيدة “أَتَى رَمَـضَانُ”:
“أَتَى رَمَـضَانُ مَـزْرَعَـةُ العِـبَـادِ.، لِـتَـطْهِـيرِ القُلُوبِ مِنَ الفَـسَادِ.، فَـأَدِّ حُـقُـوقَــهُ قَـوْلًا وَفِـعْـلَا.، وَزَادَكَ فَـاتِّـخِــذْهُ لِلْــمَـعَـادِ.، فَمَنْ زَرَعَ الـحُبُوبَ وَمَا سَقَاهَا.، تَــأَوَّهَ نَادِمًــا يَـوْمَ الـحَـصَـادِ”.
تنبيه هام وحكم الابتهالات المستحدثة
تنبيه هام: النصوص الشعرية والابتهالات المذكورة أعلاه هي من إبداع بشري وتأليف أصحابها، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة.
اختلف العلماء في حكم الابتهالات ذات الصيغ المستحدثة، فمنهم من يرى أن الأصل في العبادات التوقيف، مستدلين بحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“مَن أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا ما ليسَ فِيهِ، فَهو رَدٌّ”، (متفق عليه).
بينما يرى جمهور العلماء جوازها بشرطين أساسيين:
- أن لا تخالف الشريعة: أي أن تكون معانيها صحيحة ولا تحتوي على شرك أو غلو أو محظور شرعي.
- أن لا يُعتقد أنها سنة: أي لا تُتخذ كعبادة لها فضل خاص أو كيفية محددة لم ترد في الشرع، بل تُعتبر دعاءً مطلقاً وتعبداً عاماً لله بألفاظ حسنة.
أما ما يُشاع من حديث “صوموا تصحوا”، فهو حديث منتشر لكنه ضعيف من حيث الإسناد، وإن كان معناه صحيحاً من الناحية الصحية العامة.
صيغ دعاء عامة يمكن الدعاء بها في رمضان
يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يفتح عليه من الأدعية الطيبة التي تجمع خيري الدنيا والآخرة، ما دامت لا تحتوي على إثم أو قطيعة رحم، ومن أمثلة ذلك:
- “اللَّهُمَّ في هذا الشهر المبارك، نسألك أن تَمُنَّ علينا بنفحات الإيمان، وأن ترزقنا من واسع كرمك، وأن تبارك لنا في أوقاتنا وأعمالنا، وتهدي قلوبنا لما تحب وترضى”.
- “يَا رَبَّنَا، نسألك أن تغمرنا بواسع نعمك، وتفيض علينا من خيراتك التي لا تنقطع، وتمنحنا الطمأنينة والسعادة في الدنيا والآخرة، إنك أنت الكريم الوهاب”.
- “يَا ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ، نسألك أن تغفر لنا ذنوبنا، وذنوب والدينا وأحبابنا، وتكتب لنا العتق من النيران، وتفتح لنا أبواب رحمتك الواسعة، إنك أنت الرحمن الرحيم”.
فالله سبحانه وتعالى أمرنا بالدعاء ووعد بالإجابة، كما قال في كتابه الكريم:
“وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ” [غافر: 60].
وأمرنا أن يكون دعاؤنا بتضرع وإخلاص، فقال تعالى:
“ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ” [الأعراف: 55].
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 201.
- سورة غافر، الآية 60.
- سورة الأعراف، الآية 55.
- حديث “سل الله العافية”، (يمكن مراجعته في سنن الترمذي، حديث رقم 3514، وصححه الألباني).
- حديث “اللهم إنك عفو تحب العفو”، (يمكن مراجعته في سنن الترمذي، حديث رقم 3513، وصححه الألباني).
- حديث “من أحدث في أمرنا”، (يمكن مراجعته في صحيح البخاري، حديث رقم 2697، وصحيح مسلم، حديث رقم 1718).
- للتوسع في حكم الأحاديث، يمكن زيارة موقع موسوعة الدرر السنية.
الأسئلة الشائعة (FAQs)
ما الفرق بين الدعاء والابتهال؟
الدعاء هو عبادة محضة وسؤال مباشر من العبد لربه، وصيغه الفضلى هي ما وردت في القرآن والسنة، أما الابتهال فهو شكل فني من أشكال التضرع، غالباً ما يكون شعراً مُلَحَّناً، ويعتبر من الأدعية المطلقة إذا كانت معانيه صحيحة ولم يُعتقد أنه سنة واجبة الاتباع.
هل الابتهالات مثل أعمال النقشبندي تعتبر بدعة؟
هناك تفصيل في الحكم، إذا استمع إليها الشخص للترويح عن النفس وتذكر الآخرة دون أن يعتقد أنها عبادة مشروعة بحد ذاتها، وكانت معانيها لا تخالف الشرع، فالأمر فيه سعة، أما اتخاذها كجزء من العبادة بصورة راتبة واعتقاد فضلها الخاص، فهذا ما يُحذّر منه العلماء لأنه يدخل في باب الإحداث في الدين.
ما هو أفضل وقت للدعاء في رمضان؟
شهر رمضان كله وقت مبارك للدعاء، وتتأكد الإجابة في أوقات معينة، منها: عند الإفطار، وفي الثلث الأخير من الليل (وقت السحر)، وفي السجود أثناء الصلاة، وفي ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.