يُعد المديح النبوي أحد أبرز الفنون الأدبية التي تعبّر عن محبة المسلمين لرسول الله، محمد ﷺ، وتقديرهم لمقامه الشريف، وهو فن يمتد عبر العصور، حيث صاغ فيه الشعراء والكتّاب أروع القصائد والابتهالات التي تصف شمائله الكريمة، وتثني على سيرته العطرة، وتستلهم من رسالته العظيمة أسمى معاني الإيمان والهدى.
في هذا المقال، نستعرض نماذج من أشهر ما قيل في مدح النبي ﷺ، مع تسليط الضوء على مصادرها وقيمتها الأدبية والروحية، بما يتوافق مع الضوابط الشرعية.
قصيدة كعب بن زهير (بانت سعاد): من أشهر ما قيل في حضرة النبي ﷺ
تُعتبر قصيدة “بانت سعاد” للصحابي الجليل كعب بن زهير -رضي الله عنه- من أقدم وأشهر قصائد المديح في التاريخ الإسلامي، أنشدها كعب بين يدي النبي ﷺ في المسجد، طالباً العفو والصفح، فكان لها أثر عظيم حتى إن النبي ﷺ خلع عليه بردته الشريفة، ولذلك تُعرف أيضاً بقصيدة “البُردة”.
ومن أشهر أبياتها في مدح النبي ﷺ:
- إِنَّ الرَّسُولَ لَنُورٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ * مُهَنَّدٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ مَسْلُولُ.
- فِي عُصْبَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ قَائِلُهُمْ * بِبَطْنِ مَكَّةَ لَمَّا أَسْلَمُوا زُولُوا.
- زَالُوا فَمَا زَالَ أَنْكَاسٌ وَلَا كُشُفٌ * عِنْدَ اللِّقَاءِ وَلَا مِيلٌ مَعَازِيلُ.
قصيدة البُردة للإمام البوصيري
تُعد قصيدة “الكواكب الدرية في مدح خير البرية”، المعروفة بـ“البُردة”، للإمام شرف الدين البوصيري (القرن السابع الهجري)، من أعظم ما نُظم في المديح النبوي وأكثرها انتشاراً في العالم الإسلامي، تتميز القصيدة بأسلوبها البلاغي الرفيع، وعاطفتها الصادقة، ووصفها الدقيق لسيرة النبي ﷺ وأخلاقه ومعجزاته.
وقد أصبحت أبياتها محفورة في قلوب المسلمين، ومنها:
- مُحَمَّدٌ سَيِّدُ الْكَوْنَيْنِ وَالثَّقَلَيْـنِ * وَالْفَرِيقَيْنِ مِنْ عُرْبٍ وَمِنْ عَجَمِ.
- هُوَ الْحَبِيبُ الَّذِي تُرْجَى شَفَاعَتُهُ * لِكُلِّ هَوْلٍ مِنَ الْأَهْوَالِ مُقْتَحَمِ.
- دَعَا إِلَى اللهِ فَالْمُسْتَمْسِكُونَ بِهِ * مُسْتَمْسِكُونَ بِحَبْلٍ غَيْرِ مُنْفَصِمِ.
- فَاقَ النَّبِيِّينَ فِي خَلْقٍ وَفِي خُلُقٍ * وَلَمْ يُدَانُوهُ فِي عِلْمٍ وَلَا كَرَمِ.
- وَكُلُّهُمْ مِنْ رَسُولِ اللهِ مُلْتَمِسٌ * غَرْفًا مِنَ الْبَحْرِ أَوْ رَشْفًا مِنَ الدِّيَمِ.
- فَهُوَ الَّذِي تَمَّ مَعْنَاهُ وَصُورَتُهُ * ثُمَّ اصْطَفَاهُ حَبِيبًا بَارِئُ النَّسَمِ.
- يَا رَبِّ بِالْمُصْطَفَى بَلِّغْ مَقَاصِدَنَا * وَاغْفِرْ لَنَا مَا مَضَى يَا وَاسِعَ الْكَرَمِ.
نماذج من الابتهالات والأناشيد المعاصرة
لم يقتصر المديح النبوي على الشعر الفصيح، بل امتد ليشمل فنون الإنشاد والابتهال التي لاقت قبولاً واسعاً، ومن أبرز أعلامها في العصر الحديث:
1، ابتهالات محمد الكحلاوي “مداح النبي”
اشتهر الفنان محمد الكحلاوي بلقب “مداح النبي” لكثرة أعماله التي خصصها لمدحه ﷺ، تميز صوته بالعذوبة والصدق، وانعكست تجربته الروحية في كلماته وأدائه، من أشهر أعماله أنشودة “لأجل النبي” التي أصبحت جزءاً من التراث الإنشادي الشعبي.
- كلمات أنشودة “لأجل النبي”: “لأجل النبي، لأجل النبي..، تقبل صلاتي على النبي، يا إله الكل كون لي، انت عالم بي..، يظلموني انت شايف، يتهموني انت عارف..، من عبادك ايه حصلي، أنا في جاه النبي تكرم عبيدك والنبي..، أنا حبيب النبي يوعدكوا يا رب بالنبي..، لأجل النبي، انصر بلادنا والنبي…”.
2، ابتهالات الشيخ سيد النقشبندي “أستاذ المداحين”
يُعد الشيخ سيد النقشبندي واحداً من أعظم المبتهلين في التاريخ، ولُقِّب بـ“أستاذ المداحين” بفضل صوته الفريد وقدرته على التعبير عن أعمق المشاعر الروحانية، من أشهر ابتهالاته في حب الرسول ﷺ:
- مقتطف من ابتهال “لغة الكلام”: “لُغَةُ الْكَلَامِ كَمَا رَأَيْتَ عَلَى فَمِي خَجَلَى، وَلَوْلَا الْحُبُّ لَمْ أَتَكَلَّمِ..، يَا مُظْهِرَ التَّوْحِيدِ حَسْبِي أَنَّنِي أَحَدُ الشُّدَاةِ الْهَائِمِينَ الْحُوَّمِ..، مَا حِيلَةُ الشُّعَرَاءِ زَادَ غِنَاؤُهُمْ رَهَبًا لَدَى هَذَا الْجَمَالِ الْأَعْظَمِ..، صَلَّى عَلَيْهِ اللهُ نُورًا هَادِيًا، مُتَعَبِّدًا فِي غَارِهِ لَمْ يَسْأَمِ.”.
قصيدة “وُلِدَ الهُدى” لأمير الشعراء أحمد شوقي
تُصنف قصيدة “وُلِدَ الهُدى” لأمير الشعراء أحمد شوقي ضمن روائع الشعر العربي الحديث في المديح النبوي، سطَّر فيها شوقي بأسلوبه البليغ معاني الحب والولاء لرسول الله ﷺ، واصفاً أثر مولده الشريف الذي أضاء الكون وأخرج البشرية من الظلمات إلى النور.
تحمل هذه الأبيات مشاعر جياشة تصور فرحة الوجود بميلاد خير البرية ﷺ:
- وُلِـدَ الـهُـدى فَالكائِناتُ ضِياءُ * وَفَـمُ الـزَمـانِ تَـبَـسُّـمٌ وَثَناءُ.
- الـروحُ وَالـمَـلَأُ الـمَلائِكُ حَولَهُ * لِـلـديـنِ وَالـدُنـيـا بِهِ بُشَراءُ.
- يـا خَـيـرَ مَن جاءَ الوُجودَ تَحِيَّةً * مِـن مُرسَلينَ إِلى الهُدى بِكَ جاؤوا.
- بِـكَ بَـشَّـرَ الـلَهُ السَماءَ فَزُيِّنَت * وَتَـضَـوَّعَـت مِـسكًا بِكَ الغَبراءُ.
- زَانَتكَ في الخُلُقِ العَظيمِ شَمائِلٌ * يُـغـرى بِـهِـنَّ وَيولَعُ الكُرَماءُ.
- فَـإِذا سَـخَوتَ بَلَغتَ بِالجودِ المَدى * وَفَـعَـلـتَ مـا لا تَـفعَلُ الأَنواءُ.
- وَإِذا عَـفَـوتَ فَـقـادِرًا وَمَـقَدَّرًا * لا يَـسـتَـهـيـنُ بِعَفوِكَ الجُهَلاءُ.
ومهما بلغت بلاغة الشعراء، تبقى الكلمات قاصرة عن إيفاء النبي ﷺ حقه، فهو الذي زكّاه ربه في كتابه الكريم بأعظم شهادة لأخلاقه:
“وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ” [القلم: 4]
نظرة شرعية على المديح النبوي وضوابطه
إن محبة النبي ﷺ ومدحه والثناء عليه من أعظم القربات إلى الله، وهي دليل على الإيمان، ومع ذلك، وضع العلماء ضوابط للمديح النبوي لضمان بقائه ضمن الإطار الشرعي الصحيح، وأهمها:
- الإخلاص لله تعالى: أن يكون القصد من المديح هو التقرب إلى الله والتعبير عن محبة رسوله ﷺ.
- تجنب الغلو: الحذر من المبالغة في المدح إلى درجة إضفاء صفات الألوهية أو الربوبية على النبي ﷺ، فهذا يناقض أصل التوحيد.
- الاستناد إلى الحقائق: أن يكون المديح مبنياً على ما ثبت من شمائله وسيرته وأخلاقه في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة.
- التمييز بين المديح والدعاء: المديح هو ثناء ووصف، أما الدعاء وطلب الحاجات فلا يكون إلا من الله وحده.
المصادر والمراجع
- سورة القلم، الآية 4.
- قصيدة “بانت سعاد” لكعب بن زهير، (يمكن مراجعتها في كتب السيرة النبوية مثل “السيرة النبوية” لابن هشام).
- قصيدة “البردة” للإمام البوصيري، (متوفرة في دواوين الشعر وكتب الأدب).
- قصيدة “ولد الهدى” لأحمد شوقي، (من ديوان “الشوقيات”).
الأسئلة الشائعة
ما حكم المديح النبوي في الإسلام؟
المديح النبوي أمر مشروع ومستحب، وهو من صور التعبير عن محبة النبي ﷺ وتعظيمه، وقد استمع النبي ﷺ لشعر المديح من بعض الصحابة وأقرّهم عليه، مثل كعب بن زهير وحسان بن ثابت، والضابط في ذلك هو تجنب الغلو والمبالغات التي تخرجه عن حده الشرعي.
هل أبيات الشعر هذه تُعتبر من الأدعية؟
معظم أبيات المديح النبوي هي ثناء ووصف لشمائل النبي ﷺ وسيرته، وليست أدعية، الدعاء هو طلب الحاجات من الله، قد تختتم بعض القصائد بالدعاء، مثل قول البوصيري “يا رب بالمصطفى بلغ مقاصدنا”، وهذا دعاء لله تعالى والتوسل إليه بمحبة نبيه، وهو أمر جائز عند جمهور العلماء.
ما هي أشهر قصيدة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم؟
تُعتبر قصيدة “البُردة” للإمام البوصيري من أشهر وأوسع قصائد المديح النبوي انتشاراً وتأثيراً في العالم الإسلامي على مر العصور، تليها قصائد أخرى عظيمة مثل “بانت سعاد” لكعب بن زهير و”نهج البردة” لأحمد شوقي.
 
		
