السِّحر من كبائر الذنوب وأشدِّها خطرًا على عقيدة المسلم وحياته، وهو فعلٌ محرَّمٌ شرعًا يقوم على الاستعانة بالشياطين للإضرار بالآخرين، وقد حذّر الله تعالى ورسوله ﷺ من هذا الفعل الشنيع، وبيّنا خطورته، والمسلم الذي يُبتلى بشيء من ذلك، فإن ملجأه الأول والأخير هو الله سبحانه وتعالى، يتوجّه إليه بالدعاء والرقية الشرعية الثابتة في الكتاب والسنة، موقنًا أن الشفاء والنفع والضر بيد الله وحده.
أدعية وأذكار شرعية للرقية والتحصين من السحر
إن أفضل ما يُحصِّن به المسلم نفسه ويعالج به السحر هو كلام الله تعالى وما صحَّ عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه الرقية الشرعية هي العلاج النافع بإذن الله، ومن أهم ما يُقرأ ويُدعى به:
1، آيات من القرآن الكريم:
للقرآن الكريم أثر عظيم في الشفاء والحفظ، ومن أعظم ما يُقرأ لهذا الغرض:
- سورة الفاتحة: فهي رقية بحد ذاتها، وتُقرأ على المريض مع النفث.
- آية الكرسي: وهي أعظم آية في القرآن، ولها فضل عظيم في الحفظ من الشياطين.
“اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ” [البقرة: 255].
.
- آخر آيتين من سورة البقرة: فقد ورد في فضلها أن من قرأهما في ليلة كفتاه.
“آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ…” [البقرة: 285-286].
.
- المعوذات (سورة الإخلاص، والفلق، والناس): تُقرأ ثلاث مرات في الصباح والمساء، وعند النوم، وهي من أعظم ما يُستعاذ به.
2، أدعية من السنة النبوية الصحيحة:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يرقي نفسه وأصحابه بأدعية جامعة، منها:
- دعاء التحصين العام:
“بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ” (ثلاث مرات صباحًا ومساءً)، [رواه أبو داود والترمذي – حديث حسن صحيح].
.
- دعاء الاستعاذة من الشرور:
“أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ” (ثلاث مرات مساءً)، [رواه مسلم].
.
- دعاء الرقية للشفاء من الأمراض والأسقام:
“اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبِ البَاسَ، اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لاَ شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا”، [رواه البخاري].
.
أمثلة على صيغ دعاء عامة منتشرة
يتداول بعض الناس صيغًا للدعاء بنية إبطال السحر ورد كيد الساحر، وهي أدعية عامة في معانيها، ومن أمثلتها:
- “اللهم رد كيد الساحر في نحره، اللهم أنزل عليه عذابك، واجعله عبرة لغيره يا جبار السماوات والأرض، اللهم اجعل سحره يعود إليه.”.
- “يا رب يا من لا يعجزك شيء، نسألك أن تبطل أعمال كل من أراد بنا الشر، ونعوذ بك من شرورهم، ونسألك أن ترد كيدهم في نحورهم، اللهم اشفنا وعافنا وارفع عنا هذا البلاء.”.
- “اللهم أبطل كل سحر قام به السحرة، بسم الله يبطل كل سحر مأكول أو مشروب، بسم الله يبطل كل سحر معقود، بسم الله يبطل كل سحر محروس.”.
تنبيه هام وإخلاء مسؤولية
تنبيه: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه بهذه الصورة المخصصة، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي كافية وشافية ومباركة، وهي الأولى بالاتباع، ويجوز للمسلم أن يدعو بأدعية عامة بمعانٍ صحيحة ما لم يعتقد أن لها فضلاً خاصًا أو أنها سنة متبعة.
ما حكم تخصيص أدعية معينة لإبطال السحر لم ترد في السنة؟
الأصل في العبادات التوقيف، أي الالتزام بما ورد به النص الشرعي، والأدعية والأذكار الواردة في القرآن والسنة هي أفضل ما يدعو به المسلم، لأنها جامعة للمعاني، ومباركة، وثابتة الفضل، أما تخصيص أدعية لم ترد في السنة واعتقاد أن لها أثرًا خاصًا في إبطال السحر بشكل فوري أو بطريقة معينة، فهذا لا أصل له، لكن، يجوز للمسلم الدعاء بأدعية عامة بأسلوبه الخاص، كأن يقول: “اللهم أبطل عني السحر”، دون أن ينسب هذه الصيغة للنبي ﷺ أو يعتقد لها فضيلة خاصة.
علامات يُحتمل أن تدل على السحر والمس
تظهر على الشخص المصاب أحيانًا بعض الأعراض التي قد تكون دليلاً على الإصابة، مع ضرورة التنبيه إلى أن هذه الأعراض قد تتشابه مع أمراض عضوية أو نفسية، لذا يجب الجمع بين التشخيص الطبي والرقية الشرعية، ومن هذه العلامات:
- صداع شديد ومستمر لا يستجيب للعلاجات الطبية المعتادة.
- نفور شديد ومفاجئ من العبادات، وخصوصًا الصلاة وسماع القرآن.
- تغيرات مزاجية حادة وغير مبررة، والشعور بضيق شديد في الصدر وحزن دائم.
- أحلام مزعجة وكوابيس متكررة، كرؤية حيوانات مفترسة أو أناس بصفات غريبة.
- آلام متنقلة في الجسد لا يوجد لها سبب طبي واضح.
- شرود ذهني وضعف في التركيز والذاكرة بشكل ملحوظ.
- ميل شديد إلى العزلة وكراهية التجمعات العائلية والاجتماعية.
- ظهور كدمات زرقاء أو خضراء على الجسد دون سبب معروف.
- مشاكل وخلافات مفاجئة وغير مبررة مع الأهل والأقارب، خاصة بين الزوجين.
الوسائل الشرعية لعلاج السحر والوقاية منه
العلاج الشرعي يعتمد على تقوية الصلة بالله واللجوء إليه، وأهم الوسائل هي:
- الرقية الشرعية: وهي أساس العلاج، وتكون بقراءة الآيات والأدعية المأثورة على النفس أو على المريض.
- المحافظة على الصلوات الخمس في وقتها: فهي صلة العبد بربه وحصنه الحصين.
- المداومة على أذكار الصباح والمساء: فهي درع واقٍ للمسلم من كل شر بإذن الله.
- قراءة سورة البقرة في البيت: فقد أخبر النبي ﷺ أن الشيطان ينفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة.
- أكل سبع تمرات من تمر العجوة على الريق: لمن استطاع، لقوله ﷺ:
“مَنْ تَصَبَّحَ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً، لَمْ يَضُرَّهُ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ سُمٌّ وَلاَ سِحْرٌ” [رواه البخاري ومسلم].
.
- التوبة إلى الله: والابتعاد عن المعاصي والذنوب، فإنها تضعف حصانة المسلم.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 255 (آية الكرسي).
- سورة البقرة، الآيتان 285-286.
- حديث “بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء”، (يمكن مراجعته في سنن الترمذي، حديث رقم 3388، على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق”، (يمكن مراجعته في صحيح مسلم، حديث رقم 2709، على موسوعة الدرر السنية).
- حديث الرقية “اللهم رب الناس أذهب الباس”، (يمكن مراجعته في صحيح البخاري، حديث رقم 5743، على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “من تصبح بسبع تمرات عجوة”، (يمكن مراجعته في صحيح البخاري، حديث رقم 5445، على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة حول أدعية إبطال السحر
- ما هي أقوى الآيات لإبطال السحر؟
- القرآن كله شفاء، ولكن يركز الرقاة الشرعيون على قراءة سورة الفاتحة، آية الكرسي، أواخر سورة البقرة، المعوذات (الإخلاص، الفلق، الناس)، بالإضافة إلى الآيات التي تتحدث عن السحر وإبطاله مثل الآيات (117-122) من سورة الأعراف.
- هل يجوز الذهاب إلى راقٍ شرعي؟ وما هي شروطه؟
- نعم، يجوز الذهاب إلى راقٍ شرعي، وشروط الراقي الشرعي هي: أن تكون رقيته بالقرآن والسنة والأدعية المفهومة، أن تكون باللغة العربية، وأن يعتقد الراقي والمرقي أن الشفاء من الله وحده وأن الرقية مجرد سبب.
- ما الفرق بين الدعاء العام والدعاء المأثور؟
- الدعاء المأثور هو ما ورد نصه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وله فضل خاص، وهو الأفضل والأكمل، أما الدعاء العام فهو أن يدعو المسلم بما يفتح الله عليه من كلام بمعانٍ صحيحة لا تخالف الشرع، وهو جائز، لكن لا يُنسب إلى السنة ولا يُعتقد له فضل خاص.

