يُعد خسوف القمر إحدى الآيات الكونية العظيمة التي يُجريها الله تعالى في كونه، حيث يصطف كل من الشمس والأرض والقمر على استقامة واحدة، فتكون الأرض في المنتصف حاجزةً ضوء الشمس عن القمر، هذه الظاهرة ليست مجرد حدث فلكي، بل هي تذكير للمؤمنين بقدرة الله وعظمته، ودعوة لهم بالرجوع إليه والخوف منه.
وفي هذه اللحظات التي تتجلى فيها عظمة الخالق، أرشدنا النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- إلى أفضل الأعمال التي ينبغي للمسلم أن يتقرب بها إلى ربه، وعلى رأسها الصلاة والدعاء والذكر والصدقة، في هذا المقال، نستعرض الهدي النبوي الصحيح عند حدوث الخسوف، ونوضح كيفية أداء صلاة الخسوف والأدعية التي يُستحب الإكثار منها.
الهدي النبوي عند رؤية الخسوف: ماذا تفعل؟
ثبت في السنة النبوية الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفزع عند رؤية الكسوف أو الخسوف إلى الصلاة والدعاء، وأمر أمته بذلك، فعن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ، وَإِنَّهُمَا لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ”.
المصدر: صحيح البخاري وصحيح مسلم.
وبناءً على هذا التوجيه النبوي، يُستحب للمسلم عند رؤية الخسوف القيام بالأعمال التالية:
- الصلاة (صلاة الخسوف): وهي من آكد السنن، وتُصلى في جماعة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
- الدعاء والتضرع: الإكثار من دعاء الله وسؤاله الرحمة والمغفرة والعافية.
- الذكر والاستغفار: الإكثار من قول “سبحان الله”، “الله أكبر”، “لا إله إلا الله”، وطلب المغفرة.
- الصدقة: التصدق على الفقراء والمحتاجين بنية دفع البلاء وطلبًا لرضا الله.
صفة صلاة الخسوف وكيفية أدائها
صلاة الخسوف صلاة خاصة تختلف عن الصلوات المعتادة، وصفتها الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها ركعتان، في كل ركعة قيامان وقراءتان وركوعان وسجودان.
- وقت صلاة الخسوف: يبدأ وقتها من ابتداء الخسوف وينتهي بانجلائه بالكلية، لقوله صلى الله عليه وسلم:
“فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلَاةِ”.
(صحيح مسلم).
- كيفية الأداء:
- يُكبر تكبيرة الإحرام، ويقرأ دعاء الاستفتاح، ثم يقرأ الفاتحة وسورة طويلة.
- يركع ركوعًا طويلاً، ثم يرفع من الركوع قائلاً: “سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد”.
- لا يسجد مباشرة، بل يقرأ الفاتحة مرة أخرى وسورة أخرى تكون أقصر من الأولى.
- يركع ركوعًا ثانيًا طويلاً، وهو دون الركوع الأول.
- يرفع من الركوع، ثم يسجد سجدتين طويلتين.
- يقوم للركعة الثانية ويفعل فيها كما فعل في الركعة الأولى، لكن تكون قراءتها وركوعها وسجودها أخف من الركعة الأولى.
- بعد الانتهاء من الصلاة، يُسن للإمام أن يخطب في الناس خطبة يعظهم فيها ويذكرهم بالله ويأمرهم بالتقوى.
أدعية يُستحب الإكثار منها وقت الخسوف
لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء بصيغة محددة خاصة بالخسوف، وإنما ورد الأمر العام بالدعاء والتضرع إلى الله، لذا، يمكن للمسلم أن يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، وأن يكثر من الاستغفار والثناء على الله، وهذه بعض الأمثلة على الأدعية العامة التي يحسن الدعاء بها في هذا الوقت:
- أدعية الثناء والاستغفار:
- “الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا دَائِمًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، وَلَكَ الشُّكْرُ كُلُّهُ، وَإِلَيْكَ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ”.
- “سُبْحَانَكَ يَا اللهُ، نَسْتَغْفِرُكَ وَنَتُوبُ إِلَيْكَ، أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا مَا قَدَّمْنَا وَمَا أَخَّرْنَا، وَمَا أَسْرَرْنَا وَمَا أَعْلَنَّا، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا”.
- “يَا رَبِّ، لَكَ الْحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِكَ وَلِعَظِيمِ سُلْطَانِكَ”.
- أدعية طلب الرحمة والعافية:
- “اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ”.
- “اللَّهُمَّ اصْرِفْ عَنَّا السُّوءَ بِمَا شِئْتَ وَكَيْفَ شِئْتَ، إِنَّكَ عَلَى مَا تَشَاءُ قَدِيرٌ، يَا رَبَّنَا ارْحَمْنَا فَإِنَّكَ بِنَا رَاحِمٌ، وَلَا تُعَذِّبْنَا فَإِنَّكَ عَلَيْنَا قَادِرٌ”.
- أدعية جامعة:
-
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”
[البقرة: 201].
- “اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ”، (من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، رواه مسلم).
-
ظاهرة الخسوف: آية وتذكير
تُعد ظاهرة خسوف القمر حدثًا فلكيًا دقيقًا يدل على انتظام الكون الذي خلقه الله، وتنقسم إلى أنواع مختلفة (كلي، جزئي، شبه ظلي) بحسب موقع القمر من ظل الأرض.
- كان الناس في الجاهلية يربطون هذه الظواهر بأحداث أرضية كالخرافات وموت العظماء، وقد أبطل الإسلام هذا الاعتقاد الخاطئ.
- أوضح النبي صلى الله عليه وسلم الحكمة من هذه الظاهرة، وهي أنها آية من آيات الله لتخويف العباد وتذكيرهم بالآخرة، وحثهم على الرجوع إليه بالتوبة والطاعة.
- إن مشهد تغير نور القمر واختفائه يذكرنا بقدرة الله على تغيير الأحوال، وبأهوال يوم القيامة حين تكور الشمس وتُخسف النجوم.
المصادر والمراجع
- صحيح البخاري، كتاب الكسوف، باب الصلاة في كسوف القمر، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، كتاب الكسوف، باب ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سورة البقرة، الآية 201.
أسئلة شائعة حول خسوف القمر
ما حكم صلاة الخسوف؟
صلاة الخسوف سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فعلها وأمر بها، ويُفضل أن تُصلى في جماعة في المسجد.
هل ورد دعاء محدد بصيغة معينة لخسوف القمر؟
لا، لم يثبت في السنة النبوية الصحيحة دعاء بصيغة محددة خاصة بالخسوف، الأمر بالدعاء جاء عامًا، فيدعو المسلم بما يفتح الله عليه من الدعاء الصالح الذي يجمع خيري الدنيا والآخرة، مع الإكثار من الاستغفار والثناء على الله.
متى يبدأ وقت صلاة الخسوف ومتى ينتهي؟
يبدأ وقتها من لحظة بداية الخسوف، وينتهي بانجلائه تمامًا وعودة ضوء القمر كاملاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم”.

