يُعد فصل الشتاء بأجوائه الإيمانية من مواسم الخير والبركة التي يتقرب فيها العبد إلى ربه، خاصةً في أوقات نزول المطر وسماع الرعد ورؤية البرق، إن الدعاء في هذه الأوقات من السنن المهجورة التي ينبغي للمسلم إحياؤها، حيث إنها من المواطن التي يُرجى فيها إجابة الدعاء، نستعرض في هذا المقال الأدعية الصحيحة والمأثورة الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية، مع بيان مصادرها ودرجة صحتها، ليكون المسلم على بينة من أمره في عبادته.
الأدعية الصحيحة الواردة عن النبي ﷺ في الشتاء والمطر
كان للنبي -صلى الله عليه وسلم- هديٌ خاص وأدعية ثابتة عند رؤية الظواهر الجوية المصاحبة لفصل الشتاء، والالتزام بهذه الأدعية المأثورة هو أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله، وفيها الخير والبركة الكافية، ومن هذه الأدعية الصحيحة:
- دعاء نزول المطر:عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا رأى المطر قال:
اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا.
المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 1032.
الشرح: “الصيِّب” هو المطر المنهمر، و”نافعًا” أي بلا ضرر أو هدم، بل يكون فيه الخير والبركة للأرض والعباد. - دعاء اشتداد المطر والخوف من ضرره:عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالظِّرَابِ، وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ، وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ.
المصدر: متفق عليه (صحيح البخاري، حديث رقم 1014، وصحيح مسلم، حديث رقم 897).
الشرح: يُقال هذا الدعاء عند الخوف من ضرر المطر الغزير، وفيه سؤال الله أن يصرف المطر عن البيوت والمباني ويجعله في أماكن النفع كالجبال الصغيرة (الآكام والظراب) والأودية ومواضع نمو الشجر. - ما يُقال بعد نزول المطر:عن زيد بن خالد الجهني -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ.
المصدر: متفق عليه (صحيح البخاري، حديث رقم 846، وصحيح مسلم، حديث رقم 71).
الشرح: فيه إقرار وشكر لله -عز وجل- على نعمة المطر، ونسبة الفضل إليه وحده لا إلى النجوم أو الأنواء كما كانت عادة أهل الجاهلية. - دعاء هبوب الريح:عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا عصفت الريح قال:
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ.
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 899.
- دعاء سماع الرعد:ثبت عن عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما- أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال:
سُبْحَانَ الَّذِي يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ.
المصدر: رواه الإمام مالك في “الموطأ” وصحح إسناده النووي والألباني، وهو دعاء مأثور عن صحابي جليل، والاقتداء به حسن.
صيغ وأدعية عامة شائعة في الشتاء
يتداول بعض الناس صيغاً وأدعية عامة عند نزول المطر أو في ليالي الشتاء الباردة، يسألون الله فيها من خيري الدنيا والآخرة، الدعاء بأي صيغة لا تخالف الشرع جائز، ولكن الأفضل دائمًا هو الالتزام بالمأثور، ومن الأمثلة على هذه الأدعية العامة المنتشرة:
- اللّهُمَ إنّي أستغفِرُك من كل ذَنب يجلِب الحسرة ويورث الندامة ويمنع الرزق ويرد الدعاء، اللّهُمَ افتَح لي أبْواب رَحمتِك ووفّقني إلى ما تحب وأكرمني من فَضلك، اللّهُمَ نوّر طريقـي واغفِر لي ذنوبي وحقق لي ما فيه الخير لي وما أرجوه.
- يا رَبِّ بِعَددِ قَطَرَاتِ هذا المَطَرِ ارزُقنَا فَرحَةً تُجدِّدُ شُعُورَ الحَيَاةِ فِينَا وَحَقِّقْ أمنِيَاتِنَا.
- اللّهُمَ طهّر قَلبِي واشرح صَدري وأسعدني وتقبّل صلاتِي وسائر طاعاتي واستجب دُعائي وكشف كُرَبي وضائقتي واغفِر ذنوبي وأصلح حَالي واملأ قلبي راحة وسعادة واجعل الفردوس الأعلى دارًا لي.
- اللهم اسقنا غيثًا نافعًا طيبًا يكون رحمة لنا وخيرًا لأرضنا، اللهم اجعله سقيا رحمة ولا تجعله سقيا عذاب.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة، وفيها جوامع الكلم.
ما حكم دعاء “اللهم لا تقتلنا بغضبك” عند سماع الرعد؟
ينتشر بين الناس دعاء عند سماع الرعد بصيغة “اللَّهُمَّ لا تَقتُلْنا بِغَضَبِكَ، ولا تُهلِكْنا بعَذابِكَ، وعَافِنا قَبلَ ذلك”، هذا الحديث رواه الإمام أحمد والترمذي وغيرهما، ولكن إسناده ضعيف كما بيّن أهل العلم والمختصون في الحديث، ومع أن معناه صحيح ولا حرج فيه، إلا أن الأكمل والأفضل هو الاقتصار على ما ثبت وصح، وهو قول الصحابي عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما- المذكور أعلاه.
ما يُقال عند تأخر نزول المطر (دعاء الاستسقاء)
عند انقطاع المطر وحاجة البلاد والعباد إليه، تُشرع صلاة الاستسقاء، وهي سنة مؤكدة، ويدعو فيها الإمام والناس ربهم بنزول الغيث، ومن الأدعية العامة التي يمكن الدعاء بها في هذا الموطن:
- اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
- اللهم أغِثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا.
- اللهم اسقِ عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحيِ بلدك الميت.
- نستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ونتوب إليه، فالاستغفار من أعظم أسباب نزول المطر، كما قال تعالى على لسان نوح عليه السلام:
“فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا”
[نوح: 10-11].
خصائص وفوائد فصل الشتاء
يتميز فصل الشتاء بخصائص مناخية وصحية فريدة تجعله مختلفًا عن باقي الفصول، وتنعكس إيجابًا على الإنسان والبيئة.
الخصائص المناخية:
- انخفاض درجات الحرارة: يتميز الشتاء بالبرودة وهطول الأمطار والثلوج في بعض المناطق، مما يساهم في تجديد موارد المياه الجوفية.
- قصر النهار وطول الليل: يتيح طول الليل في الشتاء فرصة أكبر للمؤمنين لقيام الليل والتهجد، وهو ما وصفه السلف بـ “غنيمة العابد”.
- تجديد الطبيعة: يعتبر المطر ضروريًا لإنبات الزرع وإحياء الأرض بعد موتها، وهو من أعظم آيات الله في الكون.
الفوائد الصحية:
- تعزيز المناعة: تتوفر في الشتاء فواكه غنية بالفيتامينات مثل الحمضيات، والتي تقوي جهاز المناعة.
- تحسين جودة النوم: تساعد الأجواء الباردة على نوم أعمق وأكثر راحة.
- زيادة حرق السعرات: يحتاج الجسم إلى بذل طاقة إضافية للحفاظ على درجة حرارته، مما يساهم في زيادة معدل حرق الدهون.
المصادر والمراجع
- سورة نوح، الآيتان 10-11.
- صحيح البخاري، حديث رقم 1032، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري، حديث رقم 1014، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 897، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري، حديث رقم 846، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 71، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 899، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- موطأ الإمام مالك، كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا سمع الرعد، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة (FAQs)
ما هو الدعاء الصحيح عند نزول المطر؟
الدعاء الصحيح الثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- هو قوله: “اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا”، كما ورد في صحيح البخاري.
هل وقت نزول المطر من أوقات إجابة الدعاء؟
نعم، ورد في حديث حسّنه بعض أهل العلم أن من مواطن إجابة الدعاء “عند نزول الغيث”، لذا يُستحب للمسلم أن يكثر من الدعاء لنفسه وأهله والمسلمين في هذا الوقت المبارك.
هل دعاء “اللهم لا تقتلنا بغضبك” عند سماع الرعد صحيح؟
هذا الدعاء ورد في حديث ضعيف الإسناد، والأفضل منه هو الدعاء المأثور عن الصحابي عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما- وهو: “سُبْحَانَ الَّذِي يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ”، وهو أثر صحيح.
ما هو البديل الصحيح للأدعية العامة المنتشرة؟
البديل الأفضل دائمًا هو الالتزام بالأدعية الواردة في القرآن والسنة الصحيحة، فهي جامعة لخيري الدنيا والآخرة، وفيها البركة والاتباع، وإن دعا المسلم بأدعية عامة بمعانٍ صحيحة، فلا حرج عليه، ولكن المأثور أولى وأكمل.

