يَلجأ المسلم إلى الدعاء في أوقات الشدة والضيق، إيمانًا بأن الله تعالى هو كاشف الكروب ومُفرّج الهموم، فالدعاء هو صلة العبد بربه، وباب مفتوح يجد فيه المؤمن السكينة والطمأنينة، ويرجو من خلاله الفرج وتيسير الأمور، وفيما يلي بيان لأهم الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية، مع توضيح لبعض الصيغ العامة التي يمكن الدعاء بها.
أدعية الفرج وتيسير الأمور من القرآن الكريم والسنة النبوية
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهي الأدعية الجامعة المباركة التي فيها الخير والكفاية.
1، أدعية من القرآن الكريم
تضمن القرآن الكريم العديد من الأدعية التي ناجى بها الأنبياء والصالحون ربهم في أوقات الكرب، ومنها:
- دعاء نبي الله يونس عليه السلام: وهو من أعظم الأدعية لكشف الكروب.
“لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ” [الأنبياء: 87].
.
- دعاء نبي الله موسى عليه السلام: لطلب شرح الصدر وتيسير الأمر.
“رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي” [طه: 25-26].
.
- دعاء الصابرين عند المصيبة:
“رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ” [البقرة: 250].
.
- دعاء طلب الرحمة والثبات:
“رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ” [آل عمران: 8].
.
2، أدعية من السنة النبوية الصحيحة
وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أدعية ثابتة تُقال عند الهم والكرب، ومن أصحها:
- دعاء الكرب: عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب:
“لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ” (متفق عليه).
.
- دعاء الهم والحزن: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا” (رواه أحمد، وصححه الألباني).
.
- دعاء المكروب: عن أبي بكرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “دعوات المكروب”:
“اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ” (رواه أبو داود، وحسنه الألباني).
.
أمثلة على صيغ دعاء عامة للفرج وتيسير الأمور
إضافة إلى الأدعية المأثورة، يمكن للمسلم أن يدعو الله تعالى بما يفتح عليه من صيغ جامعة لخيري الدنيا والآخرة، على ألا تحتوي على اعتداء في الدعاء أو مخالفة شرعية، ومن الأمثلة على ذلك:
- اللَّهُمَّ يَا مُدَبِّرَ الأُمُورِ، وَيَا عَالِمًا بِمَا تُخْفِي الصُّدُورُ، نَسْأَلُكَ أَنْ تُيَسِّرَ لَنَا أُمُورَنَا، وَأَنْ تَشْرَحَ صُدُورَنَا، وَأَنْ تَجْعَلَ لَنَا مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا.
- يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، بِرَحْمَتِكَ نَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنَا إِلَى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ.
- اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا، وَآمِنْ رَوْعَاتِنَا، وَاحْفَظْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِينَا وَمِنْ خَلْفِنَا، وَعَنْ أَيْمَانِنَا وَعَنْ شَمَائِلِنَا، وَمِنْ فَوْقِنَا، وَنَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ نُغْتَالَ مِنْ تَحْتِنَا.
- رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
- اللَّهُمَّ دَبِّرْ لَنَا أُمُورَنَا فَإِنَّا لَا نُحْسِنُ التَّدْبِيرَ، وَاخْتَرْ لَنَا فَإِنَّا لَا نُحْسِنُ الِاخْتِيَارَ.
- يَا رَبِّ، اجْبُرْ خَاطِرِي جَبْرًا أَنْتَ وَلِيُّهُ، فَإِنَّهُ لَا يُعْجِزُكَ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ.
تنبيه هام حول الأدعية المنتشرة
تنبيه هام: تنتشر بين الناس بعض الصيغ والأدعية المنسوبة لفضائل معينة أو لأوقات محددة، ولكنها لم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها التوقيف والالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، ويجوز الدعاء بصيغ عامة حسنة المعنى، لكن لا يجوز نسبتها إلى الشرع أو تخصيص فضل معين لها دون دليل.
أسباب شرعية لتفريج الكروب وزوال الهموم
إلى جانب الدعاء، هناك أعمال صالحة تعد من أعظم أسباب تفريج الكروب بإذن الله، منها:
- تحقيق التوحيد والإيمان الصادق: فكلما كان إيمان العبد بالله أقوى، كان توكله عليه أعظم، ويقينه بفرجه أقرب.
- تقوى الله تعالى: بفعل الأوامر واجتناب النواهي، قال تعالى:
“وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ” [الطلاق: 2-3].
.
- الإكثار من الاستغفار: فهو سبب لمحو الذنوب التي قد تكون سببًا في نزول البلاء، ويفتح أبواب الرحمة والفرج.
- الصلاة والخشوع فيها: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.
- الصدقة والإحسان إلى الخلق: فصنائع المعروف تقي مصارع السوء، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
- بر الوالدين وصلة الأرحام: فهي من أسباب سعة الرزق والبركة في العمر وتيسير الأمور.
- تجنب الظلم ورد المظالم: فإن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب.
دعاء لتيسير الزواج الصالح
لم يرد دعاء مخصص بعينه لتيسير الزواج، ولكن يمكن للمسلم أن يدعو الله بحاجته بأي صيغة مشروعة، ومن الأدعية القرآنية التي تحمل معنى طلب السكن والمودة:
- دعاء عباد الرحمن:
“وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا” [الفرقان: 74].
.
- كما يمكن الدعاء بصيغ عامة مثل: “اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي زَوْجًا صَالِحًا (أو زَوْجَةً صَالِحَةً) تَقَرُّ بِهِ عَيْنِي، وَيَكُونُ عَوْنًا لِي عَلَى طَاعَتِكَ”.
دعاء للأحبة بالفرج والسكينة
من جميل أخلاق المسلم أن يدعو لإخوانه وأحبته بظهر الغيب، ومن الأدعية التي يمكن الدعاء بها لهم:
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ لِأَحِبَّتِي فَرَجًا مِنْ كُلِّ هَمٍّ، وَمَخْرَجًا مِنْ كُلِّ ضِيقٍ، وَسَعَةً فِي الرِّزْقِ، وَعَافِيَةً فِي الْبَدَنِ.
- يَا رَبِّ، أَنْزِلِ السَّكِينَةَ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَاجْبُرْ خَوَاطِرَهُمْ، وَتَوَلَّ أُمُورَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
- اللَّهُمَّ احْفَظْهُمْ بِحِفْظِكَ، وَاكْلَأْهُمْ بِرِعَايَتِكَ، وَاصْرِفْ عَنْهُمْ كُلَّ سُوءٍ وَمَكْرُوهٍ.
المصادر والمراجع
- سورة الأنبياء، الآية 87.
- سورة طه، الآيتان 25-26.
- سورة البقرة، الآية 250.
- سورة آل عمران، الآية 8.
- سورة الطلاق، الآيتان 2-3.
- سورة الفرقان، الآية 74.
- حديث دعاء الكرب (متفق عليه): صحيح البخاري، حديث رقم 6346، وصحيح مسلم، حديث رقم 2730، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث دعاء الهم والحزن: مسند الإمام أحمد، حديث رقم 3712، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث دعوات المكروب: سنن أبي داود، حديث رقم 5090، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة حول دعاء الفرج
- ما هو أعظم دعاء لتفريج الكروب؟
- يعتبر دعاء نبي الله يونس عليه السلام “لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ” من أعظم الأدعية في هذا الباب، وقد قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: “فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له”.
- هل يجوز الدعاء بصيغ لم ترد في القرآن أو السنة؟
- نعم، يجوز للمسلم أن يدعو بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة، بشرط ألا يكون في دعائه إثم أو قطيعة رحم أو اعتداء، والأفضل دائمًا هو الجمع بين الأدعية المأثورة والدعاء بحاجته الخاصة.
- ما هي أفضل أوقات استجابة الدعاء؟
- هناك أوقات وأحوال يُرجى فيها إجابة الدعاء أكثر من غيرها، مثل: الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، وآخر ساعة من يوم الجمعة، وعند نزول المطر.



