الدعاء هو جوهر العبادة وأحد أعظم القربات إلى الله تعالى، فهو الصلة المباشرة بين العبد وربه، التي يعبر من خلالها عن افتقاره ورجائه، ويطلب من خزائن رحمة الله التي لا تنفد، إن في الدعاء طمأنينة للقلب، وسكينة للنفس، وتجديدًا للأمل، فهو ليس مجرد كلمات تُقال، بل هو إظهار للتوكل على الله وتفويض الأمر إليه، سواء كان ذلك في طلب الشفاء، أو تيسير الأمور، أو سعة الرزق، أو الرحمة للأموات، إن لجوء المؤمن إلى ربه بالدعاء يعمق إيمانه ويقوي صلته بخالقه، ويفتح له أبواب الخير في الدنيا والآخرة.
وتتجلى عظمة الدعاء في كونه عبادة مشروعة في كل وقت وحين، وهو وسيلة المؤمن لمواجهة تحديات الحياة، حيث يجد فيه القوة والعون، ومن خلاله، يعبر الإنسان عن حاجته، ويطلب من الله لنفسه ولمن يحب، مما يعزز قيم المحبة والتكافل، ويمنح النفس شعورًا بالسلام الداخلي والرضا بقضاء الله وقدره.
أدعية الشفاء من القرآن والسنة الصحيحة
إن من أعظم ما يتوجه به العبد إلى ربه عند المرض هو الدعاء بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذه الأدعية هي الأكثر بركة وأرجى للقبول.
1، دعاء النبي أيوب عليه السلام
وهو من الأدعية القرآنية العظيمة التي تدل على كمال الأدب مع الله في السؤال، حيث يكتفي العبد بوصف حاله لربه.
“أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ” [الأنبياء: 83].
2، دعاء النبي ﷺ للمريض
كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم إذا عاد مريضًا أن يدعو له بهذا الدعاء الشامل.
“اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ، أَذْهِبِ البَأْسَ، اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لاَ شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا” (متفق عليه).
شرح موجز: (البَأْسَ: المرض والشدة)، (لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا: لا يترك أثرًا للمرض).
3، الرقية الشرعية للمريض
كان النبي ﷺ يرقي نفسه وأهله، ومن ذلك أن يضع المسلم يده على موضع الألم ويقول:
“بِاسْمِ اللهِ (ثلاث مرات)، ثم يقول سبع مرات: أَعُوذُ بِاللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ” (رواه مسلم).
أمثلة على صيغ عامة للدعاء بالشفاء
- اللهم يا من بيده مفاتيح الشفاء، ويا من تقول للشيء كن فيكون، نسألك أن ترفع البلاء عن عبدك فلان، وأن تمنحه العافية والقوة، وتجعل العافية تسري في جسده يا أرحم الراحمين.
- يا رب، نسألك من عظيم لطفك وكرمك وسترك الجميل أن تشفي مريضنا وتمده بالصحة والعافية، اللهم ألبسه لباس الصحة، واكشف عنه كل ضر.
- اللهم اشفِ كل نفس ذاقت مرارة الألم من المرض، وخفف عن كل جسد أنهكه السقم، وأبدل أيامهم بالعافية التي تهون عليهم مشقتهم يا أكرم الأكرمين.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة، مع جواز الدعاء بألفاظ عامة لا تخالف الشرع.
أدعية لتيسير الزواج من القرآن والسنة
لم يرد في السنة النبوية دعاء مخصص بعينه لتعجيل الزواج، ولكن الدعاء بخيري الدنيا والآخرة، ومن ذلك الزوج الصالح والذرية الطيبة، هو من أعظم القربات، ويمكن للمسلم أن يدعو بالأدعية القرآنية العامة التي تحمل معاني الخير والصلاح.
1، دعاء نبي الله موسى عليه السلام
دعا نبي الله موسى بهذا الدعاء وهو في حاجة وافتقار إلى الله، فرزقه الله الأمن والزوجة الصالحة والمأوى.
“رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ” [القصص: 24].
2، دعاء عباد الرحمن
وهو دعاء شامل يطلب فيه العبد صلاح الزوجة (أو الزوج) والذرية، وهو من أعظم مطالب الدنيا والآخرة.
“رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا” [الفرقان: 74].
أدعية عامة شائعة لتيسير الزواج
يلجأ الكثيرون إلى الله بصيغ دعاء عامة راجين منه تيسير أمورهم، ومن ذلك:
- اللهم إنّي أسألك باسمك الأعظم الذي إذا دُعيت به أجبت، أن ترزقني الزوج الصالح الذي يكون لي قرة عين، وأكون له قرة عين.
- اللهم يا حنّان يا منّان، يا ذا الجلال والإكرام، أسألك أن ترزقني زوجًا صالحًا تقيًا، وأن تجعله سندًا لي في الدنيا والآخرة.
- يا رب العالمين، أسألك بقدرتك وعظمتك أن تُيسر لي أمر الزواج، وأن توفق بيننا في الخير، وتجمعنا على طاعتك ومرضاتك.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي من الأدعية العامة التي لم ترد بلفظها عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأفضل هو الدعاء بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة، أو الدعاء بما يفتح الله به على عبده من الخير مع التيقن بالإجابة.
أدعية صحيحة ومأثورة لجلب الرزق
الرزق بيد الله وحده، وقد شرع لنا سبحانه الأخذ بالأسباب مع التوكل عليه والدعاء، وقد وردت في السنة النبوية أدعية عظيمة في طلب الرزق وقضاء الدين.
1، دعاء قضاء الدين
أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم، وهو دعاء جامع يكفي العبد هموم الدين والحاجة.
“اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ” (رواه الترمذي، حديث حسن).
2، دعاء تفريج الهم وقضاء الدين
كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من هذا الدعاء، وهو من أجمع الأدعية للاستعاذة من معوقات الحياة التي تمنع الرزق.
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ” (رواه البخاري).
شرح موجز: (ضَلَعِ الدَّيْنِ: ثقل الدين وشدته)، (غَلَبَةِ الرِّجَالِ: قهرهم وتسلطهم).
3، سيد الاستغفار
الاستغفار من أعظم أسباب الرزق، كما قال تعالى على لسان نوح عليه السلام:
“فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ…” [نوح: 10-12].
وسيد الاستغفار هو أفضل صيغه:
“اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ” (رواه البخاري).
صيغ منتشرة للدعاء بالرزق
- اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله، وإن كان في الأرض فأخرجه، وإن كان بعيدًا فقربه، وإن كان قريبًا فيسره، وإن كان قليلاً فكثره، وإن كان كثيرًا فبارك لي فيه.
- اللهم يا رازق السائلين، يا راحم المساكين، ويا ذا القوة المتين، ويا خير الناصرين، إياك نعبد وإياك نستعين، اللهم إني أسألك رزقًا واسعًا طيبًا من رزقك.
- اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد، وارزقنا من فضلك الواسع، واملأ حياتنا برضاك، واجعلنا ممن كتبت لهم السعادة في الدنيا والآخرة.
تنبيه هام: هذه الصيغ، وخاصة الأولى منها، مشهورة بين الناس ولكنها لم ترد في حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومع أن معناها صحيح، يبقى الالتزام بالأدعية المأثورة هو الأفضل والأكمل.
أدعية مأثورة للمتوفى
الدعاء للميت من أعظم الهدايا التي تصل إليه في قبره، وهو من العمل الذي لا ينقطع بعد الموت كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وردت في السنة أدعية جامعة في صلاة الجنازة وغيرها يمكن الدعاء بها للمتوفى في كل وقت.
1، الدعاء الوارد في صلاة الجنازة
“اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلاً خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ” (رواه مسلم).
2، الدعاء لعموم موتى المسلمين
“اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا، وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا، اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الإِسْلاَمِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الإِيمَانِ، اللَّهُمَّ لاَ تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ، وَلاَ تُضِلَّنَا بَعْدَهُ” (رواه أبو داود والترمذي، حديث صحيح).
3، أدعية عامة للمتوفى
- اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة، ولا تجعله حفرة من حفر النار.
- اللهم آنس وحشته، ووسع قبره، اللهم ارحم غربته، وارحم شيبته.
- اللهم ثبته عند السؤال، واملأ قبره بالرضا والنور، والفسحة والسرور.
أسباب استجابة الدعاء وموانعه
للدعاء آداب وشروط تزيد من فرصة قبوله، كما أن هناك موانع قد تحول دون استجابته، من المهم للمسلم أن يحرص على الأسباب ويتجنب الموانع.
من أسباب إجابة الدعاء:
- الإخلاص لله تعالى: أن يكون الدعاء خالصًا لوجه الله، لا رياء فيه ولا سمعة.
- حضور القلب واليقين بالإجابة: أن يدعو المسلم وهو موقن بأن الله سيستجيب له، كما قال ﷺ: “ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ”.
- البدء بحمد الله والثناء عليه والصلاة على النبي ﷺ: فهذا من أهم آداب الدعاء.
- الإلحاح في الدعاء: فإن الله يحب العبد اللحوح في دعائه.
- تحري أوقات الإجابة: كالثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، ويوم الجمعة، وعند نزول المطر.
- أكل الحلال: فإن أكل الحرام من أعظم موانع إجابة الدعاء، كما ورد في الحديث الصحيح.
من موانع إجابة الدعاء:
- الدعاء بإثم أو قطيعة رحم: فلا يستجيب الله دعاءً فيه معصية.
- الاستعجال وترك الدعاء: كأن يقول: “دعوت فلم يستجب لي”، فيترك الدعاء.
- الغفلة وعدم حضور القلب: فالله لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاهٍ.
- الوقوع في المعاصي والمحرمات: فإنها تحجب الدعاء عن الوصول إلى الله.
أوقات وأحوال يُرجى فيها استجابة الدعاء
هناك أوقات وأحوال وأماكن تكون الإجابة فيها أرجى، وقد دلت عليها نصوص من القرآن والسنة، ومنها:
- جوف الليل الآخر: وقت النزول الإلهي، حيث ينادي الله: “هل من داع فأستجيب له؟”.
- بين الأذان والإقامة: فقد أخبر النبي ﷺ أن الدعاء في هذا الوقت لا يُرد.
- في السجود: لقوله ﷺ: “أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ”.
- عند نزول المطر: فهو وقت رحمة من الله.
- آخر ساعة من يوم الجمعة: وهي ساعة إجابة على أرجح الأقوال.
- دعوة المظلوم: فليس بينها وبين الله حجاب.
- دعوة المسافر والصائم عند فطره: فهي دعوات مستجابة بإذن الله.
- عند الوقوف بعرفة: فخير الدعاء دعاء يوم عرفة.
المصادر والمراجع
- سورة الأنبياء، الآية 83.
- سورة القصص، الآية 24.
- سورة الفرقان، الآية 74.
- سورة نوح، الآيات 10-12.
- حديث “اللهم رب الناس…”: صحيح البخاري (5743)، وصحيح مسلم (2191)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “باسم الله..، أعوذ بالله وقدرته…”: صحيح مسلم (2202)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اللهم اكفني بحلالك…”: سنن الترمذي (3563)، وحسنه الألباني، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن…”: صحيح البخاري (2893)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “سيد الاستغفار”: صحيح البخاري (6306)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اللهم اغفر له وارحمه…”: صحيح مسلم (963)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اللهم اغفر لحينا وميتنا…”: سنن أبي داود (3201)، وصححه الألباني، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة (FAQs)
- ما حكم الدعاء بصيغ لم ترد في السنة النبوية؟
- يجوز الدعاء بأي صيغة ليس فيها محذور شرعي (مثل الاعتداء في الدعاء أو الدعاء بإثم)، ولكن الأفضل والأكمل هو الالتزام بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة لأنها أجمع للخير وأبعد عن الخطأ وأرجى للقبول.
- هل يجب الدعاء باللغة العربية فقط؟
- الأفضل الدعاء باللغة العربية، خاصة بالأدعية المأثورة، ولكن يجوز لمن لا يتقن العربية أن يدعو بلغته بما يحتاجه من خيري الدنيا والآخرة، فالله سبحانه وتعالى يعلم ما في القلوب ويسمع جميع اللغات.
- ما هو أفضل دعاء شامل لخيري الدنيا والآخرة؟
- من أجمع الأدعية دعاء النبي ﷺ: “اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” وهو دعاء قرآني أيضاً [البقرة: 201]، وكذلك دعاء: “اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي…” (رواه مسلم).

