إن شهر رجب هو أحد الأشهر الحُرُم التي عظّمها الله تعالى، وحثّ على اغتنامها في الطاعات والتقرب إليه، والدعاء من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه في كل وقت وحين، ويزداد فضلها في الأوقات المباركة، في هذا المقال، نستعرض مجموعة من الأدعية المأثورة الصحيحة، مع توضيح وبيان لبعض ما انتشر بين الناس مما لا يثبت، ليكون دليلك الموثوق للدعاء في هذا الشهر الفضيل وغيره من الأوقات.
قال الله تعالى في محكم تنزيله:
“إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ” [التوبة: 36]
والأشهر الحرم هي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب، وفي هذه الأشهر يُستحب للمسلم الإكثار من الأعمال الصالحة عمومًا، ومنها الدعاء الصادق الذي يبني جسرًا قويًا بين العبد وربه.
أدعية صحيحة من القرآن والسنة (يُدعى بها في كل وقت)
الأصل في الدعاء أن يكون بما ورد في كتاب الله وسنة نبيه الصحيحة، فهي جامعة لخيري الدنيا والآخرة، وهذه بعض الأدعية الصحيحة التي يمكن للمسلم أن يدعو بها في رجب وغيره من الشهور:
- سيد الاستغفار: وهو من أعظم صيغ طلب المغفرة، يُقال في الصباح والمساء.
“اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ”.
المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 6306..
 - دعاء تفريج الهم والكرب:
“اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي”.
المصدر: مسند الإمام أحمد، وصححه الألباني..
 - دعاء قضاء الدين والغنى من الفقر:
“اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَرَبَّ الْأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ”.
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 2713..
 
صيغ منتشرة تُنسب لشهر رجب (بيان وتوضيح)
يتداول بعض الناس أدعية وأذكارًا ينسبونها لشهر رجب على وجه الخصوص، ومن المهم توضيح الحكم الشرعي فيها بناءً على الأدلة الصحيحة.
- دعاء “اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان”: هذا الدعاء ورد في حديث يُروى عن أنس بن مالك رضي الله عنه، ولكنه حديث ضعيف، ضعّفه أهل العلم بالحديث، ومعناه صحيح، فلا بأس بالدعاء به من غير اعتقاد أنه سنة ثابتة خاصة بهذا الشهر.
 - فضل الدعاء في أول ليلة من رجب: ورد عن بعض السلف، كالإمام الشافعي رحمه الله الذي نقل أنه بلغه أن الدعاء يستجاب في خمس ليال، منها أول ليلة من رجب، وهذا الأثر منقول بصيغة “بلغنا”، وهو ليس حديثًا مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كما أن الأثر المروي عن ابن عمر رضي الله عنهما في هذا الباب ضعيف الإسناد.
 
تنبيه هام: الأصل في العبادات التوقيف، أي الالتزام بما ثبت في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاءٌ خاص أو عبادةٌ محددة بشهر رجب (كصلاة الرغائب أو صيام مخصوص)، والخير كله في اتباع هديه صلى الله عليه وسلم، ففي الأدعية والأعمال الثابتة عنه غنية وكفاية وبركة.
الحكم الشرعي في تخصيص شهر رجب بعبادات معينة
لتحقيق الفائدة وتقديم محتوى موثوق، نوضح أبرز الأحكام المتعلقة بالممارسات الشائعة في شهر رجب بناءً على أقوال أهل العلم المعتبرين:
- الدعاء المخصوص: لم يثبت دعاء مخصوص بالليلة الأولى من رجب أو بأي يوم منه، للمسلم أن يدعو بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة دون تخصيص صيغة معينة بالشهر.
 - الصيام في رجب: لم يصح حديث خاص في فضل الصيام في رجب بخصوصه، ولكن يُستحب الصيام بشكل عام، كصيام الإثنين والخميس، والأيام البيض، وهي سنة ثابتة في كل الشهور، ومنها شهر رجب.
 - العمرة في رجب: لا فضل خاص للعمرة في رجب على غيرها من الشهور، وإن كان أداؤها جائزًا وفيه أجر كسائر الأوقات.
 - ليلة الإسراء والمعراج: لم يثبت تحديد ليلة الإسراء والمعراج في شهر رجب على وجه اليقين، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أو صحابته تخصيص هذه الليلة باحتفال أو عبادة معينة.
 - قيام الليل: هو عبادة مستحبة في كل وقت، والاجتهاد فيها في رجب كغيره من الشهور هو أمر حسن من باب الإكثار من الطاعات عمومًا.
 
أدعية منقولة في كتاب “مفاتيح الجنان” (ضمن سياق المذهب الشيعي)
يُعد كتاب “مفاتيح الجنان” مرجعًا أساسيًا للأدعية والزيارات في المذهب الشيعي، ويحتوي على مجموعة من الأدعية المخصصة لشهر رجب، والتي تحظى بأهمية كبيرة لدى أتباع هذا المذهب، نورد هنا بعضًا منها كما وردت في المصدر، للعلم والمعرفة، مع التنبيه على أنها خاصة بمصادر هذا المذهب.
ومن هذه الأدعية التي يُدعى بها في كل يوم من رجب:
- “يَا مَنْ أَرْجُوهُ لِكُلِّ خَيْرٍ، وَآمَنُ سَخَطَهُ عِنْدَ كُلِّ شَرٍّ، يَا مَنْ يُعْطِي الْكَثِيرَ بِالْقَلِيلِ، يَا مَنْ يُعْطِي مَنْ سَأَلَهُ، يَا مَنْ يُعْطِي مَنْ لَمْ يَسْأَلْهُ وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ تَحَنُّنًا مِنْهُ وَرَحْمَةً…”.
 - “اَللّـهُمَّ إِنّي أَسأَلُكَ صَبْرَ الشّاكِرينَ لَكَ، وَعَمَلَ الْخائِفينَ مِنْكَ، وَيَقينَ الْعابِدينَ لَكَ…”.
 - “يَا مَنْ يَمْلِكُ حَوَائِجَ السَّائِلِينَ، وَيَعْلَمُ ضَمِيرَ الصَّامِتِينَ، لِكُلِّ مَسْأَلَةٍ مِنْكَ سَمْعٌ حَاضِرٌ وَجَوَابٌ عَتِيدٌ…”.
 - “خَابَ الْوَافِدُونَ عَلَى غَيْرِكَ، وَخَسِرَ الْمُتَعَرِّضُونَ إِلاَّ لَكَ، وَضَاعَ الْمُلِمُّونَ إِلاَّ بِكَ…”.
 
المصادر والمراجع
- سورة التوبة، الآية 36.
 - صحيح البخاري، حديث رقم 6306، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 - صحيح مسلم، حديث رقم 2713، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 - مسند الإمام أحمد، (يمكن مراجعة درجة صحة الحديث على موسوعة الدرر السنية).
 
أسئلة شائعة حول شهر رجب
ما هو أفضل دعاء في شهر رجب؟
لم يثبت دعاء مخصص لشهر رجب، وأفضل الدعاء هو ما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، مثل “ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار”، وسيد الاستغفار، وغيرهما من الأدعية الجامعة.
هل حديث “اللهم بارك لنا في رجب وشعبان” صحيح؟
لا، هذا الحديث إسناده ضعيف، ومع ذلك، يجوز الدعاء بمعناه دون الاعتقاد بأنه سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ما حكم صيام أول يوم من رجب؟
تخصيص أول يوم من رجب بالصيام لم يثبت فيه دليل صحيح، أما من كانت عادته صيام الإثنين والخميس، أو صيام يوم وإفطار يوم، ووافق ذلك أول رجب فلا حرج عليه.
هل الدعاء مستجاب في أول ليلة من رجب؟
لم يثبت حديث صحيح في ذلك، والأثر المنقول عن بعض السلف في هذا الشأن ضعيف، وأوقات إجابة الدعاء الثابتة هي الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، ويوم الجمعة، وغيرها من الأوقات المعلومة في السنة.
		
