يُعَدُّ التقرّب إلى الله سبحانه وتعالى غاية كل مؤمن، وسبيلًا لتعزيز الصلة بين العبد وخالقه، فالمؤمن الذي يحرص على طاعة الله بصدق وإخلاص، يجد سكينة وطمأنينة تغمر قلبه، ويعيش في كنف رضا الله ورعايته، ويأتي شهر شعبان كفرصة ثمينة لتجديد هذه العلاقة، واستثمار أوقاته بالطاعات وأعمال الخير، استعدادًا لاستقبال شهر رمضان المبارك.
إن من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه هي عبادة الدعاء، فهي مخ العبادة وجوهرها، وفيما يخص شهر شعبان، يكثر البحث عن أدعية مخصصة له، لذا سنوضح في هذا المقال ما ثبت في السنة النبوية الشريفة، ونبيّن حكم الأدعية المنتشرة التي لا أصل لها، مع تقديم باقة من الأدعية الصحيحة التي يمكن للمسلم أن يدعو بها في كل وقت وحين.
الأعمال والأدعية المشروعة في شهر شعبان
إن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وأفضل ما يفعله المسلم في شهر شعبان هو الاقتداء بالنبي في عبادته، مع الإكثار من الدعاء العام المأثور من القرآن والسنة.
1، الإكثار من الصيام (أفضل أعمال شعبان)
ثبت في السنة الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُكثر من الصيام في شهر شعبان أكثر من غيره من الشهور، استعدادًا لرمضان، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت:
“لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ”.
المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 1970.
2، أدعية صحيحة من القرآن والسنة (لشعبان وغيره)
لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء محدد خاص بشهر شعبان، ولكن يمكن للمسلم أن يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، والأفضل هو الدعاء بالأدعية الجامعة من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، ومنها:
- دعاء جامع لخيري الدنيا والآخرة:
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”.
المصدر: سورة البقرة، الآية 201.
 - سيد الاستغفار: وهو من أعظم صيغ طلب المغفرة، ويُقال في الصباح والمساء وفي كل وقت.
“اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ”.
المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 6306.
 - دعاء تفريج الكروب:
“لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ”.
المصدر: دعاء نبي الله يونس عليه السلام في القرآن (الأنبياء: 87)، وقال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: “فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ” (سنن الترمذي، حديث حسن صحيح).
 
صيغ دعاء منتشرة تُنسب لشهر شعبان
يتداول بعض الناس أدعية وصيغًا محددة ينسبونها لشهر شعبان، وغالبًا ما تكون مأخوذة من كتب لا تعتمد على الأحاديث الصحيحة، مثل كتاب “مفاتيح الجنان”، من أمثلة هذه الصيغ المنتشرة:
- “اللهم إن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقيًا أو محرومًا أو مطرودًا أو مقترًا عليّ في الرزق، فامحُ اللهم بفضلك شقاوتي وحرماني وطردي وإقتار رزقي…”.
 - “يا من تحل به عقد المكاره، ويا من يفثأ به حد الشدائد، ويا من يلتمس منه المخرج إلى روح الفرج…”.
 - “اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء، وبقوتك التي قهرت بها كل شيء…”.
 
تنبيه هام وحكم هذه الأدعية
تنبيه وإخلاء مسؤولية: هذه الصيغ المذكورة أعلاه وغيرها مما ينتشر على أنه “دعاء خاص بشهر شعبان” أو “دعاء ليلة النصف من شعبان” هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أحد من أصحابه الكرام.
الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها هو الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، إن تخصيص وقت معين (كيوم أو شهر) بدعاء معين لم يرد به دليل شرعي يُعد من الأمور المحدثة التي ينبغي على المسلم تجنبها، والأدعية القرآنية والنبوية الثابتة فيها الكفاية والبركة والخير العظيم.
الأعمال المستحبة في شهر شعبان
إلى جانب الصيام، يُستحب للمسلم أن يكثر من الطاعات العامة التي تقربه من الله تعالى، ومنها:
- قراءة القرآن الكريم: كان السلف الصالح إذا دخل شعبان، أقبلوا على المصاحف فقرأوها، قال سلمة بن كهيل: “كان يقال شهر شعبان شهر القراء”.
 - الاستغفار والذكر: الإكثار من قول “أستغفر الله”، والتسبيح والتحميد والتهليل، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فكلها أعمال ترفع الدرجات وتمحو السيئات.
 - الصدقة: هي من أعظم القربات، وتطفئ غضب الرب وتبارك في الرزق، وشهر شعبان فرصة عظيمة للإكثار منها، خاصة على الأقربين والمحتاجين.
 - صلاة النوافل: المحافظة على السنن الرواتب وقيام الليل والوتر، فهي سبل لزيادة القرب من الله ونيل محبته.
 
الدلالة وراء تسمية شهر شعبان بهذا الاسم
تعددت الروايات في سبب تسمية شهر شعبان بهذا الاسم، وأغلبها يرتبط بعادات العرب قبل الإسلام، ومن أبرز ما قيل في ذلك:
- لأنه “يتشعب” أي يتفرّق بين شهري رجب ورمضان.
 - لتشعّب القبائل العربية فيه وتفرّقها بحثًا عن الماء والكلأ.
 - لتفرّقهم فيه للغزو بعد قعودهم عنه في شهر رجب الحرام.
 - لتشعّب أغصان الشجر ونموها في هذا الوقت من العام.
 
أبرز الأحداث التاريخية التي وقعت في شهر شعبان
شهد شهر شعبان أحداثًا مهمة في التاريخ الإسلامي، مما يمنحه مكانة خاصة في ذاكرة الأمة، ومن أبرزها:
- تحويل القبلة: في السنة الثانية للهجرة، نزل الأمر الإلهي بتحويل قبلة المسلمين من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة في المسجد الحرام.
 - فرض صيام رمضان: في السنة الثانية للهجرة أيضًا، فُرض صيام شهر رمضان على المسلمين، ليصبح ركنًا من أركان الإسلام.
 - غزوة بني المصطلق: وقعت في السنة الخامسة (أو السادسة) للهجرة، وكانت من الغزوات المهمة التي قادها النبي صلى الله عليه وسلم.
 - ولادة الحسين بن علي: وُلد سبط النبي صلى الله عليه وسلم، الحسين بن علي رضي الله عنهما، في هذا الشهر المبارك.
 - وفاة أعلام الأمة: شهد هذا الشهر وفاة عدد من كبار العلماء عبر التاريخ، منهم الإمام ابن حزم الظاهري (سنة 456 هـ) والإمام المفسر ابن كثير (سنة 774 هـ).
 
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 201.
 - سورة الأنبياء، الآية 87.
 - صحيح البخاري، حديث رقم 1970، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 - صحيح البخاري، حديث رقم 6306، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 - سنن الترمذي، كتاب الدعوات، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 - لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي (فيما يتعلق بأعمال السلف في شعبان).
 
أسئلة شائعة حول شهر شعبان
- س: هل هناك دعاء محدد وثابت لشهر شعبان؟
 - ج: لا، لم يثبت في السنة النبوية الصحيحة دعاء مخصص لشهر شعبان، والمشروع هو الإكثار من الأدعية العامة من القرآن والسنة، مع التركيز على عبادة الصيام اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم.
 - س: ما حكم تخصيص ليلة النصف من شعبان بعبادة معينة؟
 - ج: لم يثبت حديث صحيح في فضل ليلة النصف من شعبان أو في تخصيصها بصلاة أو دعاء أو قيام، والأصل هو عدم تخصيص أي وقت بعبادة لم يخصصها الشرع، والعبادة فيها كغيرها من الليالي.
 - س: ما هو أفضل عمل يمكنني القيام به في شعبان؟
 - ج: أفضل عمل هو الإكثار من الصيام، كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ويليه الإكثار من قراءة القرآن والاستغفار والصدقة وغيرها من عموم الطاعات التي تُهيئ النفس لاستقبال شهر رمضان.
 
		
