إن تغسيل الميت المسلم وتجهيزه للصلاة عليه ودفنه يُعدُّ فرض كفاية، وهو من حق المسلم على أخيه المسلم، وقد بيّنت السنة النبوية الشريفة الطريقة الصحيحة لهذه الشعيرة، بما في ذلك الآداب الواجب اتباعها، ورغم أن التركيز الأساسي ينصب على الفعل نفسه، فإن الدعاء للميت بالرحمة والمغفرة مشروع ومستحب في كل وقت، بما في ذلك أثناء تجهيزه لمثواه الأخير.

الحكم الشرعي للدعاء عند تغسيل الميت

أجمع أهل العلم على أنه لم يرد في السنة النبوية دعاء بصيغة محددة أو نص معين يُقال خصيصًا أثناء عملية تغسيل المتوفى، فالأمر في هذا واسع، والأصل هو التركيز على إحسان الغسل وفق ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك، لا حرج على المُغسِّل ومن يعينه أن يدعو للميت بالرحمة والمغفرة والتثبيت سرًا أو جهرًا بصوت منخفض، لأن الدعاء للمسلمين من أعظم القربات وهو مشروع في كل حال.

أدعية صحيحة ومأثورة للميت (يمكن الدعاء بها في كل حين)

الأفضل للمسلم أن يلتزم بالأدعية الثابتة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي جامعة للخير ومباركة، وهذه الأدعية يمكن الدعاء بها للمتوفى في الصلاة عليه، وعند زيارة قبره، وفي كل وقت.

• دعاء النبي ﷺ في صلاة الجنازة:
  

  “اللَّهُمَّ، اغْفِرْ له وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عنْه، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بالمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الخَطَايَا كما نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِن دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِن أَهْلِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِن زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الجَنَّةَ، وَأَعِذْهُ مِن عَذَابِ القَبْرِ، أَوْ مِن عَذَابِ النَّارِ.”

  (المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 963).

• دعاء عند إغماض عيني الميت:
  

  “اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَبِي سَلَمَةَ (يُذكر اسم المتوفى)، وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ، وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ.”

  (المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 920).

• دعاء من القرآن الكريم للمؤمنين السابقين:
  

  “رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ”

  [سورة الحشر: 10].

أمثلة على صيغ دعاء عامة للمتوفى

هذه بعض الصيغ العامة التي يتداولها الناس للدعاء للميت، وهي تحمل معاني طيبة، ويمكن الدعاء بها في أي وقت من باب الدعاء العام للمسلمين.

• اللَّهُمَّ، إِنَّ فُلانَ بْنَ فُلانٍ فِي ذِمَّتِكَ، وَحَبْلِ جِوَارِكَ، فَقِهِ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ، وَأَنْتَ أَهْلُ الْوَفَاءِ وَالْحَقِّ، فَاغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
• اللَّهُمَّ، عَبْدُكَ وَابْنُ أَمَتِكَ، احْتَاجَ إِلَى رَحْمَتِكَ، وَأَنْتَ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِهِ، إِنْ كَانَ مُحْسِنًا فَزِدْ فِي إِحْسَانِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ.
• اللَّهُمَّ، اجْعَلْ قَبْرَهُ رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَلَا تَجْعَلْهُ حُفْرَةً مِنْ حُفَرِ النَّارِ.
• اللَّهُمَّ، آنِسْ وَحْشَتَهُ، وَارْحَمْ غُرْبَتَهُ، وَتَجَاوَزْ عَنْ سَيِّئَاتِهِ، وَاقْبَلْ مِنْهُ حَسَنَاتِهِ.

تنبيه هام: هذه الصيغ هي من الأدعية العامة التي يمكن الدعاء بها للميت، ولكنها لم ترد في السنة النبوية بشكل مخصص ليُقال أثناء عملية التغسيل، الدعاء عبادة، والأصل فيه الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة.

فضل تغسيل الميت وتجهيزه كما ورد في السنة

وردت أحاديث نبوية شريفة تبيّن الأجر العظيم لمن يتولى تجهيز الميت المسلم، شريطة أن يلتزم بالأمانة والستر.

• المغفرة والستر: من أعظم الفضائل التي وردت في هذا الباب، أن من غسّل ميتاً فستر عليه ما قد يراه من أمر يكرهه، فإن الله يغفر له.
  

  “مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَكَتَمَ عَلَيْهِ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ أَرْبَعِينَ مَرَّةً…”

  (المصدر: المستدرك على الصحيحين للحاكم، وصححه الألباني).

• الأجر العظيم الشامل: يشمل الأجر كل من شارك في تجهيز الميت بنية صادقة، من الغسل والتكفين والحمل والصلاة عليه، بشرط حفظ سر الميت.
  

  “مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا وَكَفَّنَهُ وَحَنَّطَهُ وَحَمَلَهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ وَلَمْ يُفْشِ عَلَيْهِ مَا رَأَى مِنْهُ، خَرَجَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ.”

  (المصدر: سنن ابن ماجه، وحسنه الألباني).

كيفية تغسيل الميت وفق السنة النبوية

تستند طريقة تغسيل الميت إلى الهدي النبوي، وخاصة توجيهه للنساء اللاتي غسلن ابنته زينب رضي الله عنها، والأولى بتغسيل الميت هم الأقرباء الثقات العارفون بأحكام الغسل.

1. الستر: يجب ستر عورة الميت (ما بين السرة والركبة) بقطعة قماش، ولا يجوز كشفها.
2. التجريد والرفع: يُجرد الميت من ثيابه تحت الساتر، ويوضع على مكان مرتفع ليسهل غسله.
3. التنظيف الأولي: يُرفع رأس الميت قليلاً ويُعصر بطنه برفق لإخراج ما قد يكون فيه، ثم يُكثر صب الماء، يقوم المُغسِّل بلف خرقة على يده لتنظيف مخرجي الميت (القبل والدبر) دون لمس العورة مباشرة.
4. الوضوء: يبدأ المُغسِّل بتوضئة الميت وضوءه للصلاة، فيتمضمض ويستنشق عن طريق إدخال إصبع مبلولة أو قطعة قماش مبلولة في فمه وأنفه، ثم يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ويمسح رأسه، ويغسل رجليه.
5. الغسل: يبدأ بغسل الرأس واللحية بماء وسدر أو صابون، ثم يغسل الشق الأيمن من جسده (العنق ثم اليد اليمنى فالصدر والبطن والفخذ والساق والقدم)، ثم يفعل المثل بالشق الأيسر.
6. التكرار: يُكرر الغسل ثلاث مرات، فإن لم ينقَ الجسد، يُزاد إلى خمس أو سبع، بحيث يكون العدد وتراً.
7. الكافور: يُجعل في الغسلة الأخيرة شيء من الكافور، لرائحته الطيبة وتأثيره في تصلب الجسد، وذلك لقول النبي ﷺ:
   

   “اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ، بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كَافُورًا، أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ…”

   (المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 1253).

8. التجفيف والتكفين: بعد الانتهاء من الغسل، يُجفف جسد الميت بمنشفة نظيفة، ثم يُبدأ بتكفينه.

من يحضر تغسيل الميت؟

الأصل أن لا يحضر الغسل إلا من له حاجة في ذلك، وهم:

• المُغسِّل الأساسي: وهو الشخص الذي يتولى عملية الغسل، ويُشترط فيه أن يكون أميناً، عالماً بأحكام الغسل، ساتراً لما قد يراه.
• المساعد: شخص أو أكثر لمساعدة المُغسِّل في صب الماء وتقليب الميت، ويُشترط فيه الأمانة والستر أيضاً.
• ولي الميت أو قريب له: يجوز لولي الميت أو أحد أقاربه المقربين الحضور إن لم يكن في ذلك جزع أو صياح، وقد يكون في حضوره مصلحة.

أما من لا دور له في عملية الغسل، فالأفضل له عدم الحضور صوناً لحرمة الميت ومنعاً للازدحام وكشف ما لا ينبغي كشفه.

أسئلة شائعة

هل هناك دعاء محدد يقال عند غسل الميت؟

لا، لم يثبت في السنة النبوية دعاء مخصص يُقال أثناء الغسل، ولكن الدعاء العام للميت بالرحمة والمغفرة مشروع ومستحب في هذا الوقت وغيره.

ما هو أفضل دعاء للميت؟

أفضل الأدعية هي ما وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، مثل الدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الجنازة: “اللَّهُمَّ، اغْفِرْ له وَارْحَمْهُ…” لأنه دعاء جامع وشامل.

ما حكم من يفشي ما يراه من عيوب في الميت؟

إفشاء ما يُرى على جسد الميت من علامات غير حسنة يُعد من الغيبة المحرمة وخيانة الأمانة، وهو فعل ينافي الأجر العظيم المشروط بالستر، وقد حذر منه أهل العلم بشدة.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

جميع مقالات احمد نصر