الدعاء للشهداء والمرابطين من أعظم القربات وأجلِّ الأعمال التي تعبر عن التلاحم والمواساة، فالشهيد له منزلة عظيمة عند الله تعالى، والمرابط على ثغور المسلمين لحمايتهم له أجر جزيل، إن تضحياتهم فداءً للدين والوطن تستوجب منا أن نلهج لهم بالدعاء بالرحمة والقبول، وأن نسأل الله للمرابطين الثبات والنصر والتأييد، في هذا المقال، نستعرض أدعية مأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، مع بيان حكم بعض الصيغ المنتشرة لتقديم محتوى موثوق وشامل.
أدعية مشروعة للشهداء من السنة النبوية
يُشرع للمسلم أن يدعو للشهيد بما يُدعى به لعموم موتى المسلمين، فالشهيد يُغسّل ويُكفّن ويُصلّى عليه (ما لم يكن شهيد معركة)، وهذه بعض الأدعية الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الجنازة، والتي يمكن الدعاء بها للشهيد في كل وقت:
- عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة، فحفظت من دعائه وهو يقول:
“اللَّهُمَّ، اغْفِرْ له وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عنْه، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بالمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الخَطَايَا كما نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِن دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِن أَهْلِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِن زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الجَنَّةَ، وَأَعِذْهُ مِن عَذَابِ القَبْرِ، أَوْ مِن عَذَابِ النَّارِ”.
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 963.
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو فيقول:
“اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا، وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا، اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ، اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ، وَلَا تُضِلَّنَا بَعْدَهُ”.
المصدر: سنن الترمذي، حديث رقم 1024، وقال: “حديث حسن صحيح”.
أدعية قرآنية ونبوية للمرابطين والجنود
الدعاء للمرابطين والجنود بالنصر والثبات من هدي القرآن والسنة، فهو من أسباب النصر وتفريج الكروب، وهذه بعض الأدعية الموثوقة:
- دعاء لطلب الصبر والثبات والنصر:
“رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ”
المصدر: سورة البقرة، الآية 250.
- دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عند لقاء العدو:
“اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، ومُجْرِيَ السَّحَابِ، وهَازِمَ الأحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وانْصُرْنَا عليهم”
المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 2966.
- دعاء للاستعانة بالله والحفظ:
“اللَّهمَّ إنَّا نجعلُكَ في نحورِهِم، ونعوذُ بِكَ من شرورِهِم”
المصدر: سنن أبي داود، حديث رقم 1537، وصححه الألباني.
أمثلة على الأدعية العامة المنتشرة
تنتشر بين الناس صيغ دعاء حسنة المعنى، يُدعى بها للشهداء والجنود، يجوز الدعاء بها لأنها لا تحتوي على محظور شرعي، ولكن من المهم معرفة أنها لم ترد بلفظها عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأكمل هو الالتزام بالأدعية المأثورة، ومن هذه الصيغ:
- اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ شُهَدَاءَنَا بِرَحْمَتِكَ، وَأَكْرِمْ مَثْوَاهُمْ، وَاغْفِرْ لَهُمْ، وَارْفَعْ دَرَجَاتِهِمْ فِي عِلِّيِّينَ.
- اللَّهُمَّ ارْبِطْ عَلَى قُلُوبِ أُمَّهَاتِ الشُّهَدَاءِ وَآبَائِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ، وَأَنْزِلْ عَلَيْهِمُ الصَّبْرَ وَالسُّلْوَانَ.
- اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَوْدِعُكَ جُنُودَنَا المُرَابِطِينَ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَالجَوِّ، فَاحْفَظْهُمْ بِحِفْظِكَ يَا خَيْرَ الحَافِظِينَ.
- اللَّهُمَّ ثَبِّتْ أَقْدَامَ جُنُودِنَا، وَسَدِّدْ رَمْيَهُمْ، وَرُدَّ كَيْدَ أَعْدَائِهِمْ فِي نُحُورِهِمْ، وَاحْفَظْهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ.
- يَا رَبَّنَا، اجْعَلْ قُبُورَ شُهَدَائِنَا رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ، وَلَا تَجْعَلْهَا حُفْرَةً مِنْ حُفَرِ النِّيرَانِ، وَأَسْكِنْهُمُ الفِرْدَوْسَ الأَعْلَى.
هل هذه الأدعية ثابتة؟ (الحكم الشرعي)
تنبيه هام: الصيغ المذكورة في القسم أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، وهي حسنة المعنى ويمكن الدعاء بها من باب الدعاء العام، ولكن، لم تثبت هذه الصيغ بلفظها المحدد في حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه. الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، والالتزام بها أفضل وأعظم أجراً.
فضل الشهادة والرباط في سبيل الله
لقد عظّم الله شأن الشهادة في سبيله، وبيّن النبي صلى الله عليه وسلم فضل الرباط لحماية ديار المسلمين.
- قال الله تعالى في كتابه الكريم:
“وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ”
المصدر: سورة آل عمران، الآية 169.
- وقال النبي صلى الله عليه وسلم في فضل الرباط:
“رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ الْفَتَّانَ”
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 1913.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 250.
- سورة آل عمران، الآية 169.
- صحيح مسلم، حديث رقم 963، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 1913، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري، حديث رقم 2966، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، حديث رقم 1024، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن أبي داود، حديث رقم 1537، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة (FAQs)
ما هو أفضل دعاء للشهيد؟
أفضل ما يُدعى به للشهيد هو الأدعية الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم لعموم موتى المسلمين، مثل دعاء صلاة الجنازة: “اللَّهُمَّ، اغْفِرْ له وَارْحَمْهُ…”، فهو دعاء جامع وشامل بالرحمة والمغفرة وإكرام المنزلة.
هل هناك دعاء خاص بالجنود المرابطين؟
نعم، هناك أدعية نبوية مأثورة تُقال عند لقاء العدو ولطلب النصر والثبات، مثل: “اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ..، اهْزِمْهُمْ وانْصُرْنَا عليهم”، وكذلك الدعاء القرآني: “رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا…”.
هل يجوز الدعاء بصيغ من عندي لم ترد في السنة؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من صيغ الدعاء، بشرط ألا يكون في معنى الدعاء مخالفة شرعية أو اعتداء في الدعاء، ومع ذلك، يبقى الالتزام بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة هو الأفضل والأكمل والأعظم أجراً.
