يواجه الإنسان في حياته ابتلاءات ومصائب تختبر قوة إيمانه، وهي سنة الله في خلقه لحكم عظيمة، منها تمحيص المؤمن ورفع درجاته، وفي هذه الأوقات، يبرز الصبر كأحد أعظم مقامات العبودية، فهو السلاح الذي يتسلح به المؤمن، والزاد الذي يعينه على تحمل المشاق، واللجوء إلى الله تعالى بالدعاء هو أعظم ما يعين على الثبات، حيث يطلب العبد من خالقه العون والقوة والسكينة.
إن الصبر خصلة حميدة يحبها الله ويجازي أهلها بغير حساب، كما قال تعالى:
“إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ” [الزمر: 10]
، لذا، كان لزامًا على المسلم أن يستعين بالله ويدعوه بقلب خاشع أن يرزقه الصبر الجميل عند نزول البلاء.
أدعية الصبر الثابتة في القرآن الكريم والسنة النبوية
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهي أدعية جامعة مباركة، فيها الخير والكفاية والبركة، ومن هذه الأدعية:
1، أدعية من القرآن الكريم
- دعاء الاسترجاع عند المصيبة: وهو قول المؤمن الذي يرضى بقضاء الله وقدره.
“الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ” [البقرة: 156]
.
- دعاء طلب الصبر والثبات عند الشدائد: وهو دعاء المؤمنين عند مواجهة الأعداء أو الشدائد العظيمة.
“وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ” [البقرة: 250]
.
- دعاء نبي الله موسى عليه السلام: وهو دعاء جامع لطلب الهداية والرحمة.
“رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ” [يونس: 85-86]
.
2، أدعية من السنة النبوية الصحيحة
- دعاء أم سلمة عند المصيبة: وهو من أعظم الأدعية التي يُرجى بها الخلف الصالح.
“مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، فَيَقُولُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ، وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا”
(المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 918).
- دعاء الكرب والضيق:
“اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ”
(المصدر: سنن أبي داود، حديث حسن).
- دعاء ذي النون (يونس عليه السلام): وهو دعاء عظيم لتفريج الكروب.
“دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ”
(المصدر: سنن الترمذي، حديث صحيح).
أمثلة على صيغ وأدعية عامة لطلب الصبر
بالإضافة إلى الأدعية المأثورة من القرآن والسنة، يتداول الناس بعض الصيغ العامة التي تحمل معاني طيبة في طلب الصبر والفرج، يمكن للمسلم أن يدعو بها أو بما يفتح الله عليه من الدعاء، شريطة ألا يعتقد أنها سنة ثابتة بلفظها أو أن لها فضلاً خاصاً لم يرد به دليل.
- اللَّهُمَّ يَا صَبُورُ، صُبَّ عَلَيْنَا الصَّبْرَ صَبًّا، وَارْبِطْ عَلَى قُلُوبِنَا، وَاجْعَلْنَا مِنَ الشَّاكِرِينَ لِنَعْمَائِكَ، الرَّاضِينَ بِقَضَائِكَ.
- رَبِّ، إِنَّكَ تَعْلَمُ سِرِّي وَعَلَانِيَتِي فَاقْبَلْ مَعْذِرَتِي، وَتَعْلَمُ حَاجَتِي فَأَعْطِنِي سُؤْلِي، وَتَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ذَنْبِي، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ إِيمَانًا يُبَاشِرُ قَلْبِي، وَيَقِينًا صَادِقًا حَتَّى أَعْلَمَ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَنِي إِلَّا مَا كَتَبْتَ لِي، وَرِضًا بِمَا قَسَمْتَ لِي يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ.
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ.
- يَا رَبِّ، أَنْتَ حَسْبِي وَمَلَاذِي حِينَ تَضِيقُ بِيَ السُّبُلُ، إِلَيْكَ أَرْفَعُ حَاجَتِي وَأَبُثُّ شَكْوَايَ، فَاكْشِفْ كُرْبَتِي، وَفَرِّجْ هَمِّي، وَارْزُقْنِي الصَّبْرَ وَقُوَّةَ التَّحَمُّلِ.
تنبيه هام وحكم الأدعية العامة
تنبيه هام: الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يدعو به بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه بهذه الألفاظ المحددة، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، ويجوز للمسلم أن يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة ما لم يكن فيه إثم أو قطيعة رحم، ولكن الأكمل والأفضل هو لزوم المأثور.
أدعية مؤثرة لطلب الصبر وتيسير الفرج
عندما تشتد الكروب، يتوجه القلب إلى خالقه بصدق وإلحاح، مناجياً إياه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، طالباً منه المدد والعون، وهذه بعض الأدعية التي يمكن الاستئناس بها:
- اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَارْزُقْنِي مِنْ حَيْثُ لَا أَحْتَسِبُ.
- رَبِّ لَا تَكِلْنِي إِلَى أَحَدٍ، وَلَا تُحْوِجْنِي إِلَى أَحَدٍ، وَأَغْنِنِي عَنْ كُلِّ أَحَدٍ، يَا مَنْ إِلَيْهِ الْمُسْتَنَدُ وَعَلَيْهِ الْمُعْتَمَدُ.
- اللَّهُمَّ اكْشِفِ الْغُمَّةَ، وَأَجْلِ الْهَمَّ، وَارْفَعِ الْكَرْبَ، وَيَسِّرِ الْعُسْرَ، وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ كُلِّ بَلَاءٍ عَافِيَةً.
- اللَّهُمَّ يَا صَبُورُ، امْنَحْنِي الصَّبْرَ الْجَمِيلَ عَلَى مَا ابْتَلَيْتَنِي بِهِ، وَاجْعَلْ قَلْبِي ثَابِتًا عَلَى رِضَاكَ، وَأَعِنِّي أَنْ أَحْمَدَكَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ.
المصادر والمراجع
- سورة الزمر، الآية 10.
- سورة البقرة، الآية 156.
- سورة البقرة، الآية 250.
- سورة يونس، الآيتان 85-86.
- صحيح مسلم، حديث رقم 918، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن أبي داود، حديث رقم 5090، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، حديث رقم 3505، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة حول دعاء الصبر
ما هو أفضل دعاء لطلب الصبر؟
أفضل الأدعية هي تلك الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، مثل دعاء الاسترجاع “إنا لله وإنا إليه راجعون” ودعاء أم سلمة “اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها”، لأنها أدعية مأثورة ومباركة.
هل يجوز أن أدعو الله بالصبر بأسلوبي الخاص؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يفتح عليه من كلام وبأسلوبه الخاص، بشرط أن يكون معنى الدعاء صحيحاً ولا يخالف الشريعة، وألا يحتوي على إثم أو اعتداء، ومع ذلك، يبقى الدعاء بالمأثور هو الأكمل والأفضل.
ما هو فضل الصبر عند نزول المصيبة؟
للصبر فضائل عظيمة، منها أن الله يوفي الصابرين أجرهم بغير حساب، وأن الصبر ضياء للمؤمن، ومعية الله تكون مع الصابرين، كما أن الصبر في أول الصدمة هو الصبر الحقيقي الذي يُثاب عليه العبد أعظم الثواب.


