الدُّعاء هو صلة العبد بربه، وعبادة جليلة يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى، يبثُّ إليه حاجاته وهمومه، ويطلب منه العون والتيسير، وقد حثَّنا الله عزَّ وجلَّ على دعائه ووعد بالإجابة، فقال في كتابه الكريم:
“وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدْعُونِيٓ أَسْتَجِبْ لَكُمْ” [غافر: 60]
ومن أعظم ما يثقل كاهل الإنسان ويشغل باله هو الدَّين، إلا أن رحمة الله واسعة، والدعاء باب عظيم لتفريج الكروب وقضاء الديون بإذنه تعالى، وقد وردت في السنة النبوية الشريفة أدعية صحيحة ثابتة تعين المسلم على هذه الغاية.
أدعية صحيحة من السنة النبوية لقضاء الدين
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي جامعة لخيري الدنيا والآخرة، وفيها البركة والكفاية، ومن هذه الأدعية المباركة:
- دعاء الكفاية في الرزق: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أن مكاتبًا جاءه فقال: إني قد عجزت عن كتابتي فأعني، قال: ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان عليك مثل جبل صير دينًا أداه الله عنك؟ قال: قل:
 “اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ”. المصدر: سنن الترمذي، حديث حسن. شرح موجز: هذا الدعاء يتضمن توكلاً كاملاً على الله، وطلبًا بأن يكفي العبد برزقه الحلال عن الحاجة إلى الحرام، وأن يغنيه بفضله وكرمه عن سؤال الناس. 
- دعاء تفريج الهم وقضاء الدين: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة، فقال: “يا أبا أمامة، ما لي أراك جالسًا في المسجد في غير وقت الصلاة؟” قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، قال: “أفلا أعلمك كلامًا إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك، وقضى عنك دينك؟” قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: “قل إذا أصبحت، وإذا أمسيت”:
 “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ، وَقَهْرِ الرِّجَالِ”. المصدر: سنن أبي داود، وقد حسّن إسناده جمع من أهل العلم. شرح موجز: دعاء جامع يستعيذ فيه المسلم بالله من كل ما يعيق سعيه ويضعفه، كالهم الذي يشغل القلب، والعجز والكسل اللذين يمنعان العمل، والبخل الذي يمنع الإنفاق، وغلبة الدين وقهر الرجال الذي يذل الإنسان. 
- دعاء باسم الله الأعظم لقضاء الدين: ورد في حديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: “ألا أعلمك دعاء تدعو به لو كان عليك مثل جبل أحد دينًا لأداه الله عنك؟ قل يا معاذ”:
 “اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ، وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ، وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ، وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ، بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، رَحْمَنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمَهُمَا، تُعْطِيهِمَا مَنْ تَشَاءُ، وَتَمْنَعُ مِنْهُمَا مَنْ تَشَاءُ، ارْحَمْنِي رَحْمَةً تُغْنِينِي بِهَا عَنْ رَحْمَةِ مَنْ سِوَاكَ”. المصدر: رواه الطبراني في “المعجم الصغير”، وحسّنه الألباني. شرح موجز: يبدأ هذا الدعاء بآيات من سورة آل عمران، وهو توسل إلى الله بأسمائه وصفاته العظيمة التي تدل على كمال قدرته وملكه، ثم طلب الرحمة الواسعة التي تكفي العبد عن كل ما سواه. 
أدعية عامة وصيغ شائعة لقضاء الدين
يتداول الناس بعض الصيغ والأدعية التي لم ترد في حديث صحيح بلفظها، ولكن معانيها صحيحة ولا تخالف الشرع، يمكن للمسلم أن يدعو بها على سبيل الدعاء العام، دون أن ينسبها إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو يعتقد لها فضلاً خاصاً، ومن أمثلة ذلك:
- “سبحان الله عدد ما أعطى وعدد ما وهب، وعدد ما يجود به وعدد ما يخرج من الأرض، وعدد ما ينزل من السماء، اللهم وسع رزقي واقضِ ديني وقوِّ ظهري”.
- “يا حيُّ يا قَيّومُ برحْمَتِكَ أسْتَغيثُ، يا ودُودُ يا ودُودُ يا ودُودُ، يا ذا العَرْشِ المجيدِ، يا فَعَّالُ لِما يُرِيدُ، اللَّهُمَّ إنِّي أسْأَلُكَ بِعِزِّكَ الذي لا يُرَامُ، ومُلْكِكَ الذي لا يُضامُ، ونُورِكَ الذي مَلأَ أرجاءَ عَرْشِكَ، أنْ تَقْضِي ديني وتيسر أمري”.
- “يا عِمادَ مَنْ لا عِمادَ لَهُ، وَيا ذُخْرَ مَنْ لا ذُخْرَ لَهُ، وَيا سَنَدَ مَنْ لا سَنَدَ لَهُ..، أسألك أن تقضي عني ديني وتفرج كربي”.
تنبيه هام: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة، وفيها الخير كله، والدعاء بألفاظ عامة بمعانٍ صحيحة جائز، شريطة عدم نسبتها للسنة أو اعتقاد فضل خاص بها.
ما حكم الدعاء بالصيغ غير المأثورة؟
أوضح العلماء أن الدعاء ينقسم إلى قسمين: دعاء مأثور ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الأفضل والأكمل، والقسم الثاني هو الدعاء بألفاظ من إنشاء العبد نفسه، وهذا جائز ومشروع ما دامت معانيه صحيحة ولا تحتوي على إثم أو اعتداء في الدعاء، فباب الدعاء واسع، ويمكن للمسلم أن يناجي ربه بما يفتح الله عليه من كلمات تليق بجلاله، مع التأكيد على أن الأدعية النبوية هي الأعلى منزلة والأعظم بركة.
الأخذ بالأسباب مع الدعاء
إن اللجوء إلى الله بالدعاء هو من أعظم أسباب قضاء الدين وتفريج الكرب، ولكن يجب على المسلم أن يقرن الدعاء بالعمل والأخذ بالأسباب المشروعة، فالدين الإسلامي يحث على التوكل على الله، وليس التواكل، ومن الأسباب المعينة على قضاء الدين:
- النية الصادقة في السداد: من استدان وهو ينوي السداد، كان الله في عونه.
- العمل والسعي لكسب الرزق: البحث عن مصادر دخل حلال والجد في العمل.
- الاقتصاد في المعيشة: تجنب الإسراف والتبذير والإنفاق في غير موضعه.
- الاستغفار والتقوى: فهما من أعظم أسباب جلب الرزق، قال تعالى:.
“فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ…” [نوح: 10-12]
المصادر والمراجع
- سورة غافر، الآية 60.
- سورة نوح، الآيات 10-12.
- حديث “اللهم اكفني بحلالك…”، سنن الترمذي، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن…”، سنن أبي داود، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اللهم مالك الملك…”، المعجم الصغير للطبراني، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة (FAQs)
ما هو أفضل وقت للدعاء لقضاء الدين؟
يستجاب الدعاء في كل وقت، ولكن هناك أوقات وأحوال تكون فيها الإجابة أرجى، مثل الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، ويوم الجمعة، وعند نزول المطر، والأهم هو حضور القلب واليقين بالله.
هل الأدعية الصحيحة المذكورة كافية؟
نعم، الأدعية الواردة في السنة النبوية الصحيحة هي خير ما يدعو به المسلم، فهي جامعة للمعاني وفيها بركة عظيمة، الإكثار منها مع اليقين وحسن الظن بالله كافٍ بإذن الله لتحقيق المراد.
ما هو البديل الصحيح للأدعية المنتشرة وغير الثابتة؟
البديل الصحيح والأفضل دائمًا هو الالتزام بالأدعية الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل دعاء “اللهم اكفني بحلالك…” ودعاء “اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن…”، فهذه الأدعية هي التي أرشدنا إليها من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم.
 
		

