يُعد يوم الأم مناسبة عالمية يُعبّر فيها الأبناء عن امتنانهم وتقديرهم لتضحيات أمهاتهم، لكن هذه المناسبة قد تثير مشاعر الشوق والحنين في قلوب من فقدوا أمهاتهم، فغيابها يترك فراغًا عميقًا، ومن أعظم أعمال البر التي تصل إلى الأم بعد وفاتها هو الدعاء الصادق لها بالرحمة والمغفرة، فهو هدية لا تنقطع، وعمل صالح يرفع درجاتها بإذن الله.
أفضل ما يُدعى به للأم المتوفاة من القرآن والسنة
الأصل في العبادات، ومنها الدعاء، هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهي الأدعية الجامعة والمباركة التي تشمل خيري الدنيا والآخرة، ومن الأدعية الموثوقة التي يُشرع الدعاء بها للأم المتوفاة وغيرها من موتى المسلمين:
1، أدعية من القرآن الكريم
الدعاء للوالدين بالرحمة هو وصية إلهية، ومن أعظم ما يُدعى به قوله تعالى:
“رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا” [الإسراء: 24]
وهذا الدعاء يشمل طلب الرحمة لهما جزاءً على تربيتهما ورعايتهما في الصغر.
2، أدعية من السنة النبوية الصحيحة
وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أدعية جامعة للمتوفى، وهي من أفضل ما يُهدى للأم الراحلة:
- الدعاء الوارد في صلاة الجنازة، وهو دعاء شامل للميت، فعن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة، فحفظت من دعائه وهو يقول:
“اللَّهُمَّ، اغْفِرْ له وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عنْه، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بالمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الخَطَايَا كما نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِن دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِن أَهْلِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِن زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الجَنَّةَ، وَأَعِذْهُ مِن عَذَابِ القَبْرِ، أَوْ مِن عَذَابِ النَّارِ.” (رواه مسلم)
.
كما أن الدعاء للوالدين من العمل الصالح الذي لا ينقطع أجره بعد الموت، استنادًا إلى الحديث الشريف:
“إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له.” (رواه مسلم)
صيغ وأدعية عامة للأم المتوفاة
إلى جانب الأدعية المأثورة من القرآن والسنة، يمكن للمسلم أن يدعو لوالدته بما يفتح الله عليه من صيغ طيبة تحمل معاني الرحمة والمغفرة، وهذه بعض الأمثلة على الأدعية العامة التي يتداولها الناس:
- اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهَا وَارْحَمْهَا، وَنَجِّهَا مِنْ عَذَابِكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَكَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ حَوْضَ نَبِيِّكَ الكَرِيمِ مَوْرِدًا لَهَا، وَشَفَاعَتَهُ نَصِيبًا لَهَا، وَأَظِلَّهَا بِظِلِّكَ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّكَ.
- اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا فِي الفِرْدَوْسِ الأَعْلَى بِجِوَارِ أَنْبِيَائِكَ وَصَالِحِي عِبَادِكَ وَالشُّهَدَاءِ، وَاجْمَعْنَا بِهَا فِي دَارِ الخُلُودِ بِرَحْمَتِكَ يَا أَكْرَمَ الأَكْرَمِينَ.
- اللَّهُمَّ يَا مَنْ خَلَقْتَهَا وَأَكْرَمْتَهَا بِالإِسْلَامِ، وَقَبَضْتَ رُوحَهَا إِلَيْكَ، وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِحَالِهَا وَسِرِّهَا وَعَلَانِيَتِهَا، نَسْأَلُكَ يَا غَفُورُ أَنْ تَغْفِرَ لَهَا وَتَرْحَمَهَا وَتَجْعَلَ قَبْرَهَا رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ.
- اللَّهُمَّ اجْعَلْ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَفِيعًا لَهَا، وَاحْشُرْهَا مَعَ أَهْلِ الجَنَّةِ تَحْتَ لِوَائِهِ، وَاسْقِهَا مِنْ يَدِهِ الشَّرِيفَةِ شَرْبَةً لَا تَظْمَأُ بَعْدَهَا أَبَدًا.
تنبيه هام: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، وهي أدعية حسنة المعنى، ولكنها لم تثبت بنصها عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، ويجوز الدعاء بغيرها ما لم يتضمن محظورًا شرعيًا.
دعاء للأم التي على قيد الحياة
من رزقه الله ببقاء أمه على قيد الحياة، فليغتنم هذه النعمة العظيمة ببرها والإحسان إليها والدعاء لها بالصحة والعافية وطول العمر على طاعة الله، ومن الأدعية الطيبة للأم الحية:
- اللَّهُمَّ احْفَظْ أُمِّي مِنْ كُلِّ سُوءٍ، وَأَبْعِدْ عَنْهَا كُلَّ مَا يُرْهِقُ قَلْبَهَا، وَاجْعَلْهَا فِي حِفْظِكَ وَرِعَايَتِكَ، وَامْنَحْهَا الصِّحَّةَ وَالعَافِيَةَ وَالعُمْرَ المَدِيدَ فِي طَاعَتِكَ.
- يَا اللهُ، أَغْنِ أُمِّي بِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ، وَأَكْرِمْهَا بِفَضْلِكَ، وَسَهِّلْ لَهَا أَمْرَهَا، وَوَفِّقْنِي لِبِرِّهَا وَنَيْلِ رِضَاهَا.
- اللَّهُمَّ اجْعَلْ أُمِّي مِنْ أَسْعَدِ خَلْقِكَ، وَبَارِكْ لَهَا فِي صِحَّتِهَا وَرِزْقِهَا، وَأَسْعِدْهَا بِرَاحَةِ البَالِ وَطُمَأْنِينَةِ القَلْبِ.
- يَا رَبِّ، اجْعَلْ وَجْهَهَا دَائِمًا مُشْرِقًا بِنُورِ الطَّاعَةِ، وَأَبْعِدْ عَنْهَا كُلَّ مَكْرُوهٍ، وَاكْتُبْ لَهَا مِنْ عَطَائِكَ مَا يُسْعِدُهَا.
حكم تخصيص يوم عيد الأم بالدعاء
الدعاء للوالدين، أحياءً كانوا أم أمواتًا، هو من أعظم القربات وأجل الطاعات، وهو مشروع في كل وقت وحين، ولا يختص بيوم معين، أما “عيد الأم” فهو مناسبة اجتماعية، وليس عيدًا شرعيًا في الإسلام، وبناءً على ذلك:
- لا يجوز اعتقاد أن للدعاء في هذا اليوم فضلًا خاصًا أو أجرًا مضاعفًا لم يرد به دليل شرعي.
- يجوز أن يتخذ المسلم من هذا اليوم مناسبة لتذكر أمه المتوفاة والإكثار من الدعاء والصدقة عنها، أو لزيادة بر أمه الحية، من باب التذكير بالفضل، دون أن يخص هذا اليوم بعبادة معينة يعتقد فضيلتها.
فالأهم هو استدامة البر والدعاء للوالدين في كل الأوقات، فهو الصلة الحقيقية التي لا تنقطع.
المصادر والمراجع
- سورة الإسراء، الآية 24.
- صحيح مسلم، كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، حديث رقم 1631، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب الدعاء للميت في الصلاة، حديث رقم 963، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة (FAQs)
ما هو أفضل ما يقدمه الابن لأمه بعد وفاتها؟
أفضل ما يقدمه الولد الصالح لأمه بعد وفاتها هو الدعاء المستمر لها، والاستغفار، وإخراج الصدقات عنها، وقضاء ما عليها من ديون أو حقوق، وصلة رحمها وأصدقائها إكرامًا لها.
هل تصل الأدعية والصدقات إلى الأم المتوفاة؟
نعم، بإجماع أهل العلم، يصل ثواب الدعاء والصدقة والحج والعمرة وغيرها من أعمال البر إلى الميت وينتفع بها، وذلك بفضل الله ورحمته.
ما هو الوقت الأفضل للدعاء للأم المتوفاة؟
الدعاء للميت مشروع في كل وقت، ولكن هناك أوقات يُرجى فيها إجابة الدعاء أكثر من غيرها، مثل الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، ويوم الجمعة، وعند نزول المطر.

