يُعدّ الدعاء للمريض من أعظم القربات وأفضل ما يمكن تقديمه له، فهو تعبيرٌ عن صدق المحبة، وتوجهٌ خالص إلى الله الشافي سبحانه وتعالى، إن الابتلاء بالمرض يحمل في طياته حِكمًا إلهية وفوائد عديدة لمن يصبر ويحتسب، فهو يكفّر السيئات ويرفع الدرجات، وقد أرشدنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى ما فيه الخير للمريض، من عيادته والدعاء له بأدعية مباركة وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، في هذا المقال، نستعرض مجموعة من الأدعية الموثوقة التي يُشرع الدعاء بها لطلب الشفاء والعافية للمريض.
أدعية ثابتة من القرآن والسنة لشفاء المريض
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو جوامع الكلم، وفيه الخير والبركة، فيما يلي أهم الأدعية الصحيحة التي تقال للمريض:
- الدعاء الجامع للشفاء:
عن عائشة رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعُودُ بَعْضَ أَهْلِهِ، يَمْسَحُ بِيَدِهِ اليُمْنَى وَيَقُولُ:اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ، أَذْهِبِ البَأْسَ، اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لاَ شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا.
(متفق عليه: رواه البخاري ومسلم)،
شرح موجز: هذا الدعاء يتضمن إقرارًا بأن الله وحده هو الشافي، والتوسل إليه بأنه رب الناس والقادر على إزالة كل أذى ومرض. - الدعاء سبع مرات:
عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ فَقَالَ عِنْدَهُ سَبْعَ مِرَارٍ:أَسْأَلُ اللَّهَ العَظِيمَ رَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ.
إِلَّا عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ المَرَضِ”، (رواه أبو داود والترمذي، حديث صحيح).
- الرقية الشرعية للمريض:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعوّذ بعض أهله، فيضع يده على مكان الألم ويقول:بِاسْمِ اللهِ.
(ثلاث مرات)، ثم يقول (سبع مرات):
أَعُوذُ بِاللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ.
(رواه مسلم).
- دعاء نبي الله أيوب عليه السلام:
من الأدعية القرآنية العظيمة التي تدل على صدق اللجوء إلى الله في كشف الضر:“أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ”
[سورة الأنبياء: 83].
أمثلة على صيغ دعاء عامة للمريض
إلى جانب الأدعية المأثورة، يتداول الناس صيغًا عامة للدعاء للمريض، وهي جائزة ما لم تتضمن محظورًا شرعيًا، الهدف منها هو التضرع إلى الله بأسلوب يفيض بالرجاء واليقين، ومن أمثلة ذلك:
- للدعاء لمريض مع ذكر اسمه: اللهم اشفِ عبدك (فلان)، واجعل ما أصابه تكفيرًا لذنوبه ورفعةً في درجاته، اللهم ألبسه ثوب الصحة والعافية عاجلاً غير آجل يا أرحم الراحمين.
- للدعاء لمريضة أنثى: اللهم يا شافي يا معافي، اشفِ أمتك (فلانة) شفاءً لا يغادر سقمًا، اللهم أعد إليها عافيتها، واحفظها بحفظك، واكلأها برعايتك يا أكرم الأكرمين.
- للدعاء في ظهر الغيب: اللهم اشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم ارفع عنهم البلاء، وأنزل عليهم السكينة والعافية، واجعلهم من الصابرين المحتسبين الذين توفيهم أجورهم بغير حساب.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، وهي من الدعاء العام الجائز، ومع ذلك، لم تثبت هذه الصيغ بخصوصها بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها والأكمل هو الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة وجامعة للخير.
الحكمة الإلهية من الابتلاء بالمرض
الابتلاء بالمرض ليس مجرد ألم عابر، بل هو محطة إيمانية تحمل دروسًا وحِكمًا عظيمة، توجه النفس البشرية نحو معانٍ أسمى، ومن هذه الحكم:
تهذيب النفس وتكفير الذنوب
عندما يصاب الإنسان بالمرض، يستشعر ضعفه وحاجته إلى خالقه، فيكون ذلك دافعًا لمراجعة النفس والتوبة، المرض يمحو الخطايا ويرفع الدرجات، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ.
(رواه البخاري).
تقوية صلة العبد بربه
في أوقات الشدة، يلجأ الإنسان إلى الله بقلبٍ منكسر ودعاءٍ صادق، متيقنًا أن الشفاء بيده وحده، هذا الاضطرار يقوي الصلة بين العبد وربه، ويجدد عهد التوكل واليقين بالله تعالى.
تعلم الصبر وانتظار الفرج
المرض يعلّم الإنسان فضيلة الصبر والرضا بقضاء الله وقدره، وانتظار الفرج مع حسن الظن بالله هو بحد ذاته عبادة عظيمة، تصقل الإيمان وتورث الطمأنينة، مصداقًا لقوله تعالى:
“فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا”
[سورة الشرح: 5-6].
فوائد الصبر على المرض
للصبر على المرض فوائد جليلة تحمل للمؤمن خيرًا كثيرًا في الدنيا والآخرة، ومن أبرزها:
- رفعة الدرجات في الجنة: قد يكون للعبد منزلة في الجنة لا يبلغها بعمله، فيبتليه الله بما يكره ليُبلِّغه إياها بصبره واحتسابه.
- شهود رحمة الله: المرض فرصة عظيمة ليشهد العبد لطف الله ورحمته في معاناته، وليستشعر أن رحمة الله سبقت غضبه، وأن كل قدره لعبده المؤمن خير.
- اختبار لصدق الإيمان: يختبر الله عباده بالبلاء ليُمحّص إيمانهم ويظهر صدق صبرهم ورضاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط.
- استشعار حلاوة العافية: لا يعرف قيمة العافية إلا من فقدها، فالمرض يذكّر الإنسان بنعم الله عليه، فيدفعه إلى شكرها واستخدامها في طاعة الله بعد الشفاء.
المصادر والمراجع
- سورة الأنبياء، الآية 83.
- سورة الشرح، الآيتان 5-6.
- صحيح البخاري، حديث رقم 5641، وحديث رقم 5675، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 2574، وحديث رقم 2202، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن أبي داود، حديث رقم 3106، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة (FAQs)
ما هو أفضل دعاء لشفاء المريض؟
أفضل الأدعية هي ما وردت في السنة النبوية الصحيحة، ومن أجمعها دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: “اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ، أَذْهِبِ البَأْسَ، اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لاَ شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا”.
هل يجوز أن أدعو للمريض بغير الأدعية المأثورة؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو لأخيه المريض بما يفتح الله عليه من صيغ الدعاء الطيبة، كأن يقول: “اللهم اشفه وعافه”، ما لم يكن في الدعاء اعتداء أو محظور شرعي، ولكن، الالتزام بالأدعية النبوية أفضل وأعظم بركة.
ما هي آداب زيارة المريض؟
من آداب زيارة المريض: اختيار الوقت المناسب، تقصير مدة الزيارة، الدعاء له بالشفاء، تذكيره بفضل الصبر وثوابه، وبث الأمل والتفاؤل في نفسه، وتجنب الحديث عما يزعجه أو يثقل عليه.
