تُعد أذكار ما بعد الصلاة من السنن النبوية المؤكدة التي يحرص عليها المسلم لتعزيز صلته بالله عز وجل، ونيل الأجر والثواب، فهي تجلب الطمأنينة للقلب، وتكون حصناً للمسلم، وعوناً له على أمور دينه ودنياه، وقد حثّ الله تعالى على الذكر في كتابه الكريم، فقال سبحانه:
“وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ”
[الذاريات: 55].
الأذكار الصحيحة الثابتة بعد الصلاة المكتوبة
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم مجموعة من الأذكار الصحيحة التي يُستحب للمسلم أن يواظب عليها بعد السلام من كل صلاة مكتوبة، وهي من أسباب زيادة الحسنات وتكفير السيئات، وفيما يلي بيان لأهم هذه الأذكار مع مصادرها من السنة النبوية:
- أن يبدأ بالاستغفار ثلاثاً، فيقول: “أَسْتَغْفِرُ اللهَ” (ثلاث مرات)، ثم يقول: “اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ”،
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 591. - “لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ”،
المصدر: متفق عليه (صحيح البخاري، حديث رقم 844؛ وصحيح مسلم، حديث رقم 593). - “لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ، لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ، وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ”،
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 594. - التسبيح والتحميد والتكبير، فضلها عظيم في مغفرة الذنوب، يقول: “سُبْحَانَ اللهِ” (33 مرة)، “الْحَمْدُ لِلَّهِ” (33 مرة)، “اللهُ أَكْبَرُ” (33 مرة)، ثم يختم المئة بقول: “لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”،
فضلها: قال رسول الله ﷺ:“مَنْ سَبَّحَ اللهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَحَمِدَ اللهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبَّرَ اللهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَتِلْكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، وَقَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ”
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 597.
- قراءة آية الكرسي:
“اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ…”
[البقرة: 255]،
فضلها: قال رسول الله ﷺ:“مَنْ قرأَ آيةً الكرسِيِّ دُبُرَ كلِّ صلاةٍ مكتوبةٍ ، لمْ يمنعْهُ من دُخُولِ الجنةَ إلَّا أنْ يمُوتَ”
المصدر: رواه النسائي في السنن الكبرى وصححه الألباني.
- قراءة المعوذات (سورة الإخلاص، وسورة الفلق، وسورة الناس) مرة واحدة بعد كل صلاة، وثلاث مرات بعد صلاتي الفجر والمغرب،
المصدر: رواه أبو داود والترمذي، وهو حديث حسن صحيح.
أذكار خاصة بصلاتي الفجر والمغرب
تتميز صلاتا الفجر والمغرب ببعض الأذكار الإضافية التي وردت بها السنة النبوية:
- قول: “لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” (عشر مرات)،
المصدر: رواه الترمذي، وهو حديث حسن. - قول: “اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنَ النَّارِ” (سبع مرات) بعد صلاتي الفجر والمغرب،
المصدر: رواه أبو داود. - الدعاء بعد صلاة الفجر: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَرِزْقًا طَيِّبًا، وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا”،
المصدر: رواه ابن ماجه، وصححه الألباني.
كما يوصي النبي ﷺ بقول: “اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ” دبر كل صلاة، وهو دعاء جامع عظيم أوصى به النبي ﷺ الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه، (المصدر: رواه أبو داود، وهو حديث صحيح).
أدعية الاستفتاح الصحيحة في الصلاة
دعاء الاستفتاح هو ما يقوله المصلي بعد تكبيرة الإحرام وقبل قراءة الفاتحة، وقد وردت عن النبي ﷺ عدة صيغ صحيحة، يختار المصلي منها ما يشاء، ومنها:
-
“اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ وَالْمَاءِ وَالْبَرَدِ”
المصدر: متفق عليه (صحيح البخاري وصحيح مسلم).
-
“سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ”
المصدر: رواه أهل السنن الأربعة، وهو حديث حسن.
-
“اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا”
المصدر: صحيح مسلم.
- دعاء قيام الليل:
“اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ”
المصدر: صحيح مسلم.
تنبيه: أوضح أهل العلم أنه يُكتفى بدعاء استفتاح واحد في الصلاة الواحدة، ولا يُشرع الجمع بينها، والأدعية الطويلة يُفضل أن تكون في صلاة الليل حيث يتسع الوقت لذلك.
فضل المداومة على أذكار الصلاة
المواظبة على ذكر الله بعد الصلوات المكتوبة ليست مجرد ترديد لكلمات، بل هي عبادة عظيمة لها فضائل وآثار إيجابية على حياة المسلم، ومن أهمها:
- اتباع السنة النبوية: فالمداومة عليها هي اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي لم يكن يتركها.
- مغفرة الذنوب: كما ورد في حديث التسبيح الذي يغفر الخطايا وإن كانت مثل زبد البحر.
- سبب لدخول الجنة: كما جاء في فضل قراءة آية الكرسي دبر كل صلاة.
- صلة مستمرة بالله: فالذكر بعد الصلاة يربط قلب العبد بربه ويجعله في حالة حضور وخشوع مستمرة.
- حصن من الشيطان: فالأذكار تحفظ المسلم من وساوس الشيطان ومكائده.
- زيادة البركة والطمأنينة: ذكر الله يجلب السكينة للقلب، والنور للوجه، والبركة في الرزق والعمر.
وقد بيّن النبي ﷺ عظيم أجر الذاكرين في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم:
“أَلَا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ، وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ إِلَّا مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ”
فهذا الحديث يؤكد أن هذه الأذكار اليسيرة ترفع العبد إلى درجات عالية لا يبلغها إلا من عمل بمثل عمله.
المصادر والمراجع
- سورة الذاريات، الآية 55.
- سورة البقرة، الآية 255.
- صحيح البخاري وصحيح مسلم والأحاديث الواردة فيهما، (يمكن مراجعتها على موسوعة الدرر السنية أو موقع Sunnah.com).
- سنن الترمذي وسنن أبي داود وسنن ابن ماجه والسنن الكبرى للنسائي.
- كتب شروح الحديث المعتمدة كشرح النووي على مسلم وفتح الباري لابن حجر.
أسئلة شائعة حول أذكار الصلاة
- ما هو الترتيب المستحب لأذكار ما بعد الصلاة؟
- يبدأ المصلي بالاستغفار ثلاثاً، ثم يقول “اللهم أنت السلام…”، ثم يشرع في بقية الأذكار مثل “لا إله إلا الله وحده لا شريك له…” والتسبيح والتحميد والتكبير، ويختم بقراءة آية الكرسي والمعوذات.
- ما حكم ترك أذكار ما بعد الصلاة؟
- أذكار ما بعد الصلاة سنة مؤكدة وليست واجبة، فمن تركها فصلاته صحيحة، ولكنه يفوت على نفسه أجراً عظيماً وثواباً جزيلاً، والمواظبة عليها من علامات حرص المسلم على الخير.
- هل يجوز قراءة الأذكار من ورقة أو من الهاتف؟
- نعم، يجوز ذلك لمن لم يحفظها بعد، فالهدف هو ذكر الله، ومع المداومة، يسهل حفظها وترديدها عن ظهر قلب.
- ما هو البديل الصحيح للأدعية المنتشرة غير الثابتة؟
- البديل الأمثل والأسلم هو الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فالأدعية والأذكار النبوية كافية وشاملة ومباركة، وفيها الخير كله لمن لزمها.
