كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم حريصًا على تعليم أمته كل ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، ومن ذلك هَدْيُهُ الشريف في أذكار النوم والاستيقاظ، إن الالتزام بهذه الأذكار ليس مجرد كلمات تُردد، بل هو اتباع للسنة، وسبب لحفظ الله، وطمأنينة للقلب، وتجديد للصلة بالخالق عند بدء اليوم ونهايته، فالمسلم يودع يومه بذكر الله، ويستقبل يومًا جديدًا بذكره، فيكون في معية الله ورعايته.
إن المداومة على ذكر الله تعالى تُعزّز الإيمان في القلب، وتعين المؤمن على مراقبة الله في كل أحواله، وتكون حصنًا له من الشرور والآثام، وأذكار النوم والاستيقاظ باب عظيم من أبواب البركة التي تغمر حياة المسلم بالسكينة والخير، وتفتح له أبواب التوفيق والرزق بفضل الله ورحمته.
الأذكار الصحيحة الواردة عن النبي ﷺ عند النوم
ثبت في السنة النبوية الشريفة مجموعة من الأذكار والأدعية التي يُستحب للمسلم أن يلتزم بها قبل نومه، وهي من أسباب الحفظ والبركة، نورد هنا أبرز ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
1، دعاء “بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي”
وهو من أشهر الأذكار وأجمعها، حيث يُفوّض المسلم أمره كله لله في حياته ومماته.
“إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ، فَلْيَنْفُضْ فِرَاشَهُ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ: بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي، وَبِكَ أَرْفَعُهُ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ”.
المصدر: متفق عليه (صحيح البخاري وصحيح مسلم).
2، دعاء “اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ”
وهو دعاء عظيم يُستحب أن يكون آخر ما يقوله المسلم قبل أن ينام.
“إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ فَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ”.
المصدر: متفق عليه (صحيح البخاري وصحيح مسلم).
3، قراءة آية الكرسي
ثبت أن قراءتها تحفظ المسلم من الشيطان حتى يصبح.
“اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ…” [البقرة: 255]
فضلها: ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن من قرأها حين يأوي إلى فراشه، “فإنه لا يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح”، (صحيح البخاري).
4، قراءة المعوذات (الإخلاص والفلق والناس)
كان من هدي النبي ﷺ أن يجمع كفيه ثم ينفث فيهما ويقرأ سور الإخلاص والفلق والناس، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده.
“أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وَ (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) وَ (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ، يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ”.
المصدر: صحيح البخاري.
5، قراءة آخر آيتين من سورة البقرة
وهما من أسباب الكفاية والحفظ للمسلم في ليلته.
“آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ…” إلى آخر السورة [البقرة: 285-286]
فضلها: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “مَنْ قَرَأَ بِالآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ”، (متفق عليه).
6، التسبيح والتحميد والتكبير
وهو ذكر عظيم أوصى به النبي ﷺ ابنته فاطمة وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما.
“ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم؟ إذا أويتما إلى فراشكما، فسبِّحا ثلاثًا وثلاثين، واحمدا ثلاثًا وثلاثين، وكبِّرا أربعًا وثلاثين، فإنه خير لكما من خادم”.
المصدر: متفق عليه.
الذكر الصحيح عند الاستيقاظ من النوم
كما بدأ المسلم نومه بذكر الله، فإنه يستقبل يومه الجديد بذكر الله وشكره على نعمة الحياة بعد الموتة الصغرى.
“الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا، وَإِلَيْهِ النُّشُورُ”.
المصدر: صحيح البخاري.
وورد أيضًا:
“الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي فِي جَسَدِي، وَرَدَّ عَلَيَّ رُوحِي، وَأَذِنَ لِي بِذِكْرِهِ”.
المصدر: سنن الترمذي (حديث حسن).
صيغ منتشرة وأدعية عامة
يتداول بعض الناس صيغًا أخرى للدعاء عند النوم، وهي وإن كانت تحمل معاني طيبة، إلا أنها لم ترد في السنة النبوية بخصوصها، يمكن للمسلم أن يدعو بما يشاء من خيرَي الدنيا والآخرة ما لم يكن في دعائه إثم أو قطيعة رحم، ومن أمثلة هذه الأدعية العامة:
- “باسمك اللهم وضعت رأسي، وبك أستعين على أمري، اللهم اغفر لي ذنبي، ويسّر لي أمري”.
- “الحمد لله الذي كفاني وآواني، وأطعمني وسقاني، ومنّ عليّ فأفضل، الحمد لله على كل حال”.
تنبيه هام: هذه الصيغ وغيرها مما لم يثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، لا تأخذ حكم الأذكار النبوية المأثورة، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة وتحوي جوامع الكلم، أما الدعاء بالصيغ العامة فهو جائز، لكن لا يجوز نسبتها إلى السنة أو تخصيص فضل معين لها لم يرد به دليل.
الفوائد الروحية للمداومة على أذكار النوم
للمواظبة على أذكار النوم والاستيقاظ فوائد جليلة تعود على المسلم بالنفع في دينه ودنياه، ومن أبرزها:
- اتباع السنة النبوية: وهو من أعظم القربات التي ينال بها المسلم محبة الله وتوفيقه.
- الحفظ من الشرور: هي حصن للمسلم من الشيطان ومن كل سوء بإذن الله تعالى.
- طمأنينة القلب: ذكر الله يورث القلب سكينة وراحة، ويُذهب عنه القلق والهموم.
- خاتمة حسنة: من جعل آخر كلامه ذكر الله، يُرجى له أن يُختم له على خير ويموت على الفطرة.
- زيادة الحسنات: كل حرف من الذكر يُكتب للمسلم به أجر، وهو من أيسر العبادات وأعظمها أجرًا.
- الصلة الدائمة بالله: تجعل المسلم دائم الصلة بربه، مستشعرًا معيته في كل أحواله.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 255 (آية الكرسي).
- سورة البقرة، الآيتان 285-286.
- صحيح البخاري، وصحيح مسلم، (يمكن مراجعة الأحاديث على مواقع موثوقة مثل موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي.
أسئلة شائعة (FAQs)
ما هو أفضل وقت لقول أذكار النوم؟
أفضل وقت لها هو عند إرادة النوم مباشرة، بعد أن يأوي المسلم إلى فراشه، ويُستحب أن تكون آخر ما يتكلم به.
هل يجب قول جميع أذكار النوم كل ليلة؟
لا يجب ذلك، فهي من السنن المستحبة، من أتى ببعضها فقد أصاب السنة ونال الأجر، ومن أتى بها كلها فهو أكمل وأفضل.
ماذا أفعل إذا نسيت قول أذكار النوم ونمت؟
لا شيء عليك، فالنسيان مرفوع عن هذه الأمة، يمكنك أن تذكر الله إذا استيقظت في أي وقت من الليل، وتحرص عليها في الليلة التالية.
هل يجوز الدعاء بأدعية أخرى غير مأثورة قبل النوم؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يشاء من الأدعية الطيبة التي فيها صلاح دينه ودنياه، لكن دون أن يعتقد أنها من السنة النبوية أو أن لها فضلًا خاصًا كوارد في الشرع.

