الاستغفار عبادةٌ عظيمةٌ وفضلٌ واسعٌ، وهو من أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، لما له من أثرٍ مباركٍ في الدنيا والآخرة، فبه تُغفر الذنوب، وتُرفع الدرجات، وتُجلب الأرزاق، وتنشرح الصدور، وقد حثّ الله تعالى عباده على الاستغفار في مواضع كثيرة من كتابه العزيز، وكذلك جاءت السنة النبوية المطهرة بالترغيب فيه وبيان فضله وصيغه المباركة.
وقد وعد الله تعالى المستغفرين بالمغفرة والرحمة، وجعل الاستغفار سببًا لنزول الخيرات والبركات، كما قال تعالى على لسان نبيه نوح عليه السلام:
“فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا” [نوح: 10-12].
وفي هذا المقال، نستعرض أهم صيغ الاستغفار الثابتة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، مع بيان فضائلها، وتنبيهٍ على بعض الصيغ الشائعة التي لم تثبت بأدلة شرعية.
صيغ الاستغفار الثابتة في القرآن الكريم
القرآن الكريم هو المصدر الأول للتشريع، وقد وردت فيه أدعية قرآنية بليغة على لسان الأنبياء والصالحين، وهي من أفضل ما يدعو به المسلم ويستغفر ربه، ومن هذه الصيغ:
- دعاء آدم وحواء عليهما السلام:
“قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ” [الأعراف: 23].
.
 - دعاء نبي الله نوح عليه السلام:
“رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ” [نوح: 28].
.
 - دعاء نبي الله يونس عليه السلام في بطن الحوت، وهو من أعظم أسباب تفريج الكروب:
“لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ” [الأنبياء: 87].
.
 - من دعاء عباد الرحمن:
“رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ” [الحشر: 10].
.
 - من دعاء أولي الألباب:
“رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” [آل عمران: 16].
.
 - دعاء جامع من أواخر سورة البقرة:
“رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ” [البقرة: 286].
.
 - أمر إلهي للنبي ﷺ وأمته:
“فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا” [النصر: 3].
.
 - أمر إلهي عام بالاستغفار والرحمة:
“وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ” [المؤمنون: 118].
.
 
صيغ الاستغفار الصحيحة من السنة النبوية
كان النبي صلى الله عليه وسلم، وهو المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أكثر الناس استغفارًا لله تعالى، تعليمًا لأمته وحثًا لها على هذه العبادة العظيمة، ومن الصيغ الثابتة عنه:
- سيد الاستغفار: وهو أفضل الصيغ وأجمعها، فعن شداد بن أوس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ”، (حديث صحيح، رواه البخاري).
قال: «وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ».
 - دعاء النبي ﷺ الشامل: عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان يدعو بهذا الدعاء:
“اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّي وَهَزْلِي، وَخَطَئِي وَعَمْدِي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ المُقَدِّمُ وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”، (حديث صحيح، متفق عليه).
.
 - استغفار بعد الصلاة: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثًا وقال:
“أَسْتَغْفِرُ اللهَ (ثَلَاثًا)، اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ”، (حديث صحيح، رواه مسلم).
.
 - صيغ مختصرة للمداومة:
- 
“أَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ”.
كان النبي ﷺ يكثر من قولها، فعن الأغر المزني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ، فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ»، (حديث صحيح، رواه مسلم).
 - 
“رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَتُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ”.
(حديث صحيح، رواه أبو داود والترمذي).
 - 
“أَسْتَغْفِرُ اللهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ”.
ورد في فضله أن من قاله غُفرت ذنوبه وإن كان قد فرّ من الزحف، (حديث صحيح، رواه أبو داود والترمذي).
 
 - 
 
صيغ وأدعية شائعة للاستغفار
يتداول بعض الناس صيغًا وأدعية للاستغفار والتوبة لم ترد في نصوص القرآن الكريم أو السنة النبوية الصحيحة، ورغم أن الدعاء بما يفتح الله به على العبد جائز ما لم يتضمن محظورًا شرعيًا، إلا أن الأفضل والأكمل هو الالتزام بالأدعية المأثورة، وفيما يلي أمثلة على بعض هذه الصيغ المنتشرة:
- “اللهم إني أستغفرك من كل ذنب تبت منه ثم عدت إليه، وأستغفرك من النعم التي أنعمت بها علي فاستعنت بها على معاصيك، وأستغفرك من الذنوب التي لا يعلمها إلا أنت ولا ينجيني منها إلا عفوك.”.
 - “اللهم إني أستغفرك لكل ذنب يحرم البركات ويمحق الخيرات.”.
 - “اللهم اغفر لي ذنوبي مغفرة تطهر بها قلبي وتنير بها دربي وتجعلني من التوابين الطائعين.”.
 - “يا من إذا كبرت على عبده الذنوب وكثرت العيوب، قطرة من سحائب كرمك تمحوها ونظرة من رضاك تزيلها، أسألك يا مولاي أن تتوب علي وتغفر لي.”.
 
تنبيه هام وحكم الأدعية غير المأثورة
تنبيه: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، وإن دعا المسلم بأدعية من عنده، فيجب ألا تحتوي على اعتداء في الدعاء أو ألفاظ تخالف العقيدة الصحيحة، ويبقى الالتزام بالمأثور هو الأسلم والأفضل والأعظم أجرًا.
الأسئلة الشائعة (FAQs)
ما هو أفضل دعاء للاستغفار؟
أفضل صيغة للاستغفار هي “سيد الاستغفار” كما سماه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو: “اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ…”، لما ورد في فضله العظيم بأنه من أسباب دخول الجنة.
ما هي أفضل الأوقات للاستغفار؟
الاستغفار مشروع في كل وقت، ولكنه يتأكد في أوقات معينة يُرجى فيها القبول، ومنها:
- وقت السَّحَر (الثلث الأخير من الليل): لقوله تعالى في وصف المتقين: “وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ” [الذاريات: 18].
 - دبر الصلوات المكتوبة: لفعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان يستغفر ثلاثًا بعد كل صلاة.
 - عند الوقوع في الذنب: فالمبادرة بالتوبة والاستغفار من صفات المتقين، لقوله تعالى: “وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ” [آل عمران: 135].
 
هل يجوز الاستغفار بصيغ لم ترد في السنة؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو ويستغفر الله بأي صيغة ليس فيها محظور شرعي، لأن باب الدعاء واسع، ولكن، لا شك أن الالتزام بالصيغ الواردة في القرآن والسنة هو الأفضل والأكمل، لأنها من جوامع الكلم، وهي أسلم من الخطأ، وأعظم في الأجر.
المصادر والمراجع
- سورة الذاريات، الآية 18.
 - سورة آل عمران، الآية 135.
 - سورة نوح، الآيات 10-12.
 - سورة البقرة، الآية 286.
 - سورة الأنبياء، الآية 87.
 - حديث سيد الاستغفار: صحيح البخاري، حديث رقم 6306، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 - حديث دعاء النبي الشامل: صحيح البخاري (6398)، وصحيح مسلم (2719)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 - حديث الاستغفار بعد الصلاة: صحيح مسلم، حديث رقم 591، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 - حديث “إني لأستغفر الله مائة مرة”: صحيح مسلم، حديث رقم 2702، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 - حديث “رب اغفر لي وتب علي”: سنن أبي داود (1516)، وسنن الترمذي (3434)، وصححه الألباني، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 

