يُعد الدعاء من أعظم العبادات التي يتقرب بها المسلم إلى ربه، وتزداد أهميته في الأوقات المباركة كالعشر الأواخر من شهر رمضان، فمع اقتراب نهاية الشهر الفضيل، تمتزج مشاعر المسلمين بين الرجاء في قبول الأعمال، والحزن على وداع موسم الخيرات، والشوق لبلوغ ليلة القدر التي وصفها الله تعالى بأنها خير من ألف شهر، وقد حثت النصوص الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة على إحياء هذه الليالي بالذكر والدعاء، طمعاً في مغفرة الله ورحمته والعتق من النار.

وفي هذا السياق، يحرص المسلمون على التماس الأدعية التي تجمع خيري الدنيا والآخرة، ويلجؤون إلى الله بقلوب خاشعة، راجين قبوله، ومن المهم في هذه العبادة الجليلة الالتزام بما هو ثابت وصحيح من الأدعية، أو الدعاء بجوامع الكلم وصالح الدعاء الذي لا يخالف الشرع، ليكون العمل مقبولاً ومبنياً على أساس متين من العلم والاتباع.

صيغ شائعة في وداع رمضان: دعاء “أعوذ بجلال وجهك الكريم”

من الأدعية التي اشتهرت وتداولها بعض الناس في ختام شهر رمضان، دعاء يبدأ بعبارة “أعوذ بجلال وجهك الكريم أن ينقضي عني شهر رمضان”، ويُردد بالصيغة المطولة التالية:

• أَعُوذُ بِجَلالِ وَجْهِكَ الكَرِيمِ أَنْ يَنْقَضِيَ عَنِّي شَهْرُ رَمَضانَ أَوْ يَطْلُعَ الفَجْرُ مِنْ لَيْلَتِي هذِهِ وَلَكَ قِبَلِي ذَنْبٌ أَوْ تَبِعَةٌ تُعَذِّبُنِي عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ أَدِّ عَنّا حَقَّ ما مَضى مِنْ شَهْرِ رَمَضانَ، وَاغْفِرْ لَنا تَقْصِيرَنا فِيْهِ وَتَسَلَّمْهُ مِنّا مَقْبُولا، وَلا تُؤاخِذْنا بِإِسْرافِنا عَلى أَنْفُسِنا، وَاجْعَلْنا مِنَ المَرْحُومِينَ وَلا تَجْعَلْنا مِنَ المَحْرُومِينَ….
• …اللَّهُمَّ إِنَّكَ قُلْتَ فِي كِتابِكَ المُنْزَلِ: (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي اُنْزِلَ فِيْهِ القُرْآنَ هُدىً لِلْنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الهُدى وَالفُرْقانِ)، فَعَظَّمْتَ حُرْمَةَ شَهْرِ رَمَضانَ بِما أَنْزَلْتَ فِيْهِ مِنَ القُرْآنِ، وَخَصَصْتَهُ بِلَيْلَةِ القَدْرِ وَجَعَلْتَها خَيْراً مِنْ أَلْف شَهْرٍ، اللَّهُمَّ وَهذِهِ أَيامُ شَهْرِ رَمَضانَ قَدْ انْقَضَتْ وَلَيالِيهِ قَدْ تَصَرَّمَتْ، وَقَدْ صِرْتُ يا إِلهِي مِنْهُ إِلى ما أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي وَأَحْصى لِعَدَدِهِ مِنَ الخَلْقِ أَجْمَعِينَ، فأسْأَلُكَ بما سَأَلَكَ بِهِ مَلائِكَتُكَ المُقَرَّبُونَ وَأَنْبِياؤُكَ المُرْسَلُونَ وَعِبادُكَ الصّالِحُونَ أَنْ تُصَلِّي عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَنْ تَفُكَّ رَقَبَتِي مِنَ النّارِ وَتُدْخِلَنِي الجَنَّةَ بِرَحْمَتِكَ وَأَنْ تَتَفَضَّلَ عَلَيَّ بِعَفْوِكَ وَكَرَمِكَ..

حكم هذا الدعاء ومدى ثبوته

تنبيه هام: هذه الصيغة المطولة هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه الكرام، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، وفيها غنية عن الأدعية التي لم يثبت سندها.

الأدعية الصحيحة والمأثورة في ختام رمضان وليلة القدر

الأفضل للمسلم أن يلجأ إلى الأدعية الثابتة في المصادر الشرعية، فهي أعظم بركة وأرجى للقبول، ومن هذه الأدعية المباركة:

1، أفضل الدعاء في ليلة القدر

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال:

“قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”.

(رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح).

2، دعاء القنوت في صلاة الوتر

من الأدعية العظيمة التي يُسن قولها في الركعة الأخيرة من صلاة الوتر، وهو دعاء جامع لخيري الدنيا والآخرة، وقد علّمه النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي رضي الله عنهما:

“اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، إِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ”.

(رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وصححه الألباني).

3، أدعية من القرآن الكريم

القرآن الكريم هو مصدر الهداية والرحمة، وقد حوى أدعية عظيمة يمكن للمسلم أن يدعو بها في كل وقت وحين، ومنها:

• دعاء جامع لخيري الدنيا والآخرة:
  

  “رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” [البقرة: 201].

  .

• دعاء لطلب الثبات على الحق:
  

  “رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ” [آل عمران: 8].

  .

• دعاء لطلب المغفرة والرحمة:
  

  “رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” [آل عمران: 16].

  .

أدعية عامة جامعة يمكن الدعاء بها

باب الدعاء واسع، ويمكن للمسلم أن يناجي ربه بما في قلبه من حاجات وبأي صيغة طيبة لا تخالف الشرع، وهذه أمثلة على أدعية عامة تجمع معاني الخير:

• اللَّهُمَّ اجعلنا ممن صام الشهر وأدرك ليلة القدر وفاز بالثواب والأجر، اللهم تقبل منا صالح الأعمال، واغفر لنا ما تقدم من ذنوبنا وما تأخر.
• اللَّهُمَّ اختم لنا شهر رمضان برضوانك، والعتق من نيرانك، واجعل مآلنا إلى جناتك، اللَّهُمَّ لا تجعله آخر العهد من صيامنا إياه، فإن جعلته فاجعلني مرحومًا ولا تجعلني محرومًا.
• يا رب، أسألك أن تجعل عملي الذي قدمته خلال رمضان خالصًا لوجهك الكريم، وأن تكرمني بالخير في كل جوانب حياتي، يا أكرم من سُئل، اجعل كل دعوة دعوتها تتحقق في الوقت الأفضل وِفق ما تعلمه خيرًا لي.
• اللَّهُمَّ يا مُقلِّب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك، اللَّهُمَّ إني أسألك حُسن الخاتمة، وأعوذ بك من سوء الخاتمة.

أسئلة شائعة

ما هو أفضل دعاء في ليلة القدر؟

أفضل ما يُدعى به في ليلة القدر هو ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وهو: “اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”، وهو دعاء جامع يطلب فيه العبد من ربه العفو، وهو أعلى من المغفرة، فإنه محو للذنب وآثاره.

هل دعاء “أعوذ بجلال وجهك الكريم أن ينقضي رمضان” صحيح؟

هذه الصيغة المطولة لم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أحد من أصحابه، والأولى للمسلم أن يلتزم بالأدعية الثابتة في القرآن والسنة، أو يدعو بما يفتح الله عليه من صالح الدعاء الذي لا يتضمن اعتداءً أو مخالفة شرعية.

متى يقال دعاء القنوت؟

دعاء القنوت يُسن قوله في الركعة الأخيرة من صلاة الوتر، ويكون بعد الرفع من الركوع، وهو الموضع الأشهر والثابت عن الصحابة، ويجوز أيضًا قوله قبل الركوع بعد الانتهاء من القراءة، وكلا الأمرين واسع.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

جميع مقالات احمد نصر