يُعد الترديد خلف المؤذن والدعاء بعد الأذان من السنن النبوية المباركة التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى، وهي من أسباب تحصيل الأجر العظيم وإجابة الدعاء، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الوقت بين الأذان والإقامة هو من أوقات الاستجابة، حيث قال:
“الدُّعَاءُ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ”
(سنن الترمذي، حديث حسن صحيح)، وهذا يؤكد على أهمية هذا الوقت كفرصة ثمينة للمسلم أن يتوجه إلى ربه بصدق وإخلاص، طالبًا حاجاته في الدنيا والآخرة.
ومن السنة للمسلم أن يردد خلف المؤذن سواء كان على طهارة أم لا، إلا في أحوال معينة تمنع من ذلك، كأن يكون في الصلاة أو في الخلاء، وفي هذا المقال، نوضح بالتفصيل الأدعية والأذكار الصحيحة الواردة في السنة النبوية عند سماع الأذان، لتعم الفائدة ويحرص المسلمون على إحياء هذه السنة المباركة.
الدعاء المأثور بعد الأذان: نصه الصحيح وفضله
الأذان شعيرة إسلامية عظيمة تُعلن عن دخول وقت الصلاة، وقد حثّ النبي صلى الله عليه وسلم على اتباع سنن وآداب معينة عند سماعه، وهي كالتالي:
- الترديد خلف المؤذن: السنة الأولى هي أن يقول السامع مثلما يقول المؤذن تماماً، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
“إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ”
(صحيح البخاري).
- قول “لا حول ولا قوة إلا بالله”: يُستثنى من الترديد قول المؤذن “حيَّ على الصلاة” و “حيَّ على الفلاح”، فيقول السامع بدلاً منهما: “لا حول ولا قوة إلا بالله”، لما ورد في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في صحيح مسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“…ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ، قَالَ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ، قَالَ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ…”
(صحيح مسلم).
- الشهادة بعد الأذان: بعد أن ينتهي المؤذن من الشهادتين، يُستحب للسامع أن يقول:
“وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا”
فقد ورد في الحديث أن من قال ذلك غُفر له ذنبه (صحيح مسلم).
- الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: بعد انتهاء الأذان مباشرة، يُسنّ أن يصلي المسلم على النبي صلى الله عليه وسلم بالصيغة الإبراهيمية: “اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ”، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم:
“إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَىَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَىَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا”
(صحيح مسلم).
- قول الدعاء المأثور: ثم يدعو بالدعاء الوارد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ:
اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلاَةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ
حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ” (صحيح البخاري).
- الدعاء للنفس بين الأذان والإقامة: بعد ذلك، يُستحب للمسلم أن يكثر من الدعاء لنفسه وأهله ومن يحب بخيري الدنيا والآخرة، لأن هذا الوقت من مواطن إجابة الدعاء كما سبق ذكره.
لمحة عن تشريع الأذان في الإسلام
الأذان هو النداء لإعلام المسلمين بدخول وقت الصلاة، في بداية الإسلام، لم يكن هناك وسيلة محددة لدعوة الناس إلى الصلاة، فكانوا يجتمعون في أوقاتها دون نداء، تشاور النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في طريقة لدعوة الناس، وطُرحت عدة أفكار مثل استخدام الناقوس (الجرس) أو البوق.
ثم رأى الصحابي الجليل عبد الله بن زيد رضي الله عنه في منامه رؤيا صادقة، حيث جاءه رجل وعلّمه صيغة الأذان المعروفة اليوم، فلما أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم، قال له:
“إِنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٌّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ”
وأمره أن يُلقّنها لبلال بن رباح رضي الله عنه لأنه كان أندى صوتًا منه، ومنذ ذلك الحين، أصبح الأذان شعيرة ثابتة في الإسلام، وأُضيفت عبارة “الصلاة خير من النوم” في أذان الفجر بإقرار من النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي العصر الحديث، ومع تطور التقنية، أصبح الأذان يُرفع عبر مكبرات الصوت في المآذن العالية ليصل إلى أوسع نطاق ممكن، ليظل هذا النداء المبارك يجمع المسلمين على أداء أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين.
الصفات المستحبة في المؤذن
للمؤذن مكانة رفيعة في الإسلام، ويُستحب أن يتحلى بصفات معينة تليق بهذه المهمة الجليلة، منها:
- الصوت الحسن: يُفضل أن يكون صوته ندياً وجميلاً ليؤثر في قلوب السامعين ويجذبهم إلى الصلاة، كما اختار النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً لنداوة صوته.
- الأمانة والعلم بالوقت: يجب أن يكون أميناً في تحري أوقات الصلاة بدقة، فالناس يعتمدون على أذانه في صلاتهم وصيامهم.
- أن يكون صيّتاً: أي أن يكون رفيع الصوت ليبلغ نداؤه أبعد مدى ممكن.
- الإخلاص: أن يبتغي بأذانه وجه الله تعالى ولا يطلب عليه أجراً دنيوياً.
المصادر والمراجع
- صحيح البخاري، حديث رقم 611، وحديث رقم 614، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 384، وحديث رقم 385، وحديث رقم 386، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، حديث رقم 212، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة حول دعاء الأذان
ما هو الدعاء الصحيح بعد الأذان؟
الدعاء الصحيح الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم هو: “اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلاَةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ”، (رواه البخاري).
هل يجب أن أكون على وضوء لترديد الأذان والدعاء بعده؟
لا يُشترط الوضوء لترديد الأذان أو قول الدعاء المأثور بعده، هذه من الأذكار التي يجوز للمسلم قولها على غير طهارة، ولكن الأفضل والأكمل أن يكون على طهارة.
ما حكم الكلام أثناء الأذان؟
الأفضل للمسلم إذا سمع الأذان أن يقطع كلامه وينصت للمؤذن ويردد خلفه ليحصل على الأجر والثواب المترتب على ذلك، ويُكره الانشغال بالكلام أو بأي أمر آخر عن إجابة المؤذن بغير حاجة.

