الدعاء هو جوهر العبادة، والصلة المباشرة بين العبد وخالقه عز وجل، فيه يلجأ المسلم إلى ربه بصدق وإخلاص، طالباً خيرَي الدنيا والآخرة، ومُظهراً افتقاره وتذلله لله وحده، ولأن الدعاء عبادة، فإن الأكمل والأفضل هو الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي أدعية مباركة جامعة، نطق بها الأنبياء والصالحون، نستعرض في هذا المقال مجموعة من الأدعية الثابتة والمأثورة، مع بيان مصادرها وكيفية الدعاء بها.
أدعية صحيحة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم
إن أعظم الأدعية وأكثرها بركة هي تلك التي علمنا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم، تتميز هذه الأدعية بجمعها للمعاني العظيمة في كلمات موجزة، وفيها الخير كله، إليك بعض من هذه الأدعية الصحيحة مع مصادرها:
1، دعاء من أذكار الصباح له فضل عظيم
هذا الذكر من أعظم ما يُقال في الصباح، ويعدل ساعات من الذكر، لما فيه من تعظيم شامل لله تعالى، عن أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها:
«لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ».
المصدر: صحيح مسلم.
الشرح: يجمع هذا الدعاء تسبيح الله بأعداد لا تُحصى: بعدد مخلوقاته، وبما يرضيه سبحانه، وبما يوازي ثقل عرشه، وبقدر مداد كلماته التي لا تنفد.
2، دعاء النبي في صلاة الليل (التهجد)
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد، يفتتح صلاته بهذا الدعاء العظيم الذي يفيض بالثناء على الله والإقرار بوحدانيته وعظمته.
«اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ مَلِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ..، أَنْتَ الحَقُّ وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ…».
المصدر: متفق عليه (صحيح البخاري وصحيح مسلم).
السياق: يُقال هذا الدعاء في استفتاح صلاة قيام الليل، وهو مناسب لمناجاة الله في جوف الليل.
3، دعاء طلب الهداية عند اختلاف الأمور
هذا الدعاء سلاح المؤمن عند الحيرة والتباس الحق عليه، حيث يتوسل إلى الله بأعظم أسمائه وصفاته أن يهديه إلى الصواب.
«اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ».
المصدر: صحيح مسلم.
السياق: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح به صلاته إذا قام من الليل، وهو دعاء عظيم لطلب الهداية والثبات على الحق.
4، أحب الكلام إلى الله
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هناك كلمات هي أحب الكلام إلى الله، وهي من أفضل الذكر وأعظمه أجراً.
«أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ».
المصدر: صحيح مسلم.
الفضل: هذه الكلمات هي الباقيات الصالحات، وهي جامعة لكل معاني التنزيه والحمد والتوحيد والتعظيم لله تعالى.
أدعية عامة جامعة لخيري الدنيا والآخرة
إلى جانب الأدعية المأثورة، يجوز للمسلم أن يدعو الله تعالى بما يفتح عليه من صيغ الدعاء التي لا تخالف الشرع، يسأله فيها من خيري الدنيا والآخرة، وهذه بعض الأمثلة على أدعية عامة يمكن الدعاء بها في كل وقت.
- اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَنَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَنَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَنَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا، وَلِسَانًا صَادِقًا.
- اللَّهُمَّ اجْبُرْ خَاطِرِي، وَفَرِّجْ هَمِّي، وَاشْرَحْ صَدْرِي، وَأَغْنِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَبِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ.
- رَبِّ أَعِنِّي وَلَا تُعِنْ عَلَيَّ، وَانْصُرْنِي وَلَا تَنْصُرْ عَلَيَّ، وَامْكُرْ لِي وَلَا تَمْكُرْ عَلَيَّ، وَاهْدِنِي وَيَسِّرِ الهُدَى إِلَيَّ، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ.
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا اسْتَعَاذَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي أدعية عامة لم ترد بلفظها في السنة النبوية الصحيحة، ولكن يجوز الدعاء بها وبمثلها ما دامت معانيها صحيحة ولا تخالف الشرع، والأفضل والأكمل هو الالتزام بالأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي جامعة للخير ومباركة.
المصادر والمراجع
- صحيح البخاري، حديث رقم 1120، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 2695، 769، 2720، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- جامع الترمذي، حديث رقم 3526، وحسنه الألباني، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة (FAQs)
ما هي آداب الدعاء وشروط استجابته؟
من أهم آداب الدعاء: الإخلاص لله تعالى، والبدء بحمد الله والثناء عليه والصلاة على النبي، والإلحاح في الدعاء وعدم الاستعجال، وحضور القلب واليقين بالإجابة، والدعاء في أوقات الإجابة مثل الثلث الأخير من الليل وبين الأذان والإقامة.
هل يجوز الدعاء بغير اللغة العربية؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بلغته التي يفهمها، فالله سبحانه وتعالى يعلم ما في القلوب ويسمع كل اللغات، ولكن الدعاء باللغة العربية، خاصة بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة، هو الأفضل والأكمل لمن استطاع.
ما هي أفضل الأوقات للدعاء؟
هناك أوقات وأحوال يُرجى فيها إجابة الدعاء أكثر من غيرها، منها: الثلث الأخير من الليل، وعند السجود في الصلاة، وبين الأذان والإقامة، وفي آخر ساعة من يوم الجمعة، وعند نزول المطر، وفي شهر رمضان، ويوم عرفة.

