إن حمد الله تعالى وشكره من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، فهو اعترافٌ بالفضل، وإقرارٌ بالنعمة، وسببٌ لدوامها وزيادتها، والمؤمن الحق هو الذي يلهج لسانه بالحمد في السراء والضراء، مدركاً أن كل ما يصيبه من خير أو ابتلاء هو بتقدير من الله وحكمته البالغة التي قد تخفى على العقول.
والحمد ليس مجرد كلمة تُقال، بل هو شعور قلبي يفيض على الجوارح رضا وتسليماً، ومن أعظم صيغ الحمد التي وردت في السنة النبوية الشريفة، والتي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص عليها، ما يُعرف بدعاء “الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات”.
صيغة الحمد الثابتة في السنة النبوية
إن الصيغة الصحيحة والمأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم عند رؤية ما يسره من نعم الله وخيراته هي قول:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ
وهذا الدعاء المبارك هو من هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وقد ورد في السنة النبوية الشريفة.
- مصدر الحديث: رواه ابن ماجه والحاكم.
- درجة الحديث: حسّنه الشيخ الألباني في “صحيح الجامع”.
وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا رأى ما يسُرُّه قال هذه الصيغة، وإذا رأى ما يكرهه قال: “الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ”، وهذا يعلمنا الرضا التام بقضاء الله وقدره في كل الأحوال.
أمثلة على صيغ منتشرة للحمد (للاستئناس)
يتداول الناس بعض الصيغ المطوّلة التي تضيف على الدعاء النبوي الأصلي عبارات بليغة في الحمد والثناء، وفي حين أن معنى هذه الأدعية صحيح في مجمله، إلا أنه من المهم معرفة حكمها الشرعي.
- “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ وَتَنْقَضِي الْحَاجَاتُ، وَتَأْتِي الْخَيْرَاتُ وَتَزُولُ الْعَقَبَاتُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ دَائِمًا وَأَبَدًا”.
- “اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى الْعَافِيَةِ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى كُلِّ نِعْمَةٍ أَنْعَمْتَ بِهَا عَلَيْنَا فِي قَدِيمٍ أَوْ حَدِيثٍ، فِي سِرٍّ أَوْ عَلَنٍ”.
- “الحمدُ للهِ الذي بنعمتهِ تتمُّ الصالحاتُ، مُجيبُ الدعواتِ، رفيعُ الدرجاتِ، الذي يقبلُ التوبةَ عن عباده ويغفرُ الزلات”.
- “الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك”.
حكم الزيادة على الدعاء المأثور
تنبيه هام: هذه الصيغ الإضافية هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بهذه الإضافات عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهو كافٍ ومبارك وفيه الخير كله، ويجوز للمسلم أن يحمد الله ويدعوه بما يفتح الله عليه من صيغ لا تخالف الشرع، ولكن الأفضل والأكمل هو لزوم الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنها أجمع للخير وأعظم في البركة.
متى يُقال دعاء “الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات”؟
يُشرع للمسلم أن يقول هذا الذكر المبارك في كل وقت يرى فيه نعمة من الله تستوجب الشكر والحمد، ومن أبرز هذه المواطن:
- عند تحقق أمر سار: مثل النجاح في دراسة، أو الحصول على وظيفة، أو تحقيق هدف منشود.
- عند الرزق بمولود: فهي من أعظم النعم التي تستوجب الحمد والشكر لله تعالى.
- عند الشفاء من مرض: فالعافية نعمة جليلة يغفل عنها الكثيرون، وعند استردادها يُحمد الله عليها.
- عند استجابة الدعاء: إذا دعا المسلم ربه وتحققت دعوته، فمن تمام الشكر أن يحمد الله على فضله وكرمه.
- عند نزول المطر أو رؤية الخير: فكل خير يصيب الإنسان أو الأمة هو من نعم الله التي تستحق الحمد.
- عند تيسير الأمور: إذا تيسر أمر عسير أو انفرج كرب، كان ذلك موطناً لحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات.
أدعية قرآنية في الشكر والحمد
القرآن الكريم هو مصدرنا الأول، وقد علمنا الله فيه صيغاً عظيمة للحمد والثناء عليه، منها:
“رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ” [النمل: 19].
“الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ” [الأعراف: 43].
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” [البقرة: 201].
فالدعاء بما ورد في القرآن الكريم من أعظم القربات، فهو كلام الله الذي ارتضاه لعباده.
المصادر والمراجع
- الحديث النبوي “الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات”: سنن ابن ماجه، وحسنه الألباني، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سورة النمل، الآية 19.
- سورة الأعراف، الآية 43.
- سورة البقرة، الآية 201.
أسئلة شائعة (FAQs)
ما هو الدعاء الصحيح عند رؤية ما يسر؟
الدعاء الصحيح الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عند رؤية ما يسره هو: “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ”.
هل يجوز إضافة عبارات على هذا الدعاء؟
الأفضل والأكمل هو الالتزام بالصيغة النبوية الواردة، فهي جامعة ومباركة، ويجوز للمسلم أن يحمد الله بما يفتح عليه من كلام طيب لا يخالف الشرع، لكن لزوم المأثور أولى وأعظم أجراً.
ماذا أقول عند رؤية ما أكرهه أو ما يحزنني؟
كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا رأى ما يكره قال: “الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ”، وهذا يعلمنا الصبر والرضا بقضاء الله في كل الأحوال.

