يحرص المسلم على أن يكون لسانه رطباً بذكر الله، ومن أعظم أنواع الذكر حمد الله والثناء عليه وشكره على نعمه التي لا تُعد ولا تُحصى، ويُعد شهر رمضان فرصة عظيمة لترسيخ عبادة الحمد، خاصة بعد أداء العبادات كصلاة التراويح، حيث يستشعر العبد فضل الله عليه بالهداية والتوفيق للطاعة.
إن شكر النعم بالقلب واللسان والجوارح من أسباب حفظها وزيادتها، قال تعالى:
“وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ”
[إبراهيم: 7].
أصل دعاء “الحمد لله الذي هدانا” في القرآن الكريم
إن أصل هذه الصيغة المباركة من الحمد مُقتبس من القرآن الكريم، وهو قول أهل الجنة حينما يدخلونها، اعترافًا منهم بفضل الله المطلق في هدايتهم.
- النص القرآني: قال الله تعالى واصفًا حال أهل الجنة:
 “وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ ۖ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ” [الأعراف: 43]. 
- المعنى: يعترف أهل الجنة بأن هدايتهم للإيمان والعمل الصالح التي كانت سبباً في دخولهم الجنة، لم تكن بحولهم ولا قوتهم، بل هي فضل محض ومنّة من الله سبحانه وتعالى.
أدعية الحمد والثناء من السنة النبوية الصحيحة
وردت في السنة النبوية الشريفة العديد من الصيغ الصحيحة التي علمنا إياها النبي صلى الله عليه وسلم لحمد الله والثناء عليه في مختلف الأحوال:
- دعاء الاستفتاح في الصلاة: من أدعية الاستفتاح التي كان يقولها النبي ﷺ في صلاته:
 “اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وبيْنَ خَطَايَايَ، كما بَاعَدْتَ بيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِن خَطَايَايَ، كما يُنَقَّى الثَّوْبُ الأبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِن خَطَايَايَ بالثَّلْجِ والمَاءِ والبَرَدِ” (المصدر: صحيح البخاري، حديث صحيح). 
- عند رؤية ما يُسر: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يسره قال:
 “الحمدُ للهِ الذي بنعمتِه تتمُّ الصالحاتُ” (المصدر: سنن ابن ماجه، حديث حسن). 
- سيد الاستغفار (ويتضمن الحمد): وهو من أعظم الأدعية التي تجمع بين الاعتراف بالنعمة وطلب المغفرة:
 “اللَّهُمَّ أنْتَ رَبِّي لا إلَهَ إلَّا أنْتَ، خَلَقْتَنِي وأنا عَبْدُكَ، وأنا علَى عَهْدِكَ ووَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أعُوذُ بكَ مِن شَرِّ ما صَنَعْتُ، أبُوءُ لكَ بنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وأَبُوءُ لكَ بذَنْبِي فاغْفِرْ لِي، فإنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ” (المصدر: صحيح البخاري، حديث صحيح). 
صيغ شائعة في الحمد والثناء
يتداول الناس بعض الصيغ الحسنة في معانيها للدعاء والحمد، وهي تجمع بين الثناء على الله وطلب الخير، نورد هنا بعض الأمثلة منها للتوضيح:
- “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا وَآوَانَا وَرَزَقَنَا مِنَ الطَّيِّبَاتِ، اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ حَتَّى تَرْضَى، وَلَكَ الْحَمْدُ إِذَا رَضِيتَ، وَلَكَ الْحَمْدُ بَعْدَ الرِّضَا”.
- “اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى نِعْمَةِ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى نِعْمَةِ الْقُرْآنِ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى نِعْمَةِ الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْمُعَافَاةِ”.
- “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَنَا لِلطَّاعَاتِ، وَأَعَانَنَا عَلَى ذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ، رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا صَلَاتَنَا وَصِيَامَنَا وَقِيَامَنَا وَصَالِحَ أَعْمَالِنَا”.
تنبيه هام وحكم الدعاء بهذه الصيغ
تنبيه وإخلاء مسؤولية: الصيغ المذكورة أعلاه في قسم “صيغ شائعة” هي مما يتداوله بعض الناس، وهي حسنة المعنى، ولكنها لم تثبت بسند صحيح كصيغة محددة عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة.
الحكم الشرعي: يجوز للمسلم أن يدعو الله بأي دعاء حسن لا يخالف الشريعة الإسلامية، حتى لو لم يكن مأثوراً، بشرط ألا يعتقد أن هذه الصيغة لها فضل خاص أو أنها سنة ثابتة عن النبي ﷺ، فالأمر في صيغ الدعاء العامة واسع، ولكن الأكمل والأفضل دائماً هو الالتزام بالأدعية القرآنية والنبوية الثابتة.
كيف يكون شكر الله وحمده على النعم؟
الشكر الحقيقي لله لا يقتصر على اللسان، بل هو عبادة تشمل القلب والجوارح، ويتحقق الشكر الكامل بثلاثة أركان:
- الشكر بالقلب: وهو أن يعترف العبد بقلبه اعترافاً جازماً بأن كل نعمة هو فيها، دينية كانت أم دنيوية، هي من الله وحده، وأن يستشعر محبته سبحانه وتعالى.
- الشكر باللسان: وهو التحدث بنعم الله والثناء عليه بها، كقول “الحمد لله” و “الشكر لله”، وإظهار أثر نعمته عليه من غير مخيلة ولا إسراف.
- الشكر بالجوارح: وهو تسخير هذه النعم في طاعة الله، واستخدامها فيما يرضيه، فالعين تشكر الله بالنظر إلى ما أحل، والأذن تشكره بسماع ما ينفع، واليد تشكره بالبطش في الخير، وهكذا.
ومن تمام الشكر، شكر الناس الذين كانوا سبباً في وصول الخير إليك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ”
(المصدر: سنن الترمذي، حديث صحيح)، 
المصادر والمراجع
- سورة الأعراف، الآية 43.
- سورة إبراهيم، الآية 7.
- صحيح البخاري، حديث رقم 744 و 6306، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن ابن ماجه، حديث رقم 3805، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، حديث رقم 1954، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة
ما هو أصل دعاء “الحمد لله الذي هدانا لهذا”؟
أصله آية من القرآن الكريم في سورة الأعراف (الآية 43)، وهو من قول أهل الجنة عند دخولها، اعترافاً بفضل الله عليهم بالهداية.
هل الصيغ الطويلة لدعاء الحمد ثابتة في السنة النبوية؟
الصيغ الطويلة المنتشرة بين الناس هي في معظمها أدعية عامة حسنة المعنى، ولكنها لم تثبت كنص محدد عن النبي صلى الله عليه وسلم، الأفضل هو الالتزام بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة الصحيحة، مع جواز الدعاء بصيغ أخرى ما دامت لا تخالف الشرع.
ما هو أفضل وقت لحمد الله وشكره؟
يُشرع للمسلم حمد الله وشكره في كل وقت وحين، ويتأكد ذلك عند تجدد النعم ودفع النقم، وبعد الصلوات، وفي أوقات الإجابة المباركة كشهر رمضان، وعند كل ما يسر العبد، فبشكر الله تدوم النعم وتزيد.
 
		
