الدعاء هو العبادة، وهو الصلة المباشرة التي تربط العبد بخالقه، والوسيلة التي يتقرب بها المؤمن إلى الله -سبحانه وتعالى- لطلب العون وتيسير الأمور، فمن خلاله، يظهر العبد افتقاره وتوكله على الله القادر على كل شيء، ويُسلّم أمره كله إليه.
وقد بيّن النبي ﷺ عظيم مكانة الدعاء في الإسلام، فقال في الحديث الصحيح:
“الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ”
(رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح)، وهذا يؤكد أن الدعاء ليس مجرد طلب، بل هو جوهر العبادة وروحها.
في هذا المقال، نستعرض مجموعة من الأدعية الصحيحة الثابتة في القرآن الكريم والسنة النبوية، ونوضح آداب الدعاء وشروطه، مع التنبيه على بعض الصيغ المنتشرة التي لم تثبت بأدلة صحيحة.
أدعية صحيحة ومستجابة من القرآن والسنة
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، فهي الأدعية الجامعة المباركة التي تشمل خيري الدنيا والآخرة، ومن أعظم هذه الأدعية:
- دعاء يونس عليه السلام (دعاء الكرب): وهو من أعظم الأدعية لتفريج الهموم، قال تعالى:
“وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ”
[الأنبياء: 87]، وقد قال رسول الله ﷺ:
“دعوةُ ذي النُّونِ إذ دعا وهو في بطنِ الحوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فإنَّهُ لم يدعُ بها رجلٌ مسلمٌ في شيءٍ قطُّ إلَّا استجابَ اللَّهُ لَهُ”
(رواه الترمذي، وصححه الألباني).
- دعاء تفريج الهم وقضاء الدين:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ”
(رواه البخاري).
- سيد الاستغفار: وهو من أفضل صيغ طلب المغفرة.
“اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ”
(رواه البخاري).
- الدعاء الجامع لخيري الدنيا والآخرة: وهو أكثر دعاء كان يدعو به النبي ﷺ.
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”
[البقرة: 201].
أمثلة على صيغ دعاء منتشرة
يتداول بعض الناس صيغاً مطولة للدعاء لقضاء الحاجات، ورغم أن معانيها قد تكون صحيحة في مجملها، إلا أنها لم ترد بهذه الصيغة المحددة في القرآن أو السنة الصحيحة، ومن أمثلة ذلك:
- “اللهم يا سامع الأصوات ويا مجيب الدعوات ويا مَنْ تكسو العظام لحماً بعد الموت..، أسألك أن تحقق لي (اذكر حاجتك).”.
- “سبحانك لا إله إلا أنت يا ذا الجلال والإكرام يا رب يا رب يا رب يا من حفظت كليمك موسى وهو وليد في اليم..، لا تعسر عليك حاجتي..، ارزقني (اذكر حاجتك).”.
- “اللهم إني عبدك الفقير بين يديك..، أرفع يدي إليك متضرعاً..، أسألك باسمك الأعظم الذي إذا سئلت به أجبت..، يا أرحم الراحمين ارزقني (اذكر حاجتك).”.
تنبيه هام: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، وهي أفضل ما يدعو به المسلم.
ما حكم الدعاء بالصيغ غير المأثورة؟
يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة ما لم يكن في دعائه إثم أو قطيعة رحم، ومع ذلك، فإن الالتزام بالأدعية المأثورة عن النبي ﷺ هو الأفضل والأكمل والأكثر بركة، لأنها جوامع الكلم وقد أوتيها نبينا محمد ﷺ، أما تخصيص صيغ معينة غير ثابتة واعتقاد أن لها فضلاً خاصاً أو أنها مستجابة حتماً، فهذا أمر لا أصل له في الشرع.
شروط وآداب الدعاء المستجاب
لكي يكون الدعاء أقرب للقبول، ينبغي للمسلم أن يلتزم بمجموعة من الشروط والآداب التي تزيد من فرصة استجابته بإذن الله، من أهمها:
- الإخلاص وحضور القلب: أن يكون الدعاء خالصاً لوجه الله تعالى، مع استحضار القلب والخشوع أثناء الدعاء.
- اليقين بالإجابة: أن يدعو المسلم وهو موقن بأن الله سيستجيب له، لقول النبي ﷺ:
“ادعُوا اللهَ وأنتُم مُوقِنُونَ بالإجابةِ”
(رواه الترمذي، حديث حسن).
- البدء بحمد الله والصلاة على النبي: من السنة أن يبدأ الداعي بحمد الله والثناء عليه، ثم يصلي على النبي ﷺ، ويختم دعاءه بذلك.
- الإلحاح وعدم الاستعجال: تكرار الدعاء والإلحاح فيه من أسباب الإجابة، مع تجنب استعجال الإجابة.
- تحري أوقات وأحوال الإجابة: مثل الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وعند نزول المطر، وفي السجود، وآخر ساعة من يوم الجمعة.
- أكل الحلال: طيب المطعم والمشرب والملبس من أهم أسباب قبول الدعاء.
- التوسل المشروع: مثل التوسل إلى الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، أو بصالح الأعمال، أو بدعاء الرجل الصالح الحي.
إن أثر الدعاء في حياة المسلم عظيم؛ فهو يدفع البلاء ويرفعه، ويجلب الرحمة، ويزيد العبد قرباً من ربه، ويحقق له الطمأنينة والسكينة في قلبه.
المصادر والمراجع
- سورة الأنبياء، الآية 87.
- سورة البقرة، الآية 201.
- حديث “الدعاء هو العبادة”، (يمكن مراجعته في سنن الترمذي، حديث رقم 3372، على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “دعوة ذي النون”، (يمكن مراجعته في سنن الترمذي، حديث رقم 3505، على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن”، (يمكن مراجعته في صحيح البخاري، حديث رقم 6369، على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “سيد الاستغفار”، (يمكن مراجعته في صحيح البخاري، حديث رقم 6306، على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة”، (يمكن مراجعته في سنن الترمذي، حديث رقم 3479، على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة (FAQs)
ما هو الوقت الأفضل للدعاء؟
هناك أوقات كثيرة يُرجى فيها إجابة الدعاء، وأفضلها الثلث الأخير من الليل، وفي السجود أثناء الصلاة، وآخر ساعة من يوم الجمعة، وبين الأذان والإقامة.
هل هذا الدعاء “يا سامع الأصوات…” صحيح وثابت؟
هذه الصيغة وغيرها من الصيغ الطويلة المنتشرة لم تثبت عن النبي ﷺ أو صحابته، والأفضل للمسلم هو الالتزام بالأدعية الواردة في القرآن والسنة الصحيحة.
ما هو البديل الصحيح للأدعية المنتشرة غير الثابتة؟
البديل الصحيح والأفضل هو الأدعية القرآنية والنبوية، مثل دعاء يونس عليه السلام “لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين”، ودعاء “ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار”، والأدعية الصحيحة الواردة لتفريج الكروب وقضاء الحاجات.

