يواجه الكثيرون تحدي الغربة والابتعاد عن الأهل والوطن، سواء كان ذلك سعيًا لرزق أفضل أو طلبًا للعلم، وفي هذه الأوقات، يظل الدعاء هو الصلة الأقوى والملجأ الآمن الذي يربط قلب المؤمن بخالقه، ويصل الأحباب ببعضهم وإن باعدت بينهم المسافات، إن اللجوء إلى الله بالدعاء للمغترب والمسافر ليس مجرد كلمات، بل هو استيداع للأحباب في رعاية من لا تضيع ودائعه، وطلب العون والتيسير لمن يخوضون تحديات الحياة بعيدًا عن ديارهم.

أدعية مأثورة من القرآن والسنة للمسافر والمغترب

الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي الأدعية الجامعة المباركة التي تحمل أكمل المعاني وأصح المباني، ومن هذه الأدعية:

1، دعاء المسافر عند السفر

كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر، كبَّر ثلاثاً، ثم قال:

“سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ، وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالْأَهْلِ”.

المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 1342، (حديث صحيح).

2، دعاء المقيم للمسافر

عندما يودع المسلم أخاه المسافر، يُستحب أن يدعو له بهذا الدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم:

“أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكَ، وَأَمَانَتَكَ، وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ”.

المصدر: سنن الترمذي، حديث رقم 3443، (حديث حسن صحيح).

3، دعاء لحفظ الأهل والمال

يمكن للمغترب والمسافر أن يدعو الله لحفظ أهله وماله، فالله خير الحافظين، قال تعالى:

“فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ”

المصدر: [سورة يوسف: 64].

أدعية عامة وصيغ شائعة للمغترب

إلى جانب الأدعية المأثورة، يتداول الناس صيغًا عامة للدعاء للأحباب المغتربين، نابعة من قلوب محبة، يمكن الدعاء بها مع استحضار النية الخالصة، ومن أمثلتها:

• اللَّهُمَّ احْفَظْ لِي غَالِيًا عَلَى قَلْبِي، تَخْشَى عَلَيْهِ رُوحِي أَنْ يَمَسَّهُ سُوءٌ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْدِعُكَ إِيَّاهُ، فَاحْفَظْهُ بِعَيْنِكَ الَّتِي لَا تَنَامُ، وَاكْلَأْهُ بِرُكْنِكَ الَّذِي لَا يُرَامُ، وَرُدَّهُ إِلَيْنَا سَالِمًا غَانِمًا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
• رَبِّ، اجْعَلْ غُرْبَتَهُ بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَيْهِ، وَهَوِّنْ عَلَيْهِ وَحْشَةَ الْبُعَادِ، وَسَخِّرْ لَهُ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ، وَافْتَحْ لَهُ أَبْوَابَ رِزْقِكَ، وَاحْفَظْهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ.
• يَا رَبِّ، إِنَّ لِي مُغْتَرِبًا تَرَاهُ وَلَا أَرَاهُ، أَسْتَوْدِعُكَ قَلْبَهُ وَصِحَّتَهُ وَعَافِيَتَهُ، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَيَسِّرْ لَهُ أَمْرَهُ، وَبَارِكْ فِي سَعْيِهِ، وَاجْعَلْ عَاقِبَةَ أَمْرِهِ فَرَحًا وَسُرُورًا.
• اللَّهُمَّ احْفَظْ زَوْجِي فِي غُرْبَتِهِ، وَكُنْ لَهُ عَوْنًا وَنَصِيرًا، وَارْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ، وَاجْمَعْ شَمْلَنَا عَلَى خَيْرٍ فِي قَرِيبٍ عَاجِلٍ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

تنبيه هام وإخلاء مسؤولية

تنبيه هام: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس من أدعية عامة، ولم تثبت بسند صحيح متصل عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه بهذه الألفاظ المحددة، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، ويجوز الدعاء بما يفتح الله به على العبد من كلام حسن لا يخالف الشرع، دون اعتقاد أن لهذه الصيغ فضلًا خاصًا أو أنها سنة متبعة.

حكم الدعاء للمغترب بصيغ غير مأثورة

أجمع أهل العلم على أن الدعاء بغير المأثور (أي بصيغ لم ترد في القرآن أو السنة) جائز شرعًا، بشرطين أساسيين:

1. أن يكون معناه صحيحًا: لا يحتوي على أي مخالفة شرعية أو اعتداء في الدعاء.
2. ألا يُعتقد أنه سنة: لا يجوز اعتقاد أن هذه الصيغة لها فضل خاص أو أنها من السنة النبوية، أو التزامها في وقت معين كما تُلتزم الأذكار المأثورة.

فباب الدعاء واسع، ويمكن للمسلم أن يناجي ربه بحاجته وبما يجول في خاطره من كلمات طيبة، سواء لنفسه أو لغيره من المسلمين كالمغتربين والمسافرين.

فضل دعاء المسافر

يتميز دعاء المسافر بفضل عظيم، حيث إنه من الدعوات المستجابة بإذن الله، وقد أكد ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف:

“ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ”.

المصدر: سنن الترمذي، حديث رقم 1905، (حديث حسن).

لذا، ينبغي على المسافر أن يغتنم هذه الفرصة المباركة فيكثر من الدعاء لنفسه وأهله وجميع المسلمين، فهو في موطن يُرجى فيه قبول الدعاء.

أسئلة شائعة

ما هو أفضل دعاء للمسافر؟

أفضل الأدعية هي المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها دعاء السفر: “سبحان الذي سخر لنا هذا…”، ودعاء المقيم للمسافر: “أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك”.

هل دعاء المسافر مستجاب حقًا؟

نعم، دعاء المسافر من الدعوات التي يُرجى إجابتها، كما ورد في الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي وغيره، وذلك لما يعانيه المسافر من مشقة وبعد عن الأهل والوطن، فيكون أقرب إلى الانكسار والتضرع لله تعالى.

هل يجوز أن أدعو للمغترب بكلماتي الخاصة؟

نعم، يجوز الدعاء للمغترب بأي صيغة طيبة من عندك، ما دامت لا تحتوي على محظور شرعي، فالدعاء هو مناجاة لله، ويمكنك التعبير عن مشاعرك وحاجاتك بالأسلوب الذي يفتح الله به عليك.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

جميع مقالات احمد نصر