متى يكون الدعاء مستجاب

الدعاء هو جوهر العبادة وأقرب الوسائل التي يتقرب بها العبد إلى ربه، وهو منة عظيمة وفضل كبير، إلا أن الكثير يتساءل عن شروط استجابة الدعاء وأوقاتها المباركة، وكيف يكون الدعاء أقرب للقبول، يستعرض هذا الدليل الشامل الضوابط الشرعية والأسباب المعينة على استجابة الدعاء، مستندًا إلى ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة.

شروط استجابة الدعاء وضوابطه الشرعية

لكي يكون الدعاء أقرب للقبول، ينبغي للمسلم أن يلتزم بمجموعة من الشروط والآداب المستمدة من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أهمها:

  • الإخلاص لله وحده: أن يكون القصد من الدعاء وجه الله تعالى وحده، دون رياء أو إشراك أحد معه، قال تعالى:

    “فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ”

    [غافر: 14].

  • اليقين بالإجابة وحسن الظن بالله: يجب على الداعي أن يكون موقنًا بأن الله سيستجيب له، وألا يدعو بقلب غافل، قال النبي صلى الله عليه وسلم:

    “ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاَهٍ”

    (حديث حسن، رواه الترمذي).

  • تحري الكسب الحلال: الابتعاد عن المحرمات في المأكل والمشرب والملبس، فإن الكسب الحلال من أعظم أسباب قبول الدعاء.
  • عدم الاستعجال: المثابرة على الدعاء وعدم اليأس من الإجابة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

    “يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي”

    (حديث صحيح، متفق عليه).

  • البدء بحمد الله والصلاة على النبي ﷺ: من آداب الدعاء أن يبدأ الداعي بحمد الله والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويختم دعاءه بذلك.
  • التوبة الصادقة: الرجوع إلى الله وترك الذنوب والمعاصي، فإن الطاعة تقرّب العبد من ربه وتجعل دعاءه أحرى بالقبول.

أدعية دينية مكتوبة لطلب استجابة الدعاء من الله

أوقات وأحوال يُرجى فيها استجابة الدعاء

هناك أوقات وأحوال مباركة يكون فيها الدعاء أقرب إلى القبول، وينبغي للمسلم تحريها والإكثار من الدعاء فيها:

  • الثلث الأخير من الليل: وهو وقت النزول الإلهي، حيث ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا، قال النبي صلى الله عليه وسلم:

    “يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ”

    (حديث صحيح، متفق عليه).

  • أثناء السجود: يكون العبد أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

    “أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ”

    (حديث صحيح، رواه مسلم).

  • بين الأذان والإقامة: الدعاء في هذا الوقت لا يُردّ، قال النبي صلى الله عليه وسلم:

    “الدُّعَاءُ لاَ يُرَدُّ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ”

    (حديث صحيح، رواه أبو داود والترمذي).

  • آخر ساعة من يوم الجمعة: فيها ساعة إجابة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه.
  • دعوة الصائم عند فطره: فللصائم دعوة لا تُردّ.
  • عند نزول المطر: فهو وقت رحمة يُستحب فيه الدعاء.
  • يوم عرفة: فخير الدعاء دعاء يوم عرفة.
  • دعوة المظلوم: فإنه ليس بينها وبين الله حجاب.

أمثلة على صيغ الدعاء المنتشرة

يتداول بعض الناس صيغًا للدعاء لم ترد في نصوص شرعية ثابتة، ومن أمثلتها:

  • (اللهم ازرَع في قَلبي رجاءَك وابْعِدني عن التعلق بغيرك حتى لا يكون لي أمل إلا بك، اللهم أي أمرٍ لا أمتلك له القوة ولا أملك عنه العلم الكافي ولم يخطر ببالي سؤاله أو طلبه وأعطيتَه أحدًا من قبل أو ستعطيه أحدًا بعد فاجعل لي منه نصيبًا بواسع رحمتك يا أرحم الراحمين).
  • اللهم بحَق قولِك (ليس لها من دون الله كاشفة) اكشف عني كل همٍّ وغم، أنت وحدَك الذي تعلم الخفايا وتملك صرف كل بلاء، أغثني يا الله، أدعوك دعاءَ من ضاقت به الدنيا وتلاشت قوته وانقطعت به السبل، دعاءَ عبدٍ تائهٍ في بحر الحياة لا يجد حيلةً ولا مخرَجًا، ارحم ضعفي وأغثني بلطفك وتولَّني برحمتك.
  • اللهم أنت ملجئي وأنت ملاذي، أتضرع إليك بأسمائك الحسنى الواحد الأحد الفرد الصمد وبكل اسمٍ عظيمٍ لك أن تُيسّر لي أموري وتُفرّج عني كل ما ضايقني وما أثقل قلبي وعجزتُ عن مواجهته.
  • (سبحانك يا رب ما أرحمك وأنت أعلم بحالي وبما يضيق صدري، وأنت القادر على كل شيء، وحدَك تعلم ما أشعر به وتملك تغييره، أنت ثقتي وأملي فلا تخيّب رجائي، اجعل ظني بك حسنًا واجعل القرآن شفاءً لقلبي ودواءً لهمّي، يا رب صلاحُ الحال كله بيدك، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله).
  • اللهم يا أنيس كل وحيد ويا سند كل ضعيف، يا من أنت أقرب من القلب للعروق، يا حكيم يا عزيز يا حي يا قيّوم يا ذا العظمة والكرم، أزل عني كل همٍّ ويسر لي أمري كله، اللهم رحمتك أملي فلا تتركني لنفسي طرفة عين ودبّر لي أمري كله.
  • (اللهم يا لطيف، دبّر أمري كله بلطفك الخفي وصنعك الحكيم في كل ما يُثقل عليَّ ويسبب لي الضيق، يا من لا يعجزه شيء، أنت الواحد الأحد القادر على رفع كل بلاء وكشف كل غم، فرّج عني ما أنا فيه).

تنبيه هام وحكم هذه الأدعية

تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة، ويجوز للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من كلام حسن لا يخالف الشرع، ولكن لا يجوز نسبة هذه الأدعية إلى السنة أو تخصيص فضل معين لها لم يرد به دليل.

عوامل وشروط استجابة الدعاء من الكتاب والسنة

موانع استجابة الدعاء

هناك عدة أسباب قد تحول دون استجابة الدعاء، ويجب على المسلم الحذر منها:

  • أكل الحرام: اكتساب المال من مصدر غير مشروع من أكبر الموانع، ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل:

    “…يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟”

    (حديث صحيح، رواه مسلم).

  • الدعاء بإثم أو قطيعة رحم: كأن يدعو الشخص على غيره بالشر دون وجه حق، أو يطلب أمراً فيه معصية.
  • الغفلة وقسوة القلب: الدعاء بقلب غافل لاهٍ عن الله لا يُستجاب، فالخشوع وحضور القلب من أهم أسباب القبول.
  • ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: قد يكون التقصير في هذا الواجب سببًا في عدم استجابة الدعاء.
  • الاستعجال وترك الدعاء: أن يملّ العبد من الدعاء ويتركه بحجة عدم رؤية الإجابة الفورية.

الأوقات المباركة التي يستجاب فيها الدعاء

إن الله سبحانه وتعالى يسمع دعاء عباده ويجيبهم على ثلاثة أحوال: إما أن يعجل له دعوته، أو يدفع عنه من السوء مثلها، أو يدخرها له أجرًا وثوابًا يوم القيامة، لذا، على المؤمن أن يلح في الدعاء ويثق بحكمة ربه ورحمته، ويقول دائمًا: الحمد لله على كل حال.

المصادر والمراجع

الأسئلة الشائعة (FAQs)

ما هو أفضل وقت للدعاء؟

من أفضل الأوقات الثلث الأخير من الليل، وأثناء السجود في الصلاة، وبين الأذان والإقامة، وآخر ساعة من يوم الجمعة، وعند نزول المطر، فكلها أوقات وردت بها نصوص شرعية تحث على اغتنامها.

لماذا قد يتأخر الله في استجابة دعائي؟

استجابة الله للدعاء تكون على ثلاثة أشكال كما ورد في السنة: إما أن يعطيك ما سألت، أو أن يصرف عنك من السوء بقدر دعائك، أو أن يدخر لك الأجر في الآخرة، فالتأخير ليس منعًا، بل هو لحكمة يعلمها الله وهي دائمًا خير للعبد.

هل يجوز الدعاء باللغة العامية أو بأي صيغة؟

نعم، يجوز للمسلم أن يدعو ربه بلغته وبما يفتح الله عليه من كلام طيب، شريطة ألا يكون في دعائه إثم أو قطيعة رحم أو اعتداء، والأفضل دائمًا هو الدعاء بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة الصحيحة لما فيها من بركة وكمال.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

0 0 التصويت
Article Rating
الاشتراك في تنبيهات التعليقات
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
الأقدم
الأحدث الأكثر تصويتا
التعليقات المضمنة
عرض جميع التعليقات