هل ورد حديث في أن الدعاء يوم الأربعاء مستجاب

يتساءل كثير من المسلمين عن صحة ما يُشاع حول تخصيص يوم الأربعاء لاستجابة الدعاء، ويُعد هذا السؤال من المسائل الدينية الهامة التي تتطلب توضيحًا مبنيًا على الأدلة الشرعية الصحيحة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، إن الأصل في عبادة الدعاء، كغيرها من العبادات، هو الاتباع والالتزام بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتجنب كل ما لم يثبت بدليل صحيح، وذلك حرصًا على سلامة العبادة وقبولها.

لذلك، عند بحث مسألة مثل هذه، لا بد من الرجوع إلى أهل العلم والاختصاص في علم الحديث للتحقق من درجة صحة الروايات المنقولة، والتمييز بين ما هو صحيح ثابت، وما هو ضعيف أو موضوع لا يجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو العمل به.

ما صحة حديث استجابة الدعاء يوم الأربعاء؟

الحديث الذي يُستدل به على فضل الدعاء يوم الأربعاء هو حديث رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، ورغم انتشاره، إلا أنه من الأهمية بمكان بيان درجته من حيث الصحة، وهو ما يحدد الموقف الشرعي منه.

نص الرواية المتداولة

الرواية التي يتناقلها البعض تنص على الآتي:

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: “أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دعا في مسجدِ الفتحِ ثلاثًا: يومَ الإثنينِ، ويومَ الثُّلاثاءِ، ويومَ الأربعاءِ، فاسْتُجيب له يومَ الأربعاءِ بين الصَّلاتَيْن، فعُرِف البِشرُ في وجهِه، قال جابرٌ: فلم ينزلْ بي أمرٌ مهمٌّ غليظٌ إلَّا توخَّيتُ تلك السَّاعةَ فأدعو فيها فأعرفُ الإجابةَ”.

درجة صحة الحديث وحكم العمل به

أجمع عدد كبير من علماء الحديث المعتبرين على أن هذا الحديث ضعيف من حيث السند، فقد ضعّفه الإمام أحمد بن حنبل، والشيخ الألباني وغيرهم من أهل العلم، وبناءً على ضعفه، فإنه لا يصح الاستدلال به على تخصيص يوم الأربعاء أو الوقت بين الظهر والعصر بفضل خاص لاستجابة الدعاء على وجه الدوام.

تنبيه هام: كون الدعاء قد استُجيب للنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الوقت هو واقعة حال محددة، ولكن لم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم جعل هذا الأمر سنة دائمة لأمته، أو حثّهم على تحري هذا اليوم والوقت للدعاء بشكل مخصوص، والأصل في العبادات التوقيف على الدليل الصحيح، وما ثبت في السنة من أوقات إجابة الدعاء فيه الكفاية والبركة.

الحكم الشرعي في تخصيص يوم الأربعاء للدعاء وفضل الأوقات المستحبة

الحكم الشرعي في تخصيص يوم معين للدعاء

إن تخصيص يوم معين أو وقت محدد بعبادة معينة (مثل الدعاء) لم يرد به نص شرعي صحيح يُعد من الأمور المبتدعة التي حذرت منها الشريعة الإسلامية، فالدين الإسلامي كامل، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم لأمته جميع سبل الخير، ولم يثبت عنه أنه خصص أيام الأسبوع بأدعية معينة.

  • الأصل هو الاتباع: السنة النبوية المطهرة مليئة بالأدعية والأذكار الشاملة التي تُقال في كل وقت وحين، مثل أذكار الصباح والمساء، وأدعية الكرب، والاستخارة، وغيرها، دون تقييدها بيوم محدد.
  • التحذير من البدع: أوضح العلماء أن تخصيص زمان أو مكان بعبادة لم يخصصه الشرع يدخل في باب البدعة الإضافية، وهو أمر منهي عنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم:

    “مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ” (متفق عليه).

    .

  • مصادر موثوقة للأدعية: يمكن للمسلم الرجوع إلى كتب السنة المعتبرة التي جمعت الأدعية الصحيحة، مثل “الأذكار” للإمام النووي، و”صحيح الكلم الطيب” للشيخ الألباني، و”حصن المسلم” للقحطاني، ففيها غنية وكفاية.

أدعية صحيحة من السنة النبوية لكل وقت

بدلاً من البحث عن أدعية مخصصة لأيام معينة دون دليل، يمكن للمسلم أن يدعو بما ثبت في السنة النبوية من أدعية جامعة لخيري الدنيا والآخرة في أي وقت، ومن هذه الأدعية المباركة:

  • دعاء جامع للوقاية من الشرور:

    “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ، وَالْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْفَقْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ”، (متفق عليه)

    .

  • دعاء لطلب الطهارة من الذنوب:

    “اللَّهُمَّ اغْسِلْ عَنِّي خَطَايَايَ بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّ قَلْبِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَبَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ”، (متفق عليه)

    .

  • من الأدعية العامة المأثورة:“اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي رِزْقًا حَلَالًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، وَاجْعَلْ عَمَلِي صَالِحًا وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي.”.
  • دعاء لجوء وتوكل:“يَا اللهُ، أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ البَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنَا مِنَ الفَقْرِ.”.

أدعية نبوية صحيحة ومأثورة لكل الأوقات

الأوقات الثابتة التي يُرجى فيها استجابة الدعاء

لقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أوقات وأحوال محددة يُستحب فيها الإكثار من الدعاء، لأنها مواطن يُرجى فيها الإجابة، ومنها:

  • أثناء السجود في الصلاة: لقوله صلى الله عليه وسلم:

    “أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ”، (رواه مسلم)

    .

  • في الثلث الأخير من الليل: حيث ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا فيقول:

    “مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟”، (متفق عليه)

    .

  • بين الأذان والإقامة: لقوله صلى الله عليه وسلم:

    “الدُّعَاءُ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ”، (رواه الترمذي، حديث صحيح)

    .

  • آخر ساعة من يوم الجمعة: حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة:

    “فِيهِ سَاعَةٌ، لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ”، (متفق عليه)

    .

المصادر والمراجع

  • حديث “مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا…”: صحيح البخاري (2697)، وصحيح مسلم (1718)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
  • حديث “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ…”: صحيح البخاري (6367)، وصحيح مسلم (2706).
  • حديث “اللَّهُمَّ اغْسِلْ عَنِّي خَطَايَايَ…”: صحيح البخاري (6377)، وصحيح مسلم (2705).
  • حديث “أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ…”: صحيح مسلم (482).
  • حديث نزول الرب في الثلث الأخير: صحيح البخاري (1145)، وصحيح مسلم (758).
  • حديث الدعاء بين الأذان والإقامة: سنن الترمذي (212)، وصححه الألباني.
  • حديث ساعة الإجابة يوم الجمعة: صحيح البخاري (935)، وصحيح مسلم (852).

أسئلة شائعة

هل حديث استجابة الدعاء يوم الأربعاء صحيح؟

لا، الحديث الوارد في هذا الشأن قد حكم عليه أهل العلم بالضعف، لذا لا يصح الاعتماد عليه في إثبات فضيلة خاصة للدعاء في هذا اليوم.

ما حكم تخصيص يوم الأربعاء للدعاء؟

تخصيص أي يوم من أيام الأسبوع بعبادة أو دعاء معين لم يرد به دليل صحيح يُعتبر من البدع المحدثة في الدين، والأولى بالمسلم الالتزام بما ثبت في السنة.

ما هي البدائل الصحيحة للدعاء؟

البديل الصحيح هو الدعاء بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة في كل وقت، مع تحري الأوقات التي ثبت فضلها بالأدلة الصحيحة، مثل الثلث الأخير من الليل، وأثناء السجود، وآخر ساعة من يوم الجمعة.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

0 0 التصويت
Article Rating
الاشتراك في تنبيهات التعليقات
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
الأقدم
الأحدث الأكثر تصويتا
التعليقات المضمنة
عرض جميع التعليقات