يُعد فقدان الأحبة من أعظم الابتلاءات التي يختبر بها الله عباده، وهي سُنّة من سنن الحياة الدنيا، وفي هذه الأوقات العصيبة، يجد المؤمن سلوته وطمأنينته في اللجوء إلى الله تعالى بالصبر والدعاء، فالدعاء للميت من أعظم الهدايا التي تصل إليه في قبره، وينفعه الله بها، نقدم هنا مجموعة من الأدعية المأثورة والصحيحة التي يُستحب الدعاء بها لمن فقدناهم.
أدعية للميت ثابتة في السنة النبوية
الأصل في العبادات هو الاتباع، وأفضل ما يُدعى به للميت هو ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، من هذه الأدعية الجامعة ما ثبت في صحيح مسلم في دعاء النبي على الجنازة:
“اللَّهُمَّ، اغْفِرْ له وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عنْه، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بالمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الخَطَايَا كما نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِن دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِن أَهْلِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِن زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الجَنَّةَ، وَأَعِذْهُ مِن عَذَابِ القَبْرِ، أَوْ مِن عَذَابِ النَّارِ.”
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 963، (حديث صحيح).
ومن الأدعية الصحيحة أيضاً:
“اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا، وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا، اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ، اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ، وَلَا تُضِلَّنَا بَعْدَهُ.”
المصدر: سنن الترمذي، حديث رقم 1024، (قال الترمذي: حديث حسن صحيح).
أدعية جامعة ومأثورة للميت
بالإضافة إلى ما ورد في السنة، يمكن للمسلم أن يدعو للميت بأدعية عامة تجمع معاني الرحمة والمغفرة، وهي من الأدعية الطيبة التي يتداولها المسلمون، ومن أمثلتها:
- اللَّهُمَّ إِنَّهُ عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ، خَرَجَ مِنْ رَوْحِ الدُّنْيَا وَسَعَتِهَا إِلَى ظُلْمَةِ الْقَبْرِ وَمَا هُوَ لَاقِيهِ.
- اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ.
- اللَّهُمَّ إِنَّا نَتَوَسَّلُ بِكَ إِلَيْكَ، وَنُقْسِمُ بِكَ عَلَيْكَ، أَنْ تَرْحَمَهُ وَلَا تُعَذِّبَهُ، وَأَنْ تُثَبِّتَهُ عِنْدَ السُّؤَالِ.
- اللَّهُمَّ إِنَّهُ نَزَلَ بِكَ وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ، وَأَصْبَحَ فَقِيرًا إِلَى رَحْمَتِكَ، وَأَنْتَ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِهِ.
- اللَّهُمَّ آتِهِ بِرَحْمَتِكَ وَرِضَاكَ، وَقِهِ فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَعَذَابَهُ، وَآتِهِ بِرَحْمَتِكَ الْأَمْنَ مِنْ عَذَابِكَ حَتَّى تَبْعَثَهُ إِلَى جَنَّتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
- اللَّهُمَّ انْقُلْهُ مِنْ مَوَاطِنِ الدُّودِ وَضِيقِ اللُّحُودِ إِلَى جَنَّاتِ الْخُلُودِ.
- اللَّهُمَّ اجْعَلْ قَبْرَهُ رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَلَا تَجْعَلْهُ حُفْرَةً مِنْ حُفَرِ النِّيرَانِ.
- اللَّهُمَّ اجْزِهِ عَنِ الْإِحْسَانِ إِحْسَانًا، وَعَنِ الْإِسَاءَةِ عَفْوًا وَغُفْرَانًا.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي من الأدعية العامة والمأثورة التي يدعو بها المسلمون للميت، وهي تجمع معاني الخير والرحمة، والأصل في الدعاء هو الإخلاص والتوجه إلى الله تعالى، مع الحرص على الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي خير الهدي وأعظم البركة.
حكمة الابتلاء وفضيلة الصبر
يبتلي الله عباده المؤمنين ليختبر صبرهم وإيمانهم، وفقدان عزيز هو من أشد هذه الابتلاءات، إن التعامل مع المصيبة بالصبر والرضا بقضاء الله وقدره يرفع درجات العبد عند ربه، والصبر لا يعني عدم الحزن، فالحزن شعور فطري، ولكن الصبر هو حبس النفس عن الجزع، واللسان عن الشكوى، والجوارح عن الأفعال التي تغضب الله.
ومن أعظم ما يعين على الصبر:
- اليقين بأن الأمر كله لله: فالله هو الذي يهب الحياة وهو الذي يأخذها، وكل شيء عنده بمقدار.
- احتساب الأجر: فمن صبر على مصيبته كان له الأجر العظيم من الله تعالى.
- تذكر حقيقة الدنيا: فهي دار ممر وليست دار مقر، واللقاء الحقيقي والأبدي يكون في جنات النعيم.
- الدعاء للميت: فهو أعظم تعبير عن الحب والوفاء، وهو عمل صالح يصل ثوابه للمتوفى ويرفع منزلته.
إن الخسارة الحقيقية تكمن في اليأس من رحمة الله والاعتراض على قضائه، أما المؤمن، فيرى في كل ابتلاء فرصة للتقرب إلى الله، ولسان حاله يقول كما علمنا ربنا في كتابه:
“الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ”
المصدر: سورة البقرة، الآية 156.
المصادر والمراجع
- صحيح مسلم، حديث رقم 963، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، حديث رقم 1024، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سورة البقرة، الآية 156.
الأسئلة الشائعة (FAQ)
ما هو أفضل دعاء للميت من السنة؟
من أفضل الأدعية وأجمعها ما ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الجنازة: “اللَّهُمَّ، اغْفِرْ له وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عنْه، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ…”، وهو دعاء شامل لخيري الدنيا والآخرة للمتوفى.
هل يجوز الدعاء للميت بأي صيغة وبغير العربية؟
نعم، يجوز الدعاء للميت بأي صيغة تحمل معاني الخير والرحمة، وبأي لغة، لأن الله سبحانه وتعالى يعلم ما في الصدور ويستجيب الدعاء من عبده المخلص، ولكن، لا شك أن الدعاء بالمأثور الوارد في القرآن والسنة هو الأفضل والأكمل والأعظم أجراً.
ما هو أفضل وقت للدعاء للميت؟
الدعاء للميت مشروع في كل وقت، وهناك أوقات وأحوال يُرجى فيها إجابة الدعاء بشكل أخص، مثل: أثناء السجود في الصلاة، وفي الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، ويوم الجمعة، وعند نزول المطر، كما يُستحب الدعاء له عند زيارة قبره.

