يُعَدُّ العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك أعظم أيام العام قدرًا وأكثرها بركة، وقد خصَّها الله تعالى بفضائل جليلة، وجعل فيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، ولعظيم شأنها، كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد فيها ما لا يجتهد في غيرها، إحياءً لليلها، وتقربًا إلى الله بالطاعات، وتحريًا لهذه الليلة المباركة.

فضل العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك

تكمن عظمة العشر الأواخر من رمضان في أنها الأيام التي كان رسول الله ﷺ يخصّها بمزيد من العبادة والاجتهاد، فقد ثبت في الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:

“كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ.” (صحيح البخاري، حديث رقم 2024؛ صحيح مسلم، حديث رقم 1174)

وهذا يدل على اهتمامه البالغ بإحياء هذه الليالي بالصلاة والذكر وقراءة القرآن، وتشجيع أهله على المشاركة في هذا الخير العظيم، وفي هذه الليالي تقع ليلة القدر، التي وصفها الله تعالى في كتابه الكريم بأنها خير من عبادة ألف شهر، فقال سبحانه:

“لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ” (القدر: 3)

فمن وُفِّق لقيامها إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه، وهي فرصة لا تُعوَّض لمضاعفة الأجور والتقرب إلى الله عز وجل.

أصح ما ورد في دعاء ليلة القدر

الدعاء الأساسي والأكثر صحة الذي يُستحب الإكثار منه في الليالي التي تُرجى فيها ليلة القدر هو ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين سألته:

“يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي.” (سنن الترمذي، حديث رقم 3513، وقال: “حديث حسن صحيح”)

أدعية قرآنية ونبوية جامعة يُستحب الدعاء بها

بالإضافة إلى الدعاء المأثور لليلة القدر، يُستحب للمسلم أن يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، والأفضل هو الدعاء بالأدعية الجامعة الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، ومنها:

• دعاء جامع من القرآن الكريم:
  

  “رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.” (البقرة: 201)

  .

• دعاء نبوي لطلب الهداية والسداد:
  

  “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى.” (صحيح مسلم، حديث رقم 2721)

  .

• دعاء للاستعاذة من زوال النعم:
  

  “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ.” (صحيح مسلم، حديث رقم 2739)

  .

• سيد الاستغفار: وهو من أعظم صيغ الاستغفار، ويُستحب الإكثار منه في كل وقت، خاصة في هذه الليالي المباركة.

صيغ وأدعية شائعة تُنسب للعشر الأواخر

تنتشر بين الناس بعض الأدعية والصيغ الطويلة التي يواظبون عليها في العشر الأواخر، وعلى الرغم من جمال معانيها في بعض الأحيان، إلا أنه من المهم التنبيه على أنها لم ترد في مصادر السنة الموثوقة، ومن أمثلة ذلك:

• “يا سالِخَ النَّهارِ منَ اللَّيلِ فإذا نحنُ مُظلِمونَ وَمُجرِيَ الشَّمسِ لِمُستَقَرِّها بِتَقديرِكَ يا عزيزُ يا عَليمُ…”.
• “اللهم اجعل فيما تقضي وتقدر من القضاء المحتوم وفيما تفرق من الأمر الحكيم خلال ليلة القدر..، أن تكتبني من زوّار بيتك الحرام…”.
• “يا فَالِقَ الإصْباح وَيا جاعِلَ الليلِ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ حُسْبَانًا…”.

تنبيه هام وإخلاء مسؤولية: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، والخير كله في اتباع هدي النبي ﷺ.

كيفية اغتنام العشر الأواخر اقتداءً بالنبي ﷺ

اغتنام هذه الأيام المباركة يكون باتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أهم الأعمال المستحبة:

• إحياء الليل: بالصلاة وقراءة القرآن والذكر والدعاء، فقد كان النبي ﷺ يُحيي ليله كله في هذه العشر.
• إيقاظ الأهل: تشجيع أفراد الأسرة على المشاركة في الطاعة، كما كان يفعل النبي ﷺ، ليعم الخير على الجميع.
• الاعتكاف: وهو لزوم المسجد للتفرغ التام للعبادة، وهي سنة مؤكدة واظب عليها النبي ﷺ في العشر الأواخر حتى توفاه الله.
• الإكثار من الصدقة: كان النبي ﷺ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، والصدقة في هذه الأيام الفاضلة مضاعفة الأجر.
• التوبة والاستغفار: الإقبال على الله بقلب منكسر، وطلب العفو والمغفرة، خاصة في أوقات السحر، حيث ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا.
• تفطير الصائمين: وهو من أبواب الخير العظيمة التي يُغفل عنها، فمن فطّر صائمًا كان له مثل أجره.

أدعية وأذكار عامة يُستحب الإكثار منها

يُستحب للمسلم أن يكون لسانه رطبًا بذكر الله في كل حين، ويزداد هذا الاستحباب في العشر الأواخر، ومن الأذكار والأدعية العامة التي يمكن ترديدها:

• سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.
• لا حول ولا قوة إلا بالله.
• سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.
• اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد.
• اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم.
• اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك.
• اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات.

تحميل أدعية العشر الأواخر من رمضان (ملف PDF)

المصادر والمراجع

أسئلة شائعة حول أدعية العشر الأواخر

ما هو أفضل دعاء في ليلة القدر؟
أفضل دعاء هو ما علمه النبي ﷺ لعائشة رضي الله عنها: “اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”، لأنه يجمع طلب أعظم مطلوب وهو عفو الله ومغفرته.

هل يجوز الدعاء بأدعية من عندي غير مأثورة؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يحتاجه من أمور الدنيا والآخرة بأسلوبه الخاص، بشرط ألا يكون في الدعاء اعتداء أو إثم، ولكن الالتزام بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة أفضل وأعظم بركة لأنها جامعة للمعاني وجاءت على لسان من هو أفصح الخلق ﷺ.

ما هي الأوقات التي يُستجاب فيها الدعاء في هذه الليالي؟
الدعاء مستحب في كل وقت، ولكنه أرجى للقبول في أوقات معينة مثل: الثلث الأخير من الليل، وعند السجود في الصلاة، وبين الأذان والإقامة، وعند الإفطار.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

جميع مقالات احمد نصر