في أوقات الشدائد وانتشار الأوبئة، يجد المسلم أعظم ملجأ وأوثق ملاذ في التوجه إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء، رافعاً يديه تضرعاً وخشوعاً، طالباً منه العفو والعافية، ومتوسلاً إليه أن يحفظه وأهله ومن يحب من كل سوء وبلاء.
أدعية قرآنية ونبوية صحيحة لرفع البلاء والوباء
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي الأدعية الجامعة المباركة التي تجمع خيري الدنيا والآخرة، ومن هذه الأدعية الصحيحة:
- دعاء نبي الله يونس عليه السلام: وهو من أعظم الأدعية لكشف الكروب، قال تعالى:.
“وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ” [الأنبياء: 87].
- دعاء التحصين من الأمراض: كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم للاستعاذة من الأمراض الخطيرة.
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبَرَصِ وَالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَمِنْ سَيِّئِ الأَسْقَامِ” (حديث صحيح، رواه أبو داود والنسائي).
- دعاء الكرب: وهو دعاء ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم يُقال عند الشدائد.
“لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ” (حديث صحيح، رواه البخاري ومسلم).
- دعاء شامل لخيري الدنيا والآخرة: وهو من أكثر الأدعية التي كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم.
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” [البقرة: 201].
أدعية عامة وصيغ منتشرة لرفع البلاء
يتداول الناس بعض الصيغ والأدعية التي لم ترد في نصوص شرعية محددة، ولكن معانيها صحيحة ولا تخالف الشرع، يمكن للمسلم الدعاء بها على سبيل العموم، مع اليقين بأن الأدعية المأثورة هي الأفضل والأكمل، ومن هذه الصيغ:
- “اللَّهُمَّ يَا كَاشِفَ الْكَرْبِ، وَيَا مُفَرِّجَ الْهَمِّ، فَرِّجْ كَرْبَنَا وَيَسِّرْ أَمْرَنَا، وَارْفَعْ عَنَّا هَذَا الْبَلَاءَ وَالْوَبَاءَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.”.
- “يَا رَبِّ، إِنْ كَانَ هَذَا الْبَلَاءُ بِذُنُوبِنَا فَلَا تُؤَاخِذْنَا، وَإِنَّمَا عَامِلْنَا بِعَفْوِكَ وَمَغْفِرَتِكَ، فَإِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ وَنَتُوبُ إِلَيْكَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَخَطِيئَةٍ.”.
- “اللَّهُمَّ إِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِأَسْمَائِكَ الْحُسْنَى وَصِفَاتِكَ الْعُلَا، أَنْ تَحْفَظَنَا وَأَهْلِينَا وَبِلَادَنَا وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَمَكْرُوهٍ، وَأَنْ تَشْفِيَ مَرْضَانَا وَتُعَافِيَ مُبْتَلَانَا.”.
- “تَحَصَّنْتُ بِذِي الْعِزَّةِ وَالْجَبَرُوتِ، وَاعْتَصَمْتُ بِرَبِّ الْمَلَكُوتِ، وَتَوَكَّلْتُ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، اللَّهُمَّ اصْرِفْ عَنَّا هَذَا الْوَبَاءَ بِلُطْفِكَ يَا لَطِيفُ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.”.
تنبيه هام وحكم هذه الأدعية
تنبيه هام: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح متصل عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، ومع ذلك، يجوز الدعاء بأدعية لم ترد في النصوص ما دامت معانيها صحيحة ولا تحتوي على محظور شرعي، لأن باب الدعاء واسع.
أسباب شرعية تساهم في دفع البلاء والضرر
إلى جانب الدعاء، حث الشرع على أعمال صالحة تكون سبباً في رحمة الله ودفع البلاء بإذنه، ومن أهم هذه الأعمال:
- الصَّلاةُ: المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها تجعل العبد في صلة دائمة بربه، فيكون في حفظ الله ورعايته.
- أَذْكَارُ الصَّبَاحِ وَالمَسَاءِ: المداومة عليها حصن للمسلم من كل شر، ومنها قول “بِسْمِ اللهِ الَّذِي لا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ في الأرْضِ ولا في السّمَاءِ وهُوَ السّمِيعُ العَلِيمُ” ثلاث مرات.
- الصَّدَقَاتُ: إخراج الصدقة بنية خالصة لله من أعظم أسباب دفع البلاء وتفريج الكروب، وقد ورد في الحديث:.
“صنائعُ المعروفِ تقي مصارعَ السُّوءِ والآفاتِ والهلكاتِ” (حديث حسن، حسنه الألباني في صحيح الجامع).
- كَثْرَةُ الاسْتِغْفَارِ: الاستغفار سبب لنزول الرحمات وكشف الغموم، قال تعالى:.
“فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا” [نوح: 10].
أهمية اللجوء إلى الله في أوقات المحن
ينبغي على المسلم أن يكون دائم الصلة بربه، خاصة في أوقات المحن والشدائد، فالدعاء في هذه الأوقات يحمل فضائل عظيمة، منها:
- امتثال لأمر الله: فالله سبحانه هو الذي أمر بالدعاء ووعد بالإجابة.
- تقوية التوكل على الله: حيث يدرك العبد ضعفه وحاجته إلى خالقه، فيسلم أمره كله لله.
- سبب للشعور بالطمأنينة: فمناجاة الله واللجوء إليه تمنح القلب سكينة وراحة لا مثيل لها.
- من أعظم أسباب الفرج: فكم من كربة كُشفت وشدة فُرّجت بفضل دعوة صادقة.
إن المسلم مطالب بالصبر والأخذ بالأسباب المشروعة، مع الثقة التامة في رحمة الله وقدرته على كشف البلاء، فالتوكل على الله وحسن الظن به من أعظم العبادات القلبية التي تعين على تجاوز المحن.
المصادر والمراجع
- سورة الأنبياء، الآية 87.
- سورة البقرة، الآية 201.
- سورة نوح، الآية 10.
- حديث “اللهم إني أعوذ بك من البرص…”، (يمكن مراجعته في سنن أبي داود، حديث رقم 1554، على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “لا إله إلا الله العظيم الحليم…”، (يمكن مراجعته في صحيح البخاري، حديث رقم 6346، على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “صنائع المعروف تقي مصارع السوء…”، (يمكن مراجعته في صحيح الجامع للألباني، حديث رقم 3797، على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة (FAQs)
ما هو أفضل وقت للدعاء لرفع البلاء؟
يستجاب الدعاء في كل وقت، ولكن هناك أوقات وآداب تزيد من رجاء الإجابة، مثل الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، ويوم الجمعة، والأهم هو حضور القلب واليقين بالإجابة.
هل يجوز الدعاء بصيغ من عندي لرفع الوباء؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من صيغ وأدعية، بشرط ألا يكون فيها اعتداء في الدعاء أو مخالفة للشرع، ومع ذلك، يبقى الدعاء بالمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم هو الأفضل والأكمل.
ما هو البديل الصحيح للأدعية المنتشرة غير الثابتة؟
البديل الصحيح والأكمل هو الأدعية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، مثل دعاء يونس عليه السلام “لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين”، ودعاء “اللهم إني أعوذ بك من البرص والجنون والجذام ومن سيئ الأسقام”، فهي أدعية ثابتة ومباركة.
 
		

