إن الإنسان بطبيعته معرّض للخطأ والوقوع في الذنوب، ولكن رحمة الله تعالى وسعت كل شيء، وفتحت باب التوبة على مصراعيه لكل عبدٍ يرجع إليه بصدق وإنابة، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى حين قال:
“كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ.” (حديث حسن، رواه الترمذي وابن ماجه).
فالخير كل الخير يكمن في العودة إلى الله بتوبة نصوح، وطلب العفو والمغفرة بإخلاص، فالله سبحانه يحب التوابين ويحب المتطهرين.
الدعاء المأثور في ليلة القدر: نصه ومصدره الصحيح
يُعد دعاء “اللهم إنك عفوٌ تحب العفو فاعف عني” من أعظم الأدعية وأجمعها، وهو الدعاء الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم للسيدة عائشة رضي الله عنها أن تدعو به في ليلة القدر.
- نص الدعاء الثابت: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ:
 ((قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي)). . 
- المصدر ودرجة الصحة: رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه، وهو حديث صحيح.
هذا الدعاء المبارك يُستحب الإكثار منه في العشر الأواخر من رمضان تحريًا لليلة القدر، كما يجوز للمسلم أن يدعو به في كل وقت وحين، فهو من جوامع الكلم التي تجمع خيري الدنيا والآخرة في طلب العفو من الله تعالى.
شرح معاني الدعاء: “اللهم إنك عفوٌ تحب العفو”
يحمل هذا الدعاء معانٍ إيمانية عميقة، تظهر افتقار العبد إلى ربه ورجاءه في كرمه، وفيما يلي شرح موجز لألفاظه:
- اللَّهُمَّ: نداء وتوجه مباشر إلى الله تعالى، إقرارًا بالعبودية والحاجة إليه وحده.
- إِنَّكَ عَفُوٌّ: “العفوّ” هو اسم من أسماء الله الحسنى، وهو صيغة مبالغة تدل على كثرة عفوه، والعفو هو المحو والتجاوز عن الذنب وإزالة أثره تمامًا، فهو أبلغ من المغفرة التي تعني الستر، فالدعاء باسمه “العفو” هو توسل بصفة من صفاته العُلى، كما قال تعالى:
 “وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا” [الأعراف: 180]. . 
- تُحِبُّ الْعَفْوَ: إثبات صفة المحبة لله تعالى، وأنه سبحانه لا يعفو عن عباده كرهاً، بل يحب أن يعفو ويصفح، وهذا يفتح باب الأمل والرجاء في كرمه وجوده.
- فَاعْفُ عَنِّي: هو طلب مباشر ومقصد الدعاء، بأن يمحو الله عن عبده ذنوبه وآثارها، ويتجاوز عن تقصيره، لينال النجاة في الدنيا والآخرة.
صيغ شائعة تُنسب للدعاء وحكمها الشرعي
ينتشر بين الناس ترديد الدعاء بصيغة: “اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنَّا”.
تنبيه هام: زيادة كلمة “كريم” لم ترد في الروايات الصحيحة الثابتة للحديث في المصادر المعتمدة (مثل سنن الترمذي ومسند الإمام أحمد)، ورغم أن الله تعالى كريم بلا شك، إلا أن العبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام باللفظ النبوي الوارد، فهو أكمل وأفضل وأعظم بركة، والدعاء بالصيغة الثابتة “اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي” هو السنة، وهو كافٍ وشافٍ.
تصاميم وخلفيات دعاء ليلة القدر
يُعد دعاء “اللهم إنك عفوٌ تحب العفوَ فاعفُ عني” من أكثر الأدعية التي يحرص المسلمون على ترديدها وتذكرها، خاصة في الأوقات المباركة، ولذلك، يبحث الكثيرون عن تصاميم مميزة تحمل هذا الدعاء لاستخدامها كخلفيات على الأجهزة الرقمية، أو لمشاركتها عبر منصات التواصل الاجتماعي تذكيرًا بفضل هذا الدعاء العظيم وأثره الروحاني.
أدعية مأثورة في الاستغفار وطلب العفو
إلى جانب هذا الدعاء العظيم، وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة أدعية أخرى مباركة لطلب المغفرة والعفو، منها:
- دعاء يونس عليه السلام: وهو من أعظم الأدعية لتفريج الكروب.
 “لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ” [الأنبياء: 87]. . 
- سيد الاستغفار: وهو أفضل صيغ الاستغفار كما سماه النبي صلى الله عليه وسلم.
 “اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ.” (صحيح البخاري). . 
- صيغ استغفار مأثورة:
- “أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ.” (صيغة عامة مأثورة).
- “أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ.” (ورد في حديث حسن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه من قاله غُفرت ذنوبه وإن كان قد فرّ من الزحف، رواه أبو داود والترمذي).
 
المصادر والمراجع
- حديث “كل بني آدم خطاء”: سنن الترمذي، حديث رقم 2499، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث دعاء ليلة القدر: سنن الترمذي، حديث رقم 3513، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- آية “ولله الأسماء الحسنى”: سورة الأعراف، الآية 180.
- آية دعاء يونس عليه السلام: سورة الأنبياء، الآية 87.
- حديث سيد الاستغفار: صحيح البخاري، حديث رقم 6306، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “أستغفر الله الذي لا إله إلا هو…”: سنن أبي داود، حديث رقم 1517، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة
ما هي الصيغة الصحيحة لدعاء ليلة القدر؟
الصيغة الصحيحة والثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم هي: “اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”، بدون زيادة كلمة “كريم”.
هل يجوز الدعاء بهذا الدعاء في غير رمضان؟
نعم، يجوز الدعاء به في كل وقت، فهو دعاء عظيم لطلب العفو من الله تعالى، ولا يقتصر على ليلة القدر أو رمضان فقط، وإن كان يتأكد استحبابه فيهما.
ما الفرق بين العفو والمغفرة؟
العفو أبلغ من المغفرة، فالمغفرة هي ستر الذنب والتجاوز عن العقوبة، أما العفو فهو محو الذنب وإزالة أثره كأنه لم يكن، مع التجاوز عن العقوبة، لذلك كان طلب العفو أسمى وأكمل.
 
		



