في الليالي المباركة، خاصة العشر الأواخر من شهر رمضان، يحرص المسلمون على الإكثار من العبادات والتقرب إلى الله تعالى بالصلاة والذكر والدعاء، ومن أعظم الأدعية التي يلهج بها اللسان ويطمئن بها القلب في هذه الأوقات الفاضلة، دعاء طلب العفو الذي علّمه النبي صلى الله عليه وسلم لأحب الناس إليه، وهو دعاءٌ جامعٌ لخيري الدنيا والآخرة.

النص الصحيح لدعاء ليلة القدر ومصدره من السنة النبوية

إن أفضل ما يدعو به العبد في ليلة القدر هو الدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، والذي أرشد إليه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، مما يؤكد عظيم فضله وأهميته، فقد سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل ما تدعو به في هذه الليلة المباركة.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: (قلت: يا رسول الله، أرأيتَ إن علمتُ أي ليلةٍ ليلةُ القدر، ما أقول فيها؟ قال: قولي):

اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي

المصدر وتصحيح الحديث: هذا الحديث رواه الإمام الترمذي في سننه (رقم 3513) وقال: “هذا حديث حسن صحيح”، ورواه ابن ماجه في سننه (رقم 3850)، وصححه الشيخ الألباني وغيره من أهل العلم، وهو دعاء ثابت بالسنة النبوية الصحيحة.

شرح معاني ودلالات دعاء “اللهم إنك عفو تحب العفو”

لفهم عمق هذا الدعاء المبارك، من المهم التأمل في معانيه الجليلة التي تجعل منه دعاءً جامعاً:

• اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ: هذا توسل إلى الله تعالى باسمه “العفو”، وهو اسم من أسمائه الحسنى، والعفو في اللغة هو المحو والإزالة، فالعفو أبلغ من المغفرة، لأن المغفرة قد تعني ستر الذنب مع بقاء أثره، أما العفو فهو محو الذنب كليًا من صحيفة العبد، وكأنه لم يكن.
• تُحِبُّ الْعَفْوَ: إثبات صفة المحبة لله تعالى، وأنه سبحانه يحب من صفاته العفو، ويحب أن يمارس هذه الصفة على عباده، فيعفو عنهم ويزيل ذنوبهم، كما أنه يحب من عباده أن يعفو بعضهم عن بعض.
• فَاعْفُ عَنِّي: هو طلب مباشر ومقصد الدعاء، حيث يسأل العبد ربه أن يحقق له هذا المطلوب العظيم، وهو أن يمحو الله ذنوبه وآثامه، ويتجاوز عن تقصيره، وهذا غاية ما يرجوه المؤمن من ربه.

صيغ منتشرة وحكم إضافة كلمة “كريم” للدعاء

ينتشر بين الناس ترديد هذا الدعاء بصيغة: “اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا”، ورغم أن كلمة “كريم” هي صفة ثابتة لله تعالى، إلا أن الروايات الأصح والأثبت للحديث لم ترد فيها هذه الزيادة، فالأكمل والأفضل هو الالتزام باللفظ النبوي الوارد في أصح الروايات: “اللهم إنك عفوٌّ تحب العفو فاعف عني”.

أما بخصوص النصوص المزخرفة التي تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، فهي تهدف غالبًا إلى التزيين البصري، والأهم من شكل النص هو استحضار القلب عند الدعاء، والنطق به بشكل صحيح، واليقين بإجابة الله تعالى.

تنبيه هام: الدعاء عبادة، والأصل فيها الاتباع والالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فالأدعية المأثورة هي الأكثر بركة وأرجى للقبول، وفيها الكفاية والغنيمة لمن لزمها.

أدعية مأثورة أخرى من القرآن والسنة لليالي العشر

إلى جانب هذا الدعاء العظيم، يُستحب للمسلم أن يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، وهناك أدعية جامعة وردت في القرآن والسنة، منها:

• دعاء جامع من القرآن الكريم:
  

  “رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”

  المصدر: [سورة البقرة: 201]، كان هذا من أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، كما ورد في صحيح البخاري.

• دعاء لطلب الهداية والتقوى:
  

  “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى”

  المصدر: حديث صحيح، رواه مسلم في صحيحه (رقم 2721).

• سيد الاستغفار:
  

  “اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ”

  المصدر: حديث صحيح، رواه البخاري في صحيحه (رقم 6306).

أهمية الدعاء بالعفو في رمضان

إن التركيز على طلب العفو في هذه الليالي المباركة له دلالة عظيمة، فهو يجسد غاية الصيام والقيام، وهي تحقيق تقوى الله ونيل مغفرته والعتق من النار، ومن أهمية هذا الدعاء:

• إقرار بالتقصير: الداعي بهذا الدعاء يقر بذنبه وتقصيره وحاجته إلى عفو الله، وهذا من أعظم أسباب الإجابة.
• تحقيق غاية الصيام: من صام رمضان وقامه إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه، والدعاء بالعفو هو طلب مباشر لتحقيق هذه الغاية.
• اليقين برحمة الله: الدعاء يغرس في قلب المؤمن اليقين بأن رحمة الله وعفوه أوسع من ذنوبه مهما عظمت.
• الطمأنينة والسكينة: الإلحاح في الدعاء، وخصوصًا بطلب العفو، يورث القلب سكينة وطمأنينة، ويقوي صلة العبد بربه.

المصادر والمراجع

أسئلة شائعة حول دعاء ليلة القدر

ما هو النص الصحيح لدعاء ليلة القدر؟

النص الصحيح الثابت في السنة هو: “اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”، كما ورد في حديث عائشة رضي الله عنها في سنن الترمذي.

هل يجوز إضافة كلمة “كريم” إلى الدعاء؟

الأفضل والأكمل هو الالتزام بالصيغة النبوية التي لم ترد فيها كلمة “كريم”، ومع ذلك، ذكر بعض أهل العلم أنه لا حرج في إضافتها لأن الله كريم، ولكن الاقتصار على المأثور أولى وأعظم أجرًا.

ما هو أفضل وقت لترديد هذا الدعاء؟

يُستحب ترديده في كل وقت، ويتأكد استحبابه في العشر الأواخر من رمضان، وخاصة في الليالي الوترية التي تُرجى فيها ليلة القدر.

ما الفرق بين العفو والمغفرة؟

العفو أبلغ من المغفرة، فالمغفرة هي ستر الذنب والتجاوز عن العقوبة، أما العفو فهو محو الذنب وإزالته من الصحيفة كأنه لم يكن.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

جميع مقالات احمد نصر