يُعد شهر رمضان المبارك فرصة عظيمة للمسلم للتقرب إلى الله تعالى، ومن أعظم ما يتقرب به العبد هو الدعاء، خاصة طلب النجاة من النار والفوز بالجنة، ويحرص المؤمنون على الإكثار من الدعاء في ليالي رمضان وأيامه، راجين من الله القبول والمغفرة والعتق من النيران.
- الدعاء بالعتق من النار: هو من أجمع الأدعية التي يرجو بها المسلم خيرَي الدنيا والآخرة، فالعتق من النار هو غاية النجاة، وهو السبيل إلى الفوز برضوان الله وجنته.
أدعية ثابتة من القرآن والسنة لطلب العتق من النار
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهي الأدعية الجامعة المباركة التي دعا بها الأنبياء والصالحون، ومن هذه الأدعية:
1، دعاء جامع لخيري الدنيا والآخرة
وهو من أكثر الأدعية التي كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم، كما روى أنس بن مالك رضي الله عنه.
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”
(سورة البقرة، الآية 201). قال أهل العلم: الحسنة في الدنيا تشمل كل مطلوب دنيوي من عافية ورزق وزوجة صالحة، والحسنة في الآخرة هي الجنة، والوقاية من عذاب النار هي النجاة الكاملة.
2، أفضل الدعاء في ليلة القدر والعشر الأواخر
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال قولي:
“اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”
(رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني). والعفو من الله يقتضي المغفرة والنجاة من العقوبة، وهو من أعظم أسباب العتق من النار.
3، دعاء سؤال الجنة والاستعاذة من النار
هذا الدعاء من الأدعية النبوية الجامعة التي تجمع للمسلم كل خير وتعيذه من كل شر.
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لِي خَيْرًا”
(رواه ابن ماجه وأحمد، وصححه الألباني).
4، سيد الاستغفار
وهو أعظم صيغ الاستغفار، ومن قاله موقناً به فمات من يومه أو ليلته كان من أهل الجنة.
“اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ”
(رواه البخاري).
5، دعاء الكرب والهم
وهو دعاء عظيم لتفريج الكروب، وفيه اعتراف بالتوحيد وتنزيه لله، وإقرار بالتقصير، مما يجعله من أسباب الإجابة والنجاة.
“لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ”
(دعوة ذي النون كما في سورة الأنبياء، الآية 87). قال النبي صلى الله عليه وسلم: “فإنه لم يدعُ بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له” (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
صيغ وأدعية عامة للعتق من النار
بالإضافة إلى الأدعية المأثورة، يمكن للمسلم أن يدعو الله تعالى بما يفتح عليه من صيغ طيبة لا تخالف الشرع، تجمع معاني التذلل والرجاء، ومنها الأدعية التالية التي يتداولها الناس:
- اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا يَا مَوْلَانَا فِي شَهْرِنَا هَذَا، وَفِي أَيَّامِنَا هَذِهِ، مِنْ عُتَقَائِكَ مِنَ النَّارِ، وَمِنَ الْمَقْبُولِينَ الْفَائِزِينَ بِجَنَّتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
- يَا رَبِّ، نَسْأَلُكَ أَنْ تُعْتِقَ رِقَابَنَا وَرِقَابَ آبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا وَأَهْلِينَا مِنْ النَّارِ، اللَّهُمَّ حَرِّمْ وُجُوهَنَا وَأَجْسَادَنَا عَلَى النَّارِ بِرَحْمَتِكَ يَا عَزِيزُ يَا غَفَّارُ.
- اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَانَا بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّ قُلُوبَنَا مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، وَبَاعِدْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَطَايَانَا كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ.
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ.
تنبيه هام: هذه الصيغ وغيرها مما ينتشر بين الناس هي أدعية عامة، ولم تثبت كنصوص محددة عن النبي صلى الله عليه وسلم، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، ويجوز الدعاء بغيرها ما لم تتضمن محظوراً شرعياً.
فضل العتق من النار في شهر رمضان
شهر رمضان هو شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، وقد ثبت فضل ذلك في السنة النبوية الصحيحة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ”
(رواه الترمذي وابن ماجه، وحسنه الألباني).
هذا الحديث الصحيح يدل على أن لله تعالى في كل ليلة من ليالي رمضان عتقاء من النار، وهذا فضل عظيم يحفز المسلم على الاجتهاد في الدعاء والعمل الصالح طوال الشهر، راجياً أن يكون من هؤلاء العتقاء.
- أما الحديث المشهور الذي يروى بلفظ: “أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار”، فهو حديث ضعيف جداً، ولكن معناه العام لا يتعارض مع فضائل الشهر الثابتة في الأحاديث الصحيحة.
أوقات يُرجى فيها إجابة الدعاء في رمضان
يتحرى المسلم أوقات الإجابة ليكثر فيها من الدعاء، خاصة في شهر رمضان، ومن هذه الأوقات المباركة:
- الثلث الأخير من الليل: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ” (متفق عليه)..
- عند الإفطار: فللصائم دعوة لا ترد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَا تُرَدُّ” (رواه ابن ماجه، وحسنه المنذري)..
- أثناء السجود: لقوله صلى الله عليه وسلم: “أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ” (رواه مسلم)..
- بين الأذان والإقامة: حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: “الدُّعَاءُ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ” (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني)..
- آخر ساعة من يوم الجمعة: وهي ساعة إجابة، فينبغي للمسلم أن يحرص على الدعاء فيها، خاصة إذا وافقت يوماً من أيام رمضان.
ينبغي على المسلم أن يستغل هذه الأوقات الشريفة ليرفع أكف الضراعة إلى الله، ويسأله من خيري الدنيا والآخرة، ويلح عليه بطلب العتق من النار، فإنه سبحانه كريم يحب الإلحاح في الدعاء.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 201.
- سورة الأنبياء، الآية 87.
- صحيح البخاري، صحيح مسلم، سنن الترمذي، سنن ابن ماجه، سنن أبي داود، (يمكن مراجعة الأحاديث والتحقق من صحتها عبر موسوعة الدرر السنية الحديثية).
أسئلة شائعة (FAQs)
ما هو أفضل دعاء للعتق من النار؟
أفضل الأدعية هي ما ورد في القرآن والسنة، ويعتبر دعاء “اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي” من أجمع الأدعية في هذا الباب، خاصة في العشر الأواخر، وكذلك دعاء “رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”.
هل حديث “رمضان أوله رحمة وأوسطه مغفرة” صحيح؟
لا، هذا الحديث حكم عليه أهل العلم بالضعف الشديد، ولكن الثابت في الأحاديث الصحيحة أن شهر رمضان كله رحمة ومغفرة وعتق من النار، كما في حديث “وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ”.
هل يجوز الدعاء بصيغ من عندي لم ترد في السنة؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة ما لم يكن في دعائه إثم أو قطيعة رحم أو اعتداء، ولكن الأفضل والأكمل هو الالتزام بالأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنها جامعة للمعاني، عظيمة البركة، وأقرب للإجابة.

