يُعَدُّ الدعاء بالقرآن الكريم من أعظم القربات إلى الله تعالى، فهو يجمع بين مناجاة الخالق والتعلق بكلامه، ومن الأدعية المباركة التي تجمع خيري الدنيا والآخرة، دعاء يطلب فيه العبد من ربه أن يجعل القرآن الكريم سببًا لانشراح صدره وزوال همه، وهو دعاء ثابت في السنة النبوية الشريفة، ويغفل الكثيرون عن فضله العظيم وأثره في جلب الطمأنينة والسكينة.
وقد جاء القرآن الكريم هداية للناس وشفاء لما في الصدور، كما قال الله تعالى:
“يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ” [يونس: 57].
وفي هذا المقال، نستعرض النص الصحيح لهذا الدعاء المبارك، ونوضح حكمه وفضله وشرح معانيه، معتمدين على المصادر الشرعية الموثوقة.
النص الكامل لدعاء الهم والحزن (اللهم اجعل القرآن ربيع قلبي)
إن دعاء “اللهم اجعل القرآن ربيع قلبي” هو جزء من دعاء نبوي عظيم يُعرف بـ “دعاء تفريج الهم والكرب”، وقد ورد هذا الدعاء في حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من جوامع الكلم التي تعلمها الأمة لتكون سلوى لكل محزون ومكروب.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
“مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا”، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: “بَلَى، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا”.
المصدر: مسند الإمام أحمد، وصححه الشيخ الألباني في “السلسلة الصحيحة”.
صحة وحكم دعاء “اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا”
هذا الدعاء صحيح وثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ليس مجرد دعاء عام، بل هو جزء من حديث نبوي شريف له فضل عظيم، لذلك، يُستحب للمسلم أن يحفظه ويُكثر من ترديده، خاصة عند الشعور بالهم أو الحزن أو الكرب، تأسِّيًا بالنبي صلى الله عليه وسلم ورجاءً في تحقيق الموعود به في الحديث.
وقد فتح الله تعالى باب الدعاء لعباده، ووعدهم بالإجابة، فقال سبحانه:
“وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ” [غافر: 60].
والدعاء بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة هو أفضل ما يدعو به العبد، لأنه يجمع بين كمال المعنى، وتمام الأدب مع الله، وبركة الاتباع.
فضل دعاء اللهم اجعل القرآن ربيع قلبي
يُبيّن الحديث النبوي بوضوح الأثر العظيم والمباشر لهذا الدعاء المبارك، فالفضل المرجو لمن دعا به بصدق وإخلاص ويقين هو ما وعد به النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: “إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا”، ويشمل هذا الفضل العظيم ما يلي:
- إزالة الهموم والأحزان: هو علاج نبوي مباشر للهموم التي تُثقل النفس والغموم التي تكدر صفو الحياة.
- استبدال الكرب بالفرج: لا يقتصر أثره على إزالة الحزن فحسب، بل يُبدل الله ذلك الشعور السلبي إلى فرج وسعادة وطمأنينة.
- تحقيق السكينة القلبية: عندما يصبح القرآن ربيع القلب ونوره، يمتلئ القلب بالسكينة والإيمان، مما ينعكس إيجابًا على حياة المسلم كلها.
- نيل محبة الله: الدعاء والتعلق بالقرآن من أعظم أسباب نيل محبة الله والقرب منه، والفوز بمنزلة “أهل القرآن” الذين هم أهل الله وخاصته.
- الأجر العظيم: ترديد هذا الدعاء هو عبادة واتباع للسنة، يُثاب عليها المسلم، بالإضافة إلى ما يحصل له من تفريج للكرب في الدنيا.
شرح معاني الدعاء
يحتوي هذا الدعاء النبوي على معانٍ إيمانية عميقة، تظهر تمام العبودية لله والتوكل عليه، قال تعالى في وصف القرآن:
“قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ” [فصلت: 44].
وفيما يلي شرح موجز لأجزاء الدعاء المتعلقة بالقرآن:
- “أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي”: الربيع هو المطر الذي يحيي الأرض، وكذلك فصل الربيع الذي تتزين فيه الأرض بالنبات والزهور، فالمعنى: يا رب، اجعل القرآن لقلبي مثل الماء الذي يحيي الأرض الميتة، فينبت فيه الإيمان والأعمال الصالحة، ويزهر بالطاعة والخير.
- “وَنُورَ صَدْرِي”: أي اجعله نورًا يضيء صدري فيزيل ظلمة الشبهات والشهوات، ويهديني إلى الحق، ويشرح صدري للإسلام واليقين.
- “وَجِلَاءَ حُزْنِي”: الجلاء هو الانكشاف والزوال، والمعنى: يا رب، اجعله سببًا في إزالة حزني وكشفه عني، كما يُجلي الصقيل صدأ الحديد.
- “وَذَهَابَ هَمِّي”: الهم هو ما يشغل الفكر من أمور مستقبلية مقلقة، فالمعنى: اجعله سببًا في إذهاب ما يشغل بالي ويقلقني من أمور الدنيا والآخرة.
دعاء اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا مكتوب بالتشكيل
لضمان الدقة في النطق، إليك نص الدعاء الكامل مكتوبًا بالتشكيل، بصيغة الإفراد كما وردت في الحديث، وبصيغة الجمع التي يمكن استخدامها عند الدعاء مع الجماعة:
1، صيغة الإفراد (الواردة في الحديث)
“اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي”.
2، صيغة الجمع (للدعاء الجماعي)
“اللَّهُمَّ إِنَّا عَبِيدُكَ، وَبَنُو عَبِيدِكَ، وَبَنُو إِمَائِكَ، نَوَاصِينَا بِيَدِكَ، مَاضٍ فِينَا حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِينَا قَضَاؤُكَ، نَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قُلُوبِنَا، وَنُورَ صُدُورِنَا، وَجِلَاءَ أَحْزَانِنَا، وَذَهَابَ هُمُومِنَا”.
أدعية مقترحة عند ختم القرآن الكريم
تنبيه هام: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء مخصص يُقال عند ختم القرآن الكريم، ولكن، يعد وقت ختم القرآن من الأوقات المباركة التي يُرجى فيها إجابة الدعاء، وقد كان بعض السلف الصالح يفعلون ذلك، لذا، يمكن للمسلم أن يدعو بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة، ومن الأدعية العامة والمقترحة في هذا الموطن:
- اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي بالقُرْآنِ وَاجْعَلهُ لِي إِمَاماً وَنُوراً وَهُدًى وَرَحْمَةً، اللَّهُمَّ ذَكِّرْنِي مِنْهُ مَا نَسِيتُ وَعَلِّمْنِي مِنْهُ مَا جَهِلْتُ وَارْزُقْنِي تِلاَوَتَهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ وَاجْعَلْهُ لِي حُجَّةً يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
- اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ، (من دعاء صحيح مسلم).
- اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ عُمْرِي آخِرَهُ وَخَيْرَ عَمَلِي خَوَاتِمَهُ وَخَيْرَ أَيَّامِي يَوْمَ أَلْقَاكَ فِيهِ.
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِيشَةً هَنِيَّةً وَمِيتَةً سَوِيَّةً وَمَرَدًّا غَيْرَ مُخْزٍ وَلاَ فَاضِحٍ.
- اللَّهُمَّ انْفَعْنَا وَارْفَعْنَا بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَبَارِكْ لَنَا بِالْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، وَتَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
المصادر والمراجع
- سورة يونس، الآية 57.
- سورة غافر، الآية 60.
- سورة فصلت، الآية 44.
- حديث دعاء الهم والحزن: مسند الإمام أحمد، وصححه الألباني في “السلسلة الصحيحة” (رقم 199)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اللهم أصلح لي ديني…”: صحيح مسلم، حديث رقم 2720، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة (FAQs)
ما هو النص الكامل لدعاء الهم والحزن؟
النص الكامل هو: “اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ..، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي”.
هل دعاء اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا صحيح؟
نعم، الدعاء صحيح وثابت، فهو جزء من حديث صحيح رواه الإمام أحمد في مسنده وصححه العديد من أهل العلم، ويُشرع للمسلم الدعاء به.
متى يُقال هذا الدعاء؟
يُقال هذا الدعاء عند الشعور بالهم أو الحزن أو الكرب، وليس له وقت محدد، فيمكن للمسلم أن يدعو به في أي وقت يجد في نفسه حاجة إليه، سواء في صلاته أو خارجها.
هل هناك دعاء محدد لختم القرآن؟
لا، لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم صيغة دعاء محددة لختم القرآن، ولكن يُستحب الدعاء بعد ختمه لأنه موطن يُرجى فيه إجابة الدعاء، ويمكن للعبد أن يدعو بما يشاء من الأدعية العامة المأثورة أو من حاجاته الخاصة.


