يُعَدُّ طلب المغفرة والرحمة من الله تعالى من أعظم العبادات التي يتقرب بها المسلم إلى ربه، فهو اعترافٌ بالتقصير ورجاءٌ في كرم الخالق وعظيم عفوه، إن الدعاء هو الصلة المباشرة بين العبد وربه، وهو وسيلة لتفريج الكروب، وطمأنينة للقلوب، وسببٌ لنيل رضا الله عز وجل في الدنيا والآخرة، وقد حثّ القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة على الإكثار من الاستغفار والدعاء بطلب الرحمة، فالله سبحانه هو الغفور الرحيم الذي يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل.
أدعية المغفرة والرحمة من القرآن الكريم
ورد في القرآن الكريم العديد من الأدعية المباركة التي علمنا الله إياها لنسأله المغفرة والرحمة، هذه الأدعية هي أفضل ما يُدعى به، لأنها كلام الله الذي لا يأتيه الباطل، ومن هذه الأدعية الجامعة:
- دعاء عباد الرحمن:
“رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ”
(سورة المؤمنون، الآية: 109).
- دعاء شامل من سورة البقرة:
“رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ”
(سورة البقرة، الآية: 286).
أدعية جامعة للمغفرة من السنة النبوية الصحيحة
علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أدعية كثيرة لطلب العفو والمغفرة، وهي من جوامع الكلم التي تجمع خيري الدنيا والآخرة، ومن هذه الأدعية الثابتة في السنة الصحيحة:
- دعاء سيد الاستغفار: وهو أفضل صيغ الاستغفار كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم.
“اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ”
(المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 6306 – حديث صحيح).
- دعاء علّمه النبي لأبي بكر الصديق: وهو دعاء عظيم يُقال في الصلاة أو خارجها.
“اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي، إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ”
(المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 834 – حديث صحيح).
- الدعاء بين السجدتين في الصلاة:
“اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَعَافِنِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي”
(المصدر: سنن أبي داود، حديث رقم 850 – حديث صحيح).
أمثلة على صيغ وأدعية منتشرة لطلب المغفرة
يتداول الناس بعض الصيغ العامة في الدعاء التي تحمل معاني طيبة في طلب المغفرة والرحمة من الله تعالى، من الجيد أن يلجأ العبد لربه بأي دعاء يحمل معنى صحيحًا، ومن هذه الصيغ المنتشرة:
- اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا، وَاغْفِرْ لِأَحِبَّتِنَا، وَوَفِّقْنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، فَإِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ، وَأَنْ تُنِيرَ دُرُوبِي بِكَرَمِكَ، فَلَا تَرُدَّنِي خَائِبًا يَا أَكْرَمَ الأَكْرَمِينَ.
- اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا مَغْفِرَتَكَ الَّتِي لَا تُبْقِي ذَنْبًا، وَهَبْ لَنَا مِنْ رَحْمَتِكَ مَا تُصْلِحُ بِهِ دُنْيَانَا وَآخِرَتَنَا يَا جَوَادُ يَا كَرِيمُ.
- اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذُنُوبِنَا وَمَا تَأَخَّرَ، وَتُبْ عَلَيْنَا بِرَحْمَتِكَ، وَلَا تُعَامِلْنَا بِعَدْلِكَ وَلَكِنْ بِمَنِّكَ وَكَرَمِكَ، فَإِنَّكَ أَنْتَ أَهْلُ الرَّحْمَةِ وَالمَغْفِرَةِ.
- اللَّهُمَّ يَا مَنْ تَسْمَعُ الدُّعَاءَ وَلَا تُخَيِّبُ رَاجِيكَ، اجْعَلْ لَنَا مِنَ الخَيْرِ أَوْفَرَهُ، وَاصْرِفْ عَنَّا السُّوءَ حَيْثُ كَانَ، فَأَنْتَ تَعْلَمُ وَلَا نَعْلَمُ، وَأَنْتَ الكَرِيمُ الحَلِيمُ.
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة، وفيها الخير والبركة.
حكم الدعاء بصيغ عامة لطلب المغفرة
أجمع أهل العلم على جواز دعاء المسلم ربه بصيغ لم ترد في الكتاب أو السنة، بشرط ألا تحتوي على محظور شرعي أو اعتداء في الدعاء، ومع ذلك، يبقى الالتزام بالأدعية المأثورة الواردة في القرآن والسنة هو الأفضل والأكمل والأعظم أجرًا، لأنها من كلام الله أو من جوامع كلم نبيه صلى الله عليه وسلم.
- اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَعَافِنَا وَاعْفُ عَنَّا، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِينَ لَكَ الشَّاكِرِينَ لِنِعَمِكَ.
- يَا رَبِّ، أَسْأَلُكَ بِجَلَالِكَ وَعَظَمَتِكَ أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي، وَتَتَقَبَّلَ تَوْبَتِي، وَتَكْتُبَ لِي التَّوْفِيقَ وَالهِدَايَةَ.
- اللَّهُمَّ اسْتُرْ عُيُوبَنَا، وَاغْفِرْ زَلَّاتِنَا، وَتَجَاوَزْ عَنْ تَقْصِيرِنَا، وَأَحْسِنْ خَوَاتِيمَنَا، إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
- اللَّهُمَّ اعْتِقْ رِقَابَنَا مِنَ النَّارِ، وَاغْفِرْ لَنَا زَلَّاتِنَا وَخَطَايَانَا يَا تَوَّابُ يَا غَفَّارُ.
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الجَنَّةَ وَمَا يُقَرِّبُنِي إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا يُقَرِّبُنِي إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ.
في الختام، يبقى الدعاء هو سلاح المؤمن وملجؤه، وحين يرفع العبد يديه إلى السماء بقلبٍ صادقٍ موقنٍ بالإجابة، فإن الله تعالى أكرم من أن يردّه صفرًا، فلنكثر من الدعاء بطلب المغفرة والرحمة لأنفسنا ولوالدينا ولجميع المسلمين.
المصادر والمراجع
- سورة المؤمنون، الآية 109.
- سورة البقرة، الآية 286.
- صحيح البخاري، حديث رقم 6306، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري، حديث رقم 834، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن أبي داود، حديث رقم 850، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة (FAQs)
س1: ما هو أفضل وقت للدعاء بطلب المغفرة؟
ج1: الدعاء مشروع في كل وقت، ولكن هناك أوقات يُرجى فيها إجابة الدعاء أكثر من غيرها، مثل الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، وآخر ساعة من يوم الجمعة.
س2: هل يجوز الدعاء بصيغ لم ترد في السنة؟
ج2: نعم، يجوز الدعاء بصيغ من إنشاء المسلم طالما أن معناها صحيح ولا تخالف الشريعة الإسلامية، ولكن، الدعاء بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة هو الأفضل والأكمل والأعظم أجرًا.
س3: ما هو البديل الصحيح للأدعية المنتشرة وغير الثابتة؟
ج3: البديل الأمثل والأكثر بركة هو الأدعية الثابتة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، مثل “سيد الاستغفار” ودعاء “ربنا آتنا في الدنيا حسنة…” والأدعية المذكورة في هذا المقال من مصادرها الموثوقة، فهي كافية وشاملة لخيري الدنيا والآخرة.


