يمضي العمر سريعًا، وهو أمانة يُسأل عنها العبد يوم القيامة، لذا، من الحكمة أن يخصص المسلم أوقاتًا لمحاسبة نفسه، والتوبة مما سلف، والعزم على الخير فيما هو آتٍ، إن القرب من الله تعالى بترك المعاصي والإقبال على الطاعات هو السبيل الحقيقي للسكينة والرضا في الدنيا والآخرة.
ومع نهاية عام من العمر وبداية آخر، يجد الكثيرون في الدعاء ملاذًا لمراجعة الماضي واستشراف المستقبل، وفيما يلي نستعرض أدعية مأثورة من الكتاب والسنة، مع بيان حكم الأدعية المنتشرة في هذا الشأن.
أدعية جامعة من السنة النبوية للتوبة وطلب الخير
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي الكافية والشافية، وهذه بعض الأدعية النبوية التي تناسب طلب المغفرة عن الماضي والبركة في المستقبل.
1، سيد الاستغفار (لطلب المغفرة عما مضى)
يُعد هذا الدعاء أفضل صيغ الاستغفار، وهو مناسب لمحاسبة النفس وطلب العفو من الله عن تقصير العام الماضي، عن شدَّاد بن أوسٍ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:
“سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ”.
المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 6306، (حديث صحيح).
2، دعاء جامع لخيري الدنيا والآخرة
هذا الدعاء من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم، حيث يسأل الله فيه خير ما في الأيام القادمة ويستعيذ به من شرها.
“اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ”.
المصدر: صحيح مسلم، حديث رقم 2720، (حديث صحيح).
أدعية من القرآن الكريم لطلب الحسنة في الدارين
جمع القرآن الكريم أدعية مباركة تطلب الخير في الدنيا والآخرة، وهي من أنفع ما يدعو به المسلم في كل وقت وحين.
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”.
المصدر: سورة البقرة، الآية 201.
“رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ”.
المصدر: سورة آل عمران، الآية 8.
أمثلة على صيغ دعاء عامة منتشرة
يتداول الناس بعض الصيغ الإنشائية للدعاء عند نهاية العام أو في أعياد الميلاد للتعبير عن مشاعرهم ورجائهم، يمكن الدعاء بهذه الصيغ العامة التي تجمع معاني الخير، مع اليقين بأنها ليست من السنة النبوية.
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْدِعُكَ عَامًا مَضَى مِنْ عُمْرِي، فَاغْفِرْ لِي مَا كَانَ فِيهِ، وَبَارِكْ لِي فِي عَامِي الْجَدِيدِ، وَاجْعَلْهُ عَامَ خَيْرٍ وَبَرَكَةٍ وَتَوْفِيقٍ لِطَاعَتِكَ.
 - يَا رَبِّ، مَعَ بِدَايَةِ عَامٍ جَدِيدٍ مِنْ حَيَاتِي، أَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَهُ أَفْضَلَ مِمَّا مَضَى، وَأَنْ تَمْلَأَهُ بِالرِّضَا وَالسَّعَادَةِ وَالْقُرْبِ مِنْكَ، وَاحْفَظْ لِي فِيهِ أَهْلِي وَأَحِبَّتِي.
 - اللَّهُمَّ فِي عَامِي الْجَدِيدِ، أَسْأَلُكَ تَعْوِيضًا جَمِيلًا عَنْ كُلِّ مَا فَقَدْتُ، وَتَيْسِيرًا لِكُلِّ مَا أَتَمَنَّى، وَسِتْرًا وَعَافِيَةً وَرِزْقًا وَاسِعًا.
 
تنبيه هام وحكم تخصيص دعاء لنهاية العام
تنبيه: الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة.
أما عن حكم تخصيص وقت نهاية العام أو يوم الميلاد بدعاء أو عبادة معينة، فقد بيّن أهل العلم أن هذا لم يرد في الشرع، فمحاسبة النفس والتوبة والدعاء بالخير مطلوبة من المسلم في كل وقت، وتخصيصها بيوم معين على وجه التعبد قد يدخل في باب البدع الإضافية، والأفضل هو المداومة على هذه الطاعات دون ربطها بمناسبة محددة لم يأت بها الدليل.
اغتنام العمر في طاعة الله
مرحلة الشباب هي ذروة القوة والعطاء، وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على اغتنامها، فقال:
“اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ: شبابَكَ قبلَ هَرَمِكَ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ، وغِناكَ قبلَ فَقْرِكَ، وفَرَاغَكَ قبلَ شُغْلِكَ، وحياتَكَ قبلَ موتِكَ”.
المصدر: صححه الألباني في صحيح الجامع، رقم 1077، (حديث صحيح).
لذا، على المسلم أن يستغل كل مرحلة من عمره فيما يرضي الله، وأن يلتزم بالفرائض، ويحاسب نفسه باستمرار، فالأيام تمضي سريعًا، والعاقل من أعدَّ زاده للقاء ربه.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 201.
 - سورة آل عمران، الآية 8.
 - صحيح البخاري، حديث رقم 6306، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 - صحيح مسلم، حديث رقم 2720، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 - صحيح الجامع للألباني، حديث رقم 1077، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 
أسئلة شائعة (FAQs)
ما هو أفضل ما يفعله المسلم في بداية عام جديد من عمره؟
أفضل ما يفعله هو محاسبة النفس على ما مضى، والتوبة الصادقة من الذنوب، والعزم على الاستقامة في المستقبل، والإكثار من الأعمال الصالحة كالصلاة والصدقة وطلب العلم، والدعاء العام بالثبات والبركة دون تخصيص صيغة معينة.
هل هناك دعاء مخصص لعيد الميلاد في الإسلام؟
لا، لم يرد في السنة النبوية أو عن السلف الصالح أي دعاء مخصص ليوم الميلاد، والاحتفال به على النحو الشائع اليوم ليس من هدي الإسلام، ولكن الدعاء بالخير وطول العمر على الطاعة مشروع في كل وقت.
هل الأدعية العامة المذكورة في المقال صحيحة؟
الأدعية العامة المذكورة تحت قسم “أمثلة على صيغ دعاء عامة منتشرة” هي صيغ إنشائية صحيحة في معناها وجائز الدعاء بها في أي وقت، لكنها ليست من الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أما الأدعية المذكورة في قسمي “السنة النبوية” و “القرآن الكريم” فهي ثابتة بمصادرها الموثوقة.
		
