الدعاء هو جوهر العبادة، والصلة المباشرة التي يرفع بها العبد حاجاته إلى خالقه، مستشعرًا قربه ومعيته، وقد حثنا الله -عز وجل- على ذلك في كتابه الكريم، فقال:

“وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ” [غافر: 60]

وهذا الوعد الإلهي يمنح النفس طمأنينة ويقينًا بأن الله سبحانه قريب مجيب، يسمع النجوى ويعلم ما في الصدور، ومن الأدعية التي انتشرت على ألسنة الناس عند الشعور بالضيق والافتقار إلى عون الله، دعاء يُنسب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في موقف عصيب، وهو ما يُعرف بدعاء “اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي”.

نص دعاء “اللهم إليك أشكو ضعف قوتي”

يُعد هذا الدعاء من الصيغ التي تعبر بصدق عن حالة التذلل والانكسار بين يدي الله تعالى، والإقرار الكامل بالعجز والحاجة إلى قوته وعونه، والصيغة الأكثر تداولًا لهذا الدعاء هي:

• “اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، أَنْتَ رَبُّ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَأَنْتَ رَبِّي، إِلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ إِلَى بَعِيدٍ يَتَجَهَّمُنِي؟ أَمْ إِلَى عَدُوٍّ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي؟ إِنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ عَلَيَّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي، وَلَكِنَّ عَافِيَتَكَ هِيَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ، وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَكَ، أَوْ يَحِلَّ عَلَيَّ سَخَطُكَ، لَكَ الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ”..

حكم دعاء “اللهم إليك أشكو ضعف قوتي” وصحة نسبته للنبي

عند التعامل مع الأدعية المنسوبة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، لا بد من التحقق من صحة سندها ومصدرها، وفيما يخص هذا الدعاء، فقد ورد في كتب السيرة النبوية ضمن قصة خروج النبي إلى الطائف.

حكم الحديث: أجمع أهل العلم بالحديث على أن الرواية التي ورد فيها هذا الدعاء ضعيفة الإسناد، وقد ذكرها علماء السيرة كابن إسحاق في سيرته بدون إسناد متصل، ورواها الطبراني وغيره بأسانيد ضعيفة لا تقوم بها حجة.

تنبيه هام: بناءً على ضعف الرواية، لا يصح الجزم بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال هذا الدعاء بهذه الصيغة تحديدًا، فالدعاء عبادة، والأصل فيها التمسك بما ثبت في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة.

ومع ذلك، فإن معاني الدعاء ومضامينه صحيحة ولا تتعارض مع أصول الشريعة، فهي تشتمل على التوحيد، وإظهار الافتقار إلى الله، والرضا بقضائه، والاستعاذة بنور وجهه الكريم، لذلك، يجوز للمسلم أن يدعو بهذه الكلمات أو بما يشبهها على أنها دعاء عام يتقرب به إلى الله، ولكن دون أن يعتقد أنها سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الموقف.

السياق المروي للدعاء (قصة الطائف)

يُذكر هذا الدعاء في سياق واحد من أصعب المواقف التي مر بها النبي -صلى الله عليه وسلم-، فبعد وفاة عمه أبي طالب وزوجته خديجة -رضي الله عنها-، اللذين كانا سندًا له، اشتد أذى قريش عليه، فخرج إلى الطائف أملًا في أن يجد من أهلها نصرة واستجابة لدعوته.

إلا أنه قوبل بالرفض الشديد والأذى، حيث أغروا به سفهاءهم وصبيانهم، فرموه بالحجارة حتى أدموا قدميه الشريفتين، فلجأ -كما تروي القصة- إلى بستان، وهناك رفع شكواه إلى الله بهذا الدعاء الذي يعبر عن عمق الألم واللجوء الصادق إلى الله وحده.

هذه القصة، على الرغم من ضعف سند الرواية المتعلقة بالدعاء، تظل مثالًا عظيمًا على صبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وثقته المطلقة في الله حتى في أحلك الظروف.

شرح معاني الدعاء ودلالاته الإيمانية

يحمل هذا الدعاء في طياته معاني إيمانية عميقة، تعكس تسليم العبد الكامل لربه:

• “اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ”: بداية الدعاء هي إقرار تام بالعجز والضعف البشري، وأن القوة الحقيقية بيد الله وحده.
• “إِلَى مَنْ تَكِلُنِي؟”: تساؤل يعبر عن الانقطاع التام عن الخلق واللجوء إلى الخالق وحده، فليس هناك ملجأ سواه.
• “إِنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ عَلَيَّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي”: هنا تتجلى غاية العبودية، وهي أن رضا الله هو المبتغى الأسمى، فكل مصائب الدنيا تهون ما دام الله راضيًا عن عبده.
• “أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ”: استعاذة بأعظم صفات الله، فنور وجهه الكريم هو الذي يبدد كل ظلام، ويصلح به أمر الدنيا والآخرة.
• “لَكَ الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى”: خضوع وتسليم مطلق، واعتراف بالتقصير، وطلب للعفو والرضا الإلهي.
• “وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ”: خاتمة جامعة، وهي كلمة استعانة وتبرؤ من كل قوة إلا قوة الله، واعتراف بأن كل تحول من حال إلى حال لا يكون إلا بعونه وتوفيقه.

أدعية صحيحة من السنة النبوية للكرب والشدائد

السنة النبوية المطهرة غنية بالأدعية الصحيحة والثابتة التي يمكن للمسلم اللجوء إليها في أوقات الشدة والضعف، وهي كافية ومباركة، ومن هذه الأدعية:

1. دعاء الكرب:
   

   “لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ”

   (المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 6346).

2. دعاء ذي النون (يونس عليه السلام):
   

   “لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ” [الأنبياء: 87]

   وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عنها:

   “فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ”

   (المصدر: سنن الترمذي، حديث رقم 3505، وصححه الألباني).

3. دعاء الهم والحزن:
   

   “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ”

   (المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 6369).

4. دعاء الاستعانة بالله:
   

   “يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ”

   (المصدر: سنن النسائي، وحسنه الألباني).

الأسئلة الشائعة (FAQs)

هل دعاء “اللهم إليك أشكو ضعف قوتي” صحيح؟

الحديث الذي ورد فيه هذا الدعاء ضعيف الإسناد باتفاق المحدثين، لذلك، لا يصح نسبته بشكل قاطع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

هل يجوز الدعاء بهذه الصيغة؟

نعم، يجوز الدعاء بها وبما يشبهها من الكلمات التي تحمل معانٍ صحيحة، على اعتبار أنها دعاء عام ومناجاة لله، ولكن بشرط عدم اعتقاد أنها من السنة النبوية الثابتة.

ما هو البديل الصحيح لهذا الدعاء عند الشعور بالكرب؟

البدائل الصحيحة والثابتة كثيرة، ومن أفضلها “دعاء الكرب” المذكور في صحيح البخاري، ودعاء يونس عليه السلام “لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين”، ودعاء “اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن…”.

عن احمد نصر

بقلم: أحمد نصر باحث ومحرر محتوى إسلامي متخصص في قسم الأدعية بموقع [أُوني]، يكرس جهوده لجمع وتدقيق الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتقديمها للمسلمين في إطار موثوق وسهل الفهم، يسعى أحمد لتقديم محتوى ديني يعزز الصلة بالله ويستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة.

جميع مقالات احمد نصر