إن من رحمة الله تعالى بعباده أن فتح لهم باب التوبة، وجعل العودة إليه سبيلاً لمحو الذنوب والخطايا، وقد بيّن النبي ﷺ هذه الطبيعة البشرية وحث على الرجوع إلى الله فقال:
“كُلُّ بَني آدمَ خطَّاءٌ، وخيرُ الخطَّائينَ التَّوَّابونَ.”
(رواه الترمذي وابن ماجه، وحسنه الألباني).
يوضح هذا الحديث الشريف أن الوقوع في الخطأ من طبيعة الإنسان، ولكن خير الناس منزلةً عند الله هم الذين يبادرون إلى التوبة الصادقة والإنابة إليه كلما أذنبوا.
أدعية التوبة والاستغفار الثابتة في القرآن والسنة
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة نبيه ﷺ، فهي أدعية جامعة مباركة، ومنها:
1، سيد الاستغفار
وهو أفضل صيغ الاستغفار كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وهو دعاء جامع لمعاني التوبة والتوحيد.
“سَيِّدُ الِاسْتِغْفارِ أنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أنْتَ رَبِّي لا إلَهَ إلَّا أنْتَ، خَلَقْتَنِي وأنا عَبْدُكَ، وأنا علَى عَهْدِكَ ووَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أعُوذُ بكَ مِن شَرِّ ما صَنَعْتُ، أبُوءُ لكَ بنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وأَبُوءُ لكَ بذَنْبِي فاغْفِرْ لِي، فإنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ.”
المصدر: صحيح البخاري، حديث رقم 6306، وقد بيّن النبي ﷺ أن من قاله موقناً به من النهار فمات من يومه قبل أن يمسي، فهو من أهل الجنة، ومن قاله من الليل وهو موقن به، فمات قبل أن يصبح، فهو من أهل الجنة.
2، دعاء النبي ﷺ في مجلسه
كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من هذا الدعاء في مجالسه، مما يدل على أهمية المداومة على الاستغفار والتوبة.
“رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الْغَفُورُ.”
المصدر: سنن الترمذي، حديث رقم 3434، وصححه الألباني، وقد ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما أنهم كانوا يعدّون لرسول الله ﷺ في المجلس الواحد مائة مرة.
3، أدعية من القرآن الكريم
- دعاء آدم عليه السلام:
 “رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ” [الأعراف: 23]. . 
- دعاء عام لطلب المغفرة:
 “رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ” [آل عمران: 193]. . 
صيغ وأدعية عامة لطلب التوبة والمغفرة
يمكن للمسلم أن يدعو الله تعالى بأي صيغة تحمل معاني الندم وطلب العفو، ما لم تتضمن محذورًا شرعيًا، وهذه بعض الأدعية المأثورة والعامة التي يمكن الدعاء بها:
- “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَغْفِرُكَ لِذَنْبِي، وَأَسْأَلُكَ رَحْمَتَكَ، اللَّهُمَّ زِدْنِي عِلْمًا، وَلَا تُزِغْ قَلْبِي بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنِي، وَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ.”.
- “أَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحَيَّ القَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَايَايَ، وَكَفِّرْ عَنِّي سَيِّئَاتِي، وَتَقَبَّلْ تَوْبَتِي تَوْبَةً نَصُوحًا تَرْفَعُنِي بِهَا إِلَى دَرَجَاتِ الطَّائِعِينَ.”.
- “يَا رَبِّ، إِنِّي أَتَيْتُكَ مُسْتَغْفِرًا نَادِمًا، فَقِيرًا إِلَى رَحْمَتِكَ، أَعْلَمُ أَنَّ فَضْلَكَ عَظِيمٌ وَعَفْوَكَ لَا حُدُودَ لَهُ، فَتُبْ عَلَيَّ وَارْضَ عَنِّي، وَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَاخْتِمْ بِالصَّالِحَاتِ أَعْمَالِي.”.
صيغ شائعة تُنسب لطلب التوبة (حكمها وضوابطها)
تنتشر بين الناس بعض صيغ الأدعية التي لم ترد بنصها في السنة النبوية، ومنها دعاء “اللهم تب علينا لنتوب”.
- “اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْنَا لِنَتُوبَ، وَاغْفِرْ لَنَا خَطَايَانَا وَتَجَاوَزْ عَنْ زَلَّاتِنَا بِرَحْمَتِكَ الوَاسِعَةِ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.”.
- “اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْنَا لِنَتُوبَ وَاغْفِرْ لَنَا الذُّنُوبَ، وَامْحُ عَنَّا السَّيِّئَاتِ وَاسْتُرْ عُيُوبَنَا وَتَقَبَّلْ تَوْبَتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.”.
الحكم الشرعي في الدعاء بهذه الصيغ
تنبيه هام: هذه الصيغ، ومعناها صحيح، هي مما يتداوله بعض الناس ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة وجامعة للخير، وقد أجاز أهل العلم الدعاء بمثل هذه الصيغ العامة التي لا تخالف الشرع، مع التأكيد على أن الأفضل والأكمل هو لزوم الأدعية المأثورة الثابتة.
آيات من القرآن الكريم عن قبول التوبة
يؤكد القرآن الكريم على سعة رحمة الله وعظيم عفوه، وأنه سبحانه يقبل التوبة عن عباده مهما عظمت ذنوبهم إذا صدقوا في العودة إليه.
مهما عظمت الذنوب، فباب الرحمن مفتوح دائمًا، وقد قال جلّ في علاه:
“قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ” [الزمر: 53].
ومن الآيات التي تبين فضل التوبة وقبولها:
- 
“وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ” [الشورى: 25]. . 
- 
“إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ” [البقرة: 160]. . 
- 
“إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا” [الفرقان: 70]. . 
المصادر والمراجع
- الحديث: “كل بني آدم خطاء…”، رواه الترمذي (2499) وابن ماجه (4251)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- الحديث: “سيد الاستغفار…”، صحيح البخاري، حديث رقم 6306، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- الحديث: “رب اغفر لي وتب علي…”، سنن الترمذي، حديث رقم 3434، وصححه الألباني، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سورة الأعراف، الآية 23.
- سورة آل عمران، الآية 193.
- سورة الزمر، الآية 53.
- سورة الشورى، الآية 25.
- سورة البقرة، الآية 160.
- سورة الفرقان، الآية 70.
أسئلة شائعة حول دعاء التوبة
ما هو أفضل دعاء للتوبة؟
أفضل دعاء للتوبة والاستغفار هو “سيد الاستغفار” الثابت في صحيح البخاري، لما فيه من إقرار بالتوحيد والعبودية والاعتراف بالذنب والنعمة، وهو أجمع الأدعية في هذا الباب.
هل يجوز الدعاء بصيغ لم ترد في السنة؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يفتح عليه من الأدعية الطيبة التي ليس فيها اعتداء أو مخالفة للشرع، ولكن، يبقى الالتزام بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة هو الأفضل والأكمل والأقرب للإجابة.
ما هي شروط التوبة النصوح؟
للتوبة النصوح شروط أساسية هي: 1، الإقلاع عن الذنب فورًا، 2، الندم على ما فات، 3، العزم الأكيد على عدم العودة إليه مستقبلًا، 4، وإن كان الذنب يتعلق بحق آدمي، فيجب رد الحق إليه أو طلب المسامحة منه.
 
		

