يُعَدُّ شهر رمضان المبارك من أعظم مواسم الخير والبركة، وفيه تتضاعف الحسنات وتُفتح أبواب السماء، مما يجعله فرصة ثمينة للتقرب إلى الله تعالى بالعبادات والطاعات، وعلى رأسها الدعاء الذي هو مخ العبادة.
إن الدعاء في رمضان له منزلة خاصة، فالصائم أقرب إلى الإجابة، والله سبحانه وتعالى يحث عباده على دعائه والتضرع إليه، ووعدهم بالإجابة، كما قال في كتابه الكريم:
“وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ” [غافر: 60].
لذا، يحرص المسلم على الإكثار من الدعاء لنفسه وأهله والمسلمين، طالبًا من الله قبول صيامه وقيامه وصالح أعماله، والعتق من النار.
أدعية ثابتة من القرآن والسنة النبوية
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي أدعية جامعة لخيري الدنيا والآخرة، وفيها من البركة والفضل ما لا يوجد في غيرها، ومن هذه الأدعية المباركة:
- دعاء جامع من القرآن الكريم:
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” [البقرة: 201].
وهو من أكثر الأدعية التي كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم.
- دعاء لطلب العفو والعافية:
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: “يا رسول الله، أرأيتَ إن علمتُ أي ليلةٍ ليلةُ القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي:”“اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”
(رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح)، وهذا الدعاء يُستحب الإكثار منه في العشر الأواخر من رمضان خاصة.
- فضل دعاء الصائم:
حث النبي صلى الله عليه وسلم على الدعاء أثناء الصيام وعند الإفطار، فقد ورد عنه أنه قال:“ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ”
(رواه الترمذي، وحسَّنه).
صيغ وأدعية عامة للقبول في رمضان
إلى جانب الأدعية المأثورة، يتداول الناس صيغًا دعائية عامة تحمل معاني طيبة، مثل طلب قبول الصيام والقيام، الدعاء بهذه الصيغ جائز ما دامت معانيها صحيحة ولا تخالف الشرع، لأن باب الدعاء واسع، وفيما يلي أمثلة على هذه الأدعية المنتشرة التي يمكن للمسلم أن يدعو بها:
- اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا صِيَامَنَا وَقِيَامَنَا وَصَالِحَ أَعْمَالِنَا، وَاجْعَلْنَا مِنْ عُتَقَائِكَ مِنَ النَّارِ.
- رَبَّنَا اجْعَلْ هَذَا الشَّهْرَ مُهَذِّبًا لِنُفُوسِنَا، وَارْزُقْنَا أَجْرَ صِيَامِنَا كَامِلًا، وَأَدْخِلْنَا الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا سَابِقَةِ عَذَابٍ.
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْقَبُولَ وَالرِّضَا، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ.
- اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَاسْكُبْ عَلَيَّ مِنْ فَيْضِ كَرَمِكَ، وَارْزُقْنِي تَوْبَةً نَصُوحًا وَعَمَلًا صَالِحًا مُتَقَبَّلًا.
- اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَأَبْدِلْ عُسْرِي يُسْرًا، وَاغْفِرْ لِي ذَنْبِي، وَارْزُقْنِي مِنْ خَيْرَاتِ الدُّنْيَا وَنَعِيمِ الْآخِرَةِ..
حكم الدعاء بالصيغ المنتشرة وتنبيه هام
تنبيه هام: الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه كدعاء مخصوص بلفظه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة وجامعة، ومع ذلك، يجوز الدعاء بهذه الصيغ العامة وغيرها ما دامت معانيها صحيحة، من باب الدعاء المطلق الذي لم يُقيَّد بزمان أو مكان أو كيفية محددة.
أدعية إضافية لطلب القبول والرحمة
يمكن للمسلم أن يناجي ربه بقلب خاشع ولسان ذاكر، مستغلًا أوقات الإجابة في هذا الشهر الفضيل، ومن الأدعية الطيبة التي يمكن الاستئناس بها:
- اللَّهُمَّ اجْعَلْ صِيَامَنَا مَقْبُولًا، وَقِيَامَنَا مَبْرُورًا، وَأَعْمَالَنَا صَالِحَةً خَالِصَةً لِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ.
- رَبَّنَا ارْزُقْنَا الْقُرْبَ مِنْكَ، وَاكْتُبْ لَنَا مَكَانَةً عَالِيَةً فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ.
- اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِكَ وَعَظِيمِ سُلْطَانِكَ، اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي قَلْبًا خَاشِعًا، وَلِسَانًا ذَاكِرًا، وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا.
- اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي رَاضِيًا بِقَضَائِكَ، صَابِرًا عَلَى بَلَائِكَ، شَاكِرًا لِنَعْمَائِكَ.
شروط وجوب وصحة الصيام
لكي يكون الصيام صحيحًا ومقبولًا عند الله تعالى، لا بد من استيفاء شروط شرعية محددة، وهي أساس صحة هذه العبادة العظيمة:
- الإسلام: هو شرط لقبول جميع العبادات، فلا يصح الصيام من غير المسلم.
- العقل: يجب أن يكون الصائم عاقلًا ومدركًا، فلا يجب الصيام على فاقد العقل كالمجنون.
- البلوغ: الصيام واجب على كل مسلم بالغ، أما الصبي غير البالغ، فيُستحب تدريبه على الصيام ليعتاده.
- القدرة: يجب أن يكون المسلم قادرًا على الصيام بدنيًا، فالمريض الذي يشق عليه الصيام مشقة شديدة، أو كبير السن الذي لا يطيقه، لهما رخصة في الإفطار مع أحكام خاصة بذلك.
- الخلو من الموانع الشرعية: بالنسبة للمرأة، يُشترط أن تكون طاهرة من الحيض والنفاس، فإن كانت حائضًا أو نفساء، فلا يصح صومها ويجب عليها قضاء تلك الأيام.
- النية: من أهم شروط صحة الصيام، يجب على المسلم أن يُبيّت نية الصيام من الليل لكل يوم من أيام رمضان، أي قبل طلوع الفجر.
فالحرص على تحقيق هذه الشروط مع الإخلاص لله تعالى، والإكثار من الدعاء بـ”اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ صِيَامَنَا وَقِيَامَنَا”، هو سبيل المسلم لنيل الأجر العظيم في هذا الشهر الكريم.
المصادر والمراجع
- سورة غافر، الآية 60.
- سورة البقرة، الآية 201.
- سنن الترمذي، حديث رقم 3513، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، حديث رقم 2526، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة (FAQ)
ما هي أفضل أوقات الدعاء في رمضان؟
يُستجاب الدعاء في كل وقت، ولكن هناك أوقات أرجى للقبول في رمضان، منها: عند الإفطار، وفي الثلث الأخير من الليل، وفي السجود أثناء الصلاة، وفي ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.
هل يجوز الدعاء بغير اللغة العربية أو بألفاظ من عندي؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله تعالى بما في قلبه وبأي لغة يفهمها، فالله سبحانه يعلم ما في الصدور، والأفضل الجمع بين الأدعية المأثورة من القرآن والسنة، والدعاء بما يحتاجه الإنسان من أمور دينه ودنياه بأسلوبه الخاص وبقلب حاضر.
ما هو البديل الصحيح للأدعية المنتشرة غير الثابتة؟
البديل الأفضل والأسلم دائمًا هو الأدعية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي أدعية مباركة، جامعة، وثابتة عن الله ورسوله، مثل دعاء “ربنا آتنا في الدنيا حسنة…” ودعاء “اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني”.


