يُعَدُّ الدعاء من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، خاصة في أوقات الاستجابة المباركة كشهر رمضان وعند الإفطار، والمؤمن الحق يتحرى دائمًا الأدعية الثابتة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي الأسلم والأكمل والأكثر بركة، في هذا المقال، نستعرض الأدعية الصحيحة المأثورة عند الإفطار، ونوضح حكم بعض الأدعية المنتشرة التي لم تثبت بسند صحيح، مع الالتزام بالدقة والموثوقية.
أدعية ثابتة من السنة النبوية تقال عند الإفطار
إن أفضل ما يدعو به المسلم هو ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أوتي جوامع الكلم، ومن الأدعية الثابتة التي تُقال بعد الإفطار:
- الدعاء المأثور بعد الإفطار:عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا أفطَر قال:
ذَهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
(المصدر: سنن أبي داود، حديث حسن).
شرح موجز: هذا الدعاء هو شكر لله على نعمة الطعام والشراب بعد الصيام، وفيه استبشار بثبات أجر الصيام عند الله تعالى.
- الدعاء العام قبل الإفطار: لم يثبت دعاء محدد بصيغة معينة قبل الإفطار، ولكن وقت ما قبل الإفطار هو من أوقات إجابة الدعاء التي ينبغي للمسلم أن يستغلها، فقد ورد في الحديث:
“ثلاثةٌ لا تُرَدُّ دعوتُهم: الصَّائمُ حتَّى يُفطِرَ، والإمامُ العادلُ، ودعوةُ المظلومِ”
(المصدر: سنن الترمذي، وقد حسّنه بعض أهل العلم).
لذا، يمكن للمسلم أن يدعو بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة، وأن يسأل الله من فضله العظيم.
أدعية جامعة من القرآن الكريم والسنة الصحيحة
يمكن للمسلم أن يدعو بهذه الأدعية الجامعة في كل وقت، وخاصة في الأوقات المباركة كشهر رمضان وقبل الإفطار:
- دعاء من القرآن الكريم:
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”
[سورة البقرة: 201].
- دعاء لطلب العفو والعافية:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي، وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي”
(المصدر: سنن أبي داود، حديث صحيح)، وهو من أذكار الصباح والمساء..
- دعاء سيد الاستغفار:
“اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ”
(المصدر: صحيح البخاري)..
حول دعاء “اللهم رب النور العظيم” المنتشر
ينتشر بين بعض الناس دعاء طويل منسوب لوقت ما قبل الإفطار يبدأ بـ “اللهم رب النور العظيم”، وهذه إحدى صيغه المتداولة:
- اللهم يا رب النور العظيم ويا رب الكرسي الرفيع ويا رب البحر المسجور ويا رب الشفع الكبير والنور العزيز ويا رب التوراة والإنجيل والزبور والقرآن العظيم، أنت إله السماوات والأرض وما فيهن وما فيهما إله غيرك وأنت الملك على السماوات والأرض وما فيهما ملك غيرك أسألك باسمك الكبير..، [إلى آخر الدعاء الطويل].
تنبيه وإخلاء مسؤولية هام:
هذه الصيغة المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه الكرام، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، وفيها غنية عن التكلف أو الالتزام بصيغ لم تثبت، والأولى بالمسلم أن يدعو بالأدعية المأثورة أو يدعو بما يفتح الله عليه من حاجاته بأسلوبه الخاص دون تخصيص صيغة معينة واعتقاد فضلها في وقت معين دون دليل شرعي.
ما حكم تخصيص هذا الدعاء بوقت قبل الإفطار؟
تخصيص دعاء معين لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في وقت معين، مع اعتقاد أن لهذه الصيغة فضلاً خاصًا في هذا الوقت، هو أمر محدث يدخل في باب البدع الإضافية، أما إذا دعا به المسلم عرضًا دون اعتقاد سنيته أو تخصيصه فلا بأس، ولكن الأولى والأفضل دائمًا هو لزوم السنة الصحيحة، ففيها الخير والبركة والأجر التام.
أمثلة على صيغ دعاء عامة يمكن الدعاء بها
يمكن للمسلم أن يدعو الله بما يشاء من الأدعية العامة التي تجمع خيري الدنيا والآخرة، وهذه بعض الأمثلة على صيغ عامة يمكن الاستئناس بها دون تخصيص أو اعتقاد فضل خاص بها:
- دعاء بالرحمة والمغفرة: “اللَّهُمَّ يَا غَفَّارَ الذُّنُوبِ، وَيَا كَاشِفَ الْكُرُوبِ، اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا، وَاسْتُرْ عُيُوبَنَا، وَتَوَلَّ أَمْرَنَا، وَارْحَمْ ضَعْفَنَا، وَتَجَاوَزْ عَنْ سَيِّئَاتِنَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ”.
- دعاء بالصحة والعافية: “اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي أَبْدَانِنَا، وَالْبَرَكَةَ فِي أَرْزَاقِنَا، وَالسَّلَامَةَ فِي أَدْيَانِنَا، وَأَنْ تَحْفَظَ أَهْلِينَا وَأَحِبَّتَنَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ”.
- دعاء بالستر والتوفيق: “اللَّهُمَّ اسْتُرْنَا فَوْقَ الْأَرْضِ وَتَحْتَ الْأَرْضِ وَيَوْمَ الْعَرْضِ عَلَيْكَ، وَوَفِّقْنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِينَا لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى”.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 201.
- حديث “ذهب الظمأ…”، (يمكن مراجعته في سنن أبي داود على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “ثلاثة لا ترد دعوتهم…”، (يمكن مراجعته في سنن الترمذي على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اللهم إني أسألك العفو والعافية…”، (يمكن مراجعته في سنن أبي داود على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “سيد الاستغفار”، (يمكن مراجعته في صحيح البخاري على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة (FAQs)
- ما هو الدعاء الصحيح عند الإفطار؟
- الدعاء الثابت الذي يُقال بعد تناول التمر أو شرب الماء هو: “ذَهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ”، أما قبل الإفطار، فيمكن الدعاء بأي دعاء من خيري الدنيا والآخرة لأنه وقت إجابة.
- هل دعاء “اللهم رب النور العظيم” صحيح؟
- لا، هذا الدعاء بصيغته الطويلة المنتشرة لم يثبت في مصادر السنة النبوية المعتبرة، والأفضل للمسلم أن يلتزم بالأدعية الثابتة في القرآن والسنة الصحيحة.
- ما هو البديل الصحيح لدعاء “اللهم رب النور العظيم”؟
- البديل هو الاكتفاء بالأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل “ربنا آتنا في الدنيا حسنة…”، و”اللهم إني أسألك العفو والعافية”، أو أن يدعو المسلم بحاجاته وما يجول في خاطره بصدق وإخلاص.
- ما هو أفضل وقت للدعاء في يوم الصيام؟
- يوم الصائم كله وقت مبارك للدعاء، ولكن من أرجى الأوقات للإجابة هو عند الإفطار (أي قبيله بقليل وبعده)، وكذلك في الثلث الأخير من الليل.

