تُمثّل العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك ذروة النفحات الإيمانية، فهي أيام مباركة يتضاعف فيها الأجر، وتُرجى فيها إجابة الدعاء، ويُعتق فيها من النار، لذا، ينبغي للمسلم اغتنام هذه الفرصة العظيمة بالإقبال على الله تعالى بالدعاء والتضرع، وطلب الرحمة والمغفرة، تحريًا لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.
إن أساس الدعاء المقبول هو الإخلاص لله تعالى، والالتزام بما ورد في كتابه الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهي الأدعية الجامعة المباركة التي تجمع خيري الدنيا والآخرة، فيما يلي، نستعرض الأدعية الصحيحة والمأثورة التي يُستحب الإكثار منها في هذه الليالي الفضيلة.
الدعاء الذي أوصى به النبي ﷺ في ليلة القدر
يُعد هذا الدعاء هو أفضل ما يُقال في ليلة القدر، وهو وصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم المباشرة لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، حين سألته: يا رسول الله، أرأيتَ إن علمتُ أي ليلةٍ ليلةُ القدر ما أقول فيها؟ قال قولي:
اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي.
المصدر: سنن الترمذي، حديث صحيح.
وهذا الدعاء المبارك يحمل في طياته أسمى معاني التذلل والافتقار إلى الله، حيث يقر العبد بقدرة الله على العفو، ويطلب منه أعظم ما يرجوه: أن يمحو الله ذنوبه ويتجاوز عن سيئاته.
أدعية جامعة من القرآن الكريم والسنة النبوية
إلى جانب الدعاء المخصوص بليلة القدر، يُستحب للمسلم أن يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، والأفضل هو الدعاء بالأدعية الواردة في القرآن والسنة، فهي الأكثر بركة وشمولاً، ومن هذه الأدعية:
- دعاء شامل لخيري الدنيا والآخرة: وهو من أكثر الأدعية التي كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم.
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”.
المصدر: سورة البقرة، الآية 201.
- دعاء لطلب الثبات والرحمة:
“رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ”.
المصدر: سورة آل عمران، الآية 8.
- دعاء للاستعاذة من الفتن وعذاب القبر:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ، وَفِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّ قَلْبِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَبَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ وَالْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ”.
المصدر: صحيح البخاري.
صيغ دعاء عامة منتشرة
يتداول الناس بعض صيغ الدعاء الطويلة التي تجمع معاني الخير والرجاء، ورغم أن الدعاء بأي صيغة طيبة جائز ما لم تحتوي على محظور شرعي، إلا أنه من المهم معرفة أن هذه الصيغ لم ترد بنصها عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أمثلتها:
- “اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، إِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ.”.
- “اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ تُدْرِكُهُمُ الرَّحْمَةُ وَالْمَغْفِرَةُ وَالْعِتْقُ مِنْ النَّارِ فِي هَذِهِ اللَّيَالِي الْمُبَارَكَةِ، وَارْزُقْنَا فِيهَا قِيَامَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا.”.
- “يَا رَبِّ اجْبُرْ كَسْرَ قُلُوبِنَا، وَكُنْ عَوْنًا وَنَصِيرًا لَنَا، وَاكْتُبْ لَنَا مِنْ خَيْرِكَ وَفَضْلِكَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مَا يُغَيِّرُ حَيَاتَنَا لِلْأَفْضَلِ، يَا عَفُوُّ يَا كَرِيمُ.”.
تنبيه هام وحكم هذه الأدعية
تنبيه هام: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة وشاملة لكل خير، يجوز للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من كلام طيب، ولكن لا يجوز نسبة هذه الصيغ إلى السنة أو تخصيصها بفضل معين لم يرد به دليل شرعي.
علامات ليلة القدر وفضائلها
لليلة القدر مكانة عظيمة وفضائل كبرى، وقد وردت بعض العلامات التي يُستدل بها عليها، بناءً على الأحاديث النبوية الشريفة.
أهم علامات ليلة القدر
- طمأنينة القلب وسكينته: يشعر المسلم في هذه الليلة بانشراح صدر وطمأنينة وسكينة لا يجدها في غيرها من الليالي.
- ليلة معتدلة: هي ليلة هادئة، لا حارة ولا باردة، يصفو فيها الجو.
- شمس صبيحتها: من أبرز علاماتها التي تأتي بعد انقضائها، أن الشمس تطلع في صبيحتها بيضاء لا شعاع لها، كما ورد في حديث صحيح رواه مسلم.
من فضائل ليلة القدر
- نزول القرآن: فيها نزل القرآن الكريم، قال تعالى:
“إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ”.
[القدر: 1].
- خير من ألف شهر: العبادة فيها خير من عبادة ألف شهر، أي ما يزيد عن 83 عامًا.
- تنزل الملائكة: تتنزل فيها الملائكة والروح (جبريل عليه السلام) بالخير والبركة والرحمة.
- غفران الذنوب: من قامها إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الحكمة من إخفاء موعد ليلة القدر
أخفى الله سبحانه وتعالى الموعد الدقيق لليلة القدر لحكم عظيمة، منها:
- تحفيز الاجتهاد: لكي يجتهد المسلمون في العبادة والدعاء في جميع ليالي العشر الأواخر، فلا يقتصرون على ليلة واحدة.
- اختبار الإيمان: ليظهر صدق المؤمن في طلبه لهذه الليلة المباركة، وسعيه الحثيث لإدراكها.
- مضاعفة الأجر: لينال المسلم أجر الاجتهاد في عدة ليالٍ بدلاً من ليلة واحدة، فتزداد حسناته وتُرفع درجاته.
إن ما يشاع حول كونها ليلة السابع والعشرين هو مجرد اجتهاد قوي من بعض العلماء، لكنها قد تكون في أي ليلة من ليالي الوتر في العشر الأواخر، لذا فالحكمة تقتضي الاجتهاد في جميعها.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 201.
- سورة آل عمران، الآية 8.
- سورة القدر.
- حديث عائشة رضي الله عنها في فضل دعاء ليلة القدر، سنن الترمذي، حديث رقم 3513، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث الاستعاذة من الفتن، صحيح البخاري، حديث رقم 6377، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث علامة شمس صبيحة ليلة القدر، صحيح مسلم، حديث رقم 762، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة (FAQs)
ما هو أفضل دعاء يقال في ليلة القدر؟
أفضل دعاء هو ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: “اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”.
هل يجوز الدعاء بصيغ من عندي في العشر الأواخر؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة بلغته وأسلوبه، ما لم يكن في دعائه إثم أو قطيعة رحم، ولكن الأفضل دائمًا هو البدء بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة ثم الدعاء بما يفتح الله عليه.
ما هو البديل الصحيح للأدعية الطويلة المنتشرة وغير الثابتة؟
البديل الصحيح والأكمل هو الإكثار من الأدعية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي جوامع الكلم، وتحمل البركة والخير، وهي كافية وشافية لكل حاجة.

