يُعد الدعاء ملاذ المؤمن الذي يلجأ إليه في كل أحواله، خاصة عند الشعور بالضيق أو مواجهة الصعاب، فالدعاء هو العبادة، وهو صلة مباشرة بين العبد وربه، يمنح القلب الطمأنينة ويبث فيه السكينة واليقين بأن الفرج والتيسير بيد الله وحده، إن اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء الصادق هو مفتاح تجاوز المحن، ومصدر القوة لمواجهة تحديات الحياة بثقة وثبات.
دعاء تيسير الأمور الصعبة من السنة النبوية
من أشهر الأدعية النبوية الشريفة التي يلجأ إليها المسلم عند استصعاب أمرٍ ما، هو الدعاء الذي علّمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي يُظهر كمال التوكل على الله وتفويض الأمر إليه.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
“اللَّهُمَّ لَا سَهْلَ إِلَّا مَا جَعَلْتَهُ سَهْلًا، وَأَنْتَ تَجْعَلُ الْحَزْنَ إِذَا شِئْتَ سَهْلًا”
هذا الدعاء المبارك يعلّم المسلم أن تيسير كل عسير هو من عند الله، وأن ما يبدو صعبًا (“الحَزْن”، وهو في اللغة الأرض الغليظة الوعرة) يمكن أن يجعله الله هيّنًا يسيرًا بقدرته ورحمته.
صحة حديث “اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً”
الحديث المذكور حديث صحيح، رواه ابن حبان في “صحيحه” (حديث رقم 974)، وابن السني في كتاب “عمل اليوم والليلة” (حديث رقم 351)، وصححه الحافظ ابن حجر العسقلاني وعبد القادر الأرناؤوط وغيرهم، وهو أصل عظيم في طلب التيسير من الله عز وجل عند الشدائد.
أدعية جامعة من القرآن والسنة لتيسير الأمور وتفريج الكروب
إلى جانب الدعاء النبوي السابق، ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية أدعية عظيمة يمكن للمسلم أن يستعين بها في كل أموره لطلب التيسير والفرج، كما يمكن الدعاء بصيغ عامة تحمل معاني طيبة لا تخالف الشرع، إليك بعض الأمثلة:
1، أدعية من القرآن الكريم والسنة الصحيحة:
- دعاء نبي الله موسى عليه السلام، وهو من أنفع الأدعية لطلب انشراح الصدر وتيسير الأمر:
“رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ﴿25﴾ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ﴿26﴾ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي ﴿27﴾ يَفْقَهُوا قَوْلِي” [طه: 25-28].
.
- دعاء الاستعانة بالله لإصلاح الشأن كله، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي به ابنته فاطمة رضي الله عنها:
“يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ” (حديث حسن، رواه النسائي في السنن الكبرى).
.
- دعاء الخروج من كل ضيق وطلب العون من الله:
“وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا” [الإسراء: 80].
.
- دعاء تفريج الكرب العظيم، وهو دعاء نبي الله يونس عليه السلام في بطن الحوت:
“لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ” [الأنبياء: 87].
.
2، أمثلة على صيغ دعاء عامة:
يمكن للمسلم أن يدعو الله بما يفتح عليه من الأدعية التي فيها خير، ومن ذلك:
- اللَّهُمَّ عَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَبِكَ اسْتَعَنْتُ، فَأَنْتَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، اللَّهُمَّ لَا تُخَيِّبْ رَجَاءَنَا، وَيَسِّرْ أُمُورَنَا، وَافْتَحْ لَنَا أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
- رَبِّ إِنِّي مُوَكِّلُكَ أَمْرِي كُلَّهُ، فَأَنْتَ خَيْرُ وَكِيلٍ، فَدَبِّرْ لِي أَمْرِي فَإِنِّي لَا أُحْسِنُ التَّدْبِيرَ.
- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ الْمَسْأَلَةِ، وَخَيْرَ الدُّعَاءِ، وَخَيْرَ النَّجَاحِ، اللَّهُمَّ ثَبِّتْنِي وَثَقِّلْ مَوَازِينِي، وَحَقِّقْ إِيمَانِي، وَارْفَعْ دَرَجَتِي، وَتَقَبَّلْ صَلَاتِي، وَاغْفِرْ خَطِيئَتِي، وَأَسْأَلُكَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى مِنَ الْجَنَّةِ.
- اللَّهُمَّ يَا مُسَخِّرَ الْقَوِيِّ لِلضَّعِيفِ، وَمُسَخِّرَ الْجِنِّ وَالرِّيحِ لِنَبِيِّنَا سُلَيْمَانَ، وَمُسَخِّرَ الطَّيْرِ وَالْحَدِيدِ لِنَبِيِّنَا دَاوُدَ، سَخِّرْ لِي مِنْ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ مَنْ يَقْضِي حَاجَتِي، وَيُيَسِّرُ لِي أَمْرِي.
- رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
أوقات وأحوال يُرجى فيها إجابة الدعاء
مع أن الدعاء مشروع في كل وقت، إلا أن هناك أوقاتًا وأحوالًا معينة تكون أقرب للإجابة كما ورد في السنة النبوية المطهرة، يُستحب للمسلم تحري هذه الأوقات ليرفع حاجته إلى الله:
- الثلث الأخير من الليل: وقت النزول الإلهي، حيث ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فيقول: “من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟”.
- أثناء السجود في الصلاة: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء”.
- بين الأذان والإقامة: فالدعاء في هذا الوقت لا يرد كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
- آخر ساعة من يوم الجمعة: وهي ساعة إجابة مشهورة، يُرجى لمن وافقها وهو قائم يصلي ويسأل الله شيئًا أن يُعطى إياه.
- عند نزول المطر: فهو وقت رحمة، وتُفتح فيه أبواب السماء.
- دعاء الصائم حتى يفطر: ودعوة الصائم عند فطره لا ترد بإذن الله.
المصادر والمراجع
- سورة طه، الآيات 25-28.
- سورة الإسراء، الآية 80.
- سورة الأنبياء، الآية 87.
- حديث “اللهم لا سهل…”، (يمكن مراجعته في صحيح ابن حبان، حديث رقم 974، على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “يا حي يا قيوم…”، (يمكن مراجعته في السنن الكبرى للنسائي، حديث رقم 10405، على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة (FAQs)
ما صحة حديث “اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً”؟
الحديث صحيح، وقد رواه الإمام ابن حبان في صحيحه، وابن السني، وصححه عدد من كبار المحدثين مثل الحافظ ابن حجر العسقلاني، وهو من الأحاديث المعتمدة في هذا الباب.
متى يُقال دعاء تيسير الأمور؟
يُقال هذا الدعاء عند مواجهة أي أمر صعب أو عسير، سواء كان ذلك قبل امتحان، أو مقابلة عمل، أو عند الشروع في مشروع جديد، أو عند الشعور بأن الأمور تتعقد، هو دعاء عام لكل شدة.
هل يجوز الدعاء بصيغ لم ترد في السنة النبوية؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بأي صيغة يشاء، ما دامت معانيها صحيحة ولا تحتوي على محظور شرعي أو اعتداء في الدعاء، والأفضل دائمًا هو الالتزام بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة لأنها جامعة للمعاني ومباركة، ولكن باب الدعاء واسع.

