يحرص المسلمون على الإكثار من الدعاء والعبادة في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، التماسًا لليلة القدر التي وصفها الله تعالى بأنها خيرٌ من ألف شهر، ويجتهد المؤمن في هذه الليالي المباركة بالتقرب إلى الله بما ثبت في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة.
أفضل ما يُدعى به في العشر الأواخر وليلة القدر
إن خير ما يدعو به المسلم في هذه الليالي هو الدعاء الذي علّمه النبي صلى الله عليه وسلم لأحب الناس إليه، السيدة عائشة رضي الله عنها، حين سألته ماذا تقول إن وافقت ليلة القدر.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ:
“اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”
المصدر: سنن الترمذي، حديث حسن صحيح.
وهذا الدعاء هو أعظم ما يُلتمس به فضل هذه الليلة، فهو طلبٌ للعفو من الله، ومن عفا الله عنه فقد فاز فوزًا عظيمًا.
صيغ منتشرة تُنسب لليوم الثامن والعشرين من رمضان
ينتشر بين بعض الناس دعاء مخصص لليوم الثامن والعشرين من رمضان، وهذه إحدى صيغه المتداولة:
- “اللَّهُمَّ غَشِّنِي فِيهِ بِالرَّحْمَةِ وَالتَّوْفِيقِ وَالْعِصْمَةِ، وَطَهِّرْ قَلْبِي مِنْ عَائِبَاتِ التُّهَمَةِ، يَا رَؤُوفًا بِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ”.
تنبيه هام وإخلاء مسؤولية: هذه الصيغة وما ينسب إليها من فضل وثواب هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه. الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي كافية ومباركة وتغني عن غيرها.
حكم تخصيص دعاء معين لكل يوم من رمضان
أكد أهل العلم على أن تخصيص كل يوم من أيام رمضان بدعاء محدد لم يرد به دليل شرعي صحيح، والعبادات مبناها على التوقيف والاتباع، فلا يجوز للمسلم أن يلتزم بأدعية لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، معتقدًا أن لها فضلًا خاصًا في وقت معين، والأولى للمسلم أن يدعو بالأدعية الجامعة من القرآن والسنة، أو بما يفتح الله عليه من خيري الدنيا والآخرة دون تخصيص أو تقييد.
أدعية جامعة ومأثورة يُرجى قبولها في العشر الأواخر
الدعاء من أعظم العبادات التي تقرّب العبد من ربه، قال تعالى:
“وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ” [البقرة: 186]
وهذه بعض الأدعية العامة والمأثورة التي يمكن للمسلم أن يدعو بها في هذه الأيام المباركة:
- من القرآن الكريم:
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” [البقرة: 201]
.
- من السنة النبوية:
“اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ” (جزء من حديث صحيح رواه ابن ماجه).
.
- اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ.
- يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ.
- اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى.
- رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ.
أهم الأعمال الصالحة في العشر الأواخر من رمضان
كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيرها، ومن أهم الأعمال التي يُستحب للمسلم الحرص عليها:
- قيام الليل: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ” (متفق عليه).
.
- الاعتكاف: وهو لزوم المسجد للتفرغ للعبادة، وهو سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
- تلاوة القرآن الكريم: فرمضان هو شهر القرآن، وتلاوته بتدبر من أعظم القربات.
- الصدقة: كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان.
- الإكثار من ذكر الله: الحرص على التسبيح والتحميد والتهليل والاستغفار، فهي عبادات خفيفة على اللسان ثقيلة في الميزان.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 186.
- سورة البقرة، الآية 201.
- سنن الترمذي، حديث رقم 3513، وقال عنه: “حديث حسن صحيح”، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح البخاري (حديث رقم 2014)، وصحيح مسلم (حديث رقم 760) بخصوص فضل قيام ليلة القدر، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن ابن ماجه، حديث رقم 3846، وصححه الألباني، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة (FAQs)
س1: هل ورد دعاء مخصص لليوم 28 من رمضان؟
ج: لا، لم يثبت في السنة النبوية الصحيحة أي دعاء مخصص لليوم الثامن والعشرين من رمضان أو غيره من الأيام، وما ينتشر من أدعية يومية هو أمر لا أصل له، والأفضل للمسلم الدعاء بما هو ثابت في القرآن والسنة.
س2: ما هو أفضل دعاء في العشر الأواخر من رمضان؟
ج: أفضل دعاء هو ما علّمه النبي صلى الله عليه وسلم للسيدة عائشة رضي الله عنها: “اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”، لأنه دعاء جامع يطلب أعظم مطلوب وهو عفو الله تعالى.
س3: هل يمكنني أن أدعو بأدعية من عندي؟
ج: نعم، يجوز للمسلم أن يدعو بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة بالصيغة التي تناسبه، ما لم يكن في الدعاء إثم أو قطيعة رحم، ولكن يبقى الالتزام بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة هو الأفضل والأكمل والأكثر بركة.
