يستقبل المسلمون شهر شعبان بقلوبٍ وجلة، ويكثرون من الدعاء والعبادة استعدادًا لاستقبال شهر رمضان المبارك، ومن أعظم ما يتقرب به العبد في هذه الأيام هو الدعاء الصادق بأن يبلغه الله هذا الشهر الفضيل وهو في خير حالٍ وعافية، وفي هذا المقال، نستعرض الأدعية الصحيحة الواردة في السنة النبوية، ونوضح حكم الصيغ الشائعة بين الناس.
الأدعية الصحيحة الثابتة في السنة لاستقبال الهلال
الأصل في العبادات، ومنها الدعاء، هو الاتباع والالتزام بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو خير الهدي وأكمله، وقد ورد في السنة النبوية دعاءٌ صحيح يُقال عند رؤية هلال أي شهر جديد، ومنه هلال رمضان.
- عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى الْهِلالَ قَالَ:
“اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ علَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالإِيمَانِ، وَالسَّلامَةِ وَالإِسْلامِ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ”.
المصدر: سنن الترمذي، حديث رقم 3451، درجة الحديث: حديث حسن.
شرح موجز: هذا الدعاء المبارك يتضمن سؤال الله تعالى أن يجعل بداية هذا الشهر مباركة (اليُمْن)، وأن يثبّت فيه إيمان المسلم (الإيمان)، ويحفظه من الآفات (السلامة)، ويعينه على تطبيق شرائع دينه (الإسلام).
أدعية قرآنية ونبوية عامة يُستحب الإكثار منها
إلى جانب الدعاء المخصوص برؤية الهلال، يُستحب للمسلم أن يكثر من الأدعية الجامعة التي تجمع خيري الدنيا والآخرة، استعدادًا لرمضان وطلبًا للعفو والمغفرة، ومن هذه الأدعية:
1، الدعاء بخيري الدنيا والآخرة (من القرآن الكريم)
هذا الدعاء من أجمع الأدعية التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر منها، وهو نافع في كل وقت وحين.
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”
المصدر: سورة البقرة، الآية 201.
2، دعاء طلب العفو والمغفرة (من السنة النبوية)
وهو الدعاء الذي علّمه النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها لتقوله في ليلة القدر، وهو مناسب جدًا لطلب العفو قبل دخول شهر المغفرة.
“اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”
المصدر: سنن الترمذي، حديث رقم 3513، درجة الحديث: حديث صحيح.
صيغ شائعة للدعاء ببلوغ رمضان (مثل: اللهم بلغنا رمضان مجبورين)
تنتشر بين الناس في أواخر شهر شعبان بعض صيغ الدعاء التي لم ترد في السنة النبوية، ولكنها تحمل معانٍ حسنة، من المهم معرفة حكمها والتعامل معها وفق المنهج الشرعي الصحيح، ومن أمثلتها:
- “اللهم بلغنا رمضان مجبورين مطمئنين يا رب”.
- “اللهم بلغنا رمضان ونحن في حال من الخير والعافية لا فاقدين ولا مفقودين”.
- “يا رب بَلِّغْنا رمضان غير فاقدين ولا مفقودين واجعل لنا فيه توبة صادقة ورزقًا حلالًا طيبًا”.
- “اللهم لا تحرمنا من نعمة بلوغ رمضان برفقة من نحب، وأدم علينا المسرات والطمأنينة”.
تنبيه هام وإخلاء مسؤولية: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، وفيها غنية عن غيرها، ومع أن معاني هذه الأدعية قد تكون صحيحة في مجملها، إلا أن الأفضل والأكمل هو لزوم المأثور.
ما حكم الدعاء بصيغة “اللهم بلغنا رمضان مجبورين”؟
الدعاء بأن يبلغ الله المسلم شهر رمضان هو أمر مشروع ومستحب، وقد كان السلف الصالح يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، أما استخدام صيغ محددة مثل “مجبورين مطمئنين” أو “لا فاقدين ولا مفقودين”، فالحكم فيها كالتالي:
- من حيث المعنى: معنى الدعاء صحيح، فطلب بلوغ رمضان مع جبر الخاطر وطمأنينة القلب وسلامة الأهل والأحبة هو أمر حسن لا يخالف الشرع.
- من حيث التعبد باللفظ: لا يجوز اعتقاد أن لهذه الألفاظ فضلًا خاصًا أو أنها سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، لأن ذلك لم يثبت.
- الأفضل والأكمل: الالتزام بالدعاء المأثور عند رؤية الهلال، والإكثار من الأدعية العامة الواردة في القرآن والسنة، فهي أعظم بركة وأكثر أجرًا، وإن دعا المسلم بهذه الصيغ الشائعة أحيانًا دون أن ينسبها للسنة أو يعتقد لها فضلًا خاصًا، فلا حرج عليه إن شاء الله.
وخلاصة القول، أن الأمل في بلوغ رمضان بقلبٍ مجبور وروحٍ مطمئنة هو شعور إيماني عظيم، والأفضل أن نترجم هذا الأمل بالدعاء بما هو ثابت وصحيح عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فهو سبيل البركة والقبول.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 201.
- سنن الترمذي، كتاب الدعوات، حديث رقم 3451، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية الحديثية).
- سنن الترمذي، كتاب الدعوات، حديث رقم 3513، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية الحديثية).
أسئلة شائعة (FAQs)
ما هو الدعاء الصحيح عند رؤية هلال رمضان؟
الدعاء الصحيح الثابت هو: “اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ علَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالإِيمَانِ، وَالسَّلامَةِ وَالإِسْلامِ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ”، وهو حديث حسن رواه الترمذي.
هل يجوز أن أدعو الله ببلوغ رمضان بأسلوبي الخاص؟
نعم، يجوز للمسلم أن يدعو الله بما يفتح عليه من الأدعية الطيبة التي لا تحتوي على محظور شرعي، كأن يقول: “يا رب بلغني رمضان وأنا في صحة وعافية”، ولكن يبقى الالتزام بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة هو الأفضل والأكمل.
ما هو البديل الصحيح لدعاء “اللهم بلغنا رمضان مجبورين”؟
البديل الأفضل هو استخدام الدعاء النبوي عند رؤية الهلال المذكور أعلاه، مع الإكثار من الأدعية القرآنية والنبوية الجامعة مثل “ربنا آتنا في الدنيا حسنة…” و “اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني”.


