يُعد السعي لـ الإصلاح بين الناس من أعظم القربات إلى الله تعالى، فالخصام والنزاع من مداخل الشيطان التي تهدف إلى زعزعة استقرار العلاقات الإنسانية، وبث مشاعر الحقد والكراهية في النفوس، وقد حذّر الشرع الحنيف من نقل الكلام وتتبع عورات الناس، لما يسببه ذلك من تفاقم للمشكلات وتوسيع للفجوة بين المتنازعين، لذلك، يجب على المسلم أن يضبط لسانه، وأن يكون مفتاحًا للخير، ساعيًا للصلح والتآلف، امتثالاً لقوله تعالى:
“لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا” [النساء: 114]
.
أدعية صحيحة من القرآن والسنة لإصلاح ذات البين
إن اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء هو من أقوى الأسباب لجلب المحبة وتأليف القلوب، والأفضل للمسلم أن يدعو بالأدعية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهي جامعة للخير والبركة، ومن هذه الأدعية:
- دعاء قرآني لطلب المغفرة وتصفية القلوب: وهو دعاء شامل يجمع بين طلب المغفرة للنفس وللإخوان، ونزع الغل من القلب، وهو أساس كل صلح.
“رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ” [الحشر: 10]
.
- دعاء النبي ﷺ لتأليف القلوب: هذا الدعاء المبارك دعا به النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار، وهو من أجمع الأدعية في هذا الباب.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم أن يقولوا في دعائهم:“اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ، وَنَجِّنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَجَنِّبْنَا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ…” [رواه أبو داود، وصححه الألباني]
شرح موجز: “أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا” أي اجمعها على المحبة والوئام، “وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا” أي أصلح العلاقات التي بيننا.
- دعاء عام لطلب المحبة والبركة:
من الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن لم يكن مخصصًا للصلح، إلا أن معانيه العظيمة تشمل طلب الألفة والمحبة.“اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَالْعَمَلَ الَّذِي يُبَلِّغُنِي حُبَّكَ…” [رواه الترمذي، حديث حسن]
فمحبة الله إذا حلت في القلب، أورثت محبة لعباده الصالحين، وكانت سبباً في إصلاح العلاقات.
صيغ دعاء عامة منتشرة للصلح بين المتخاصمين
يتداول بعض الناس صيغًا للدعاء بقصد طلب الصلح وتأليف القلوب، ورغم أن معانيها قد تكون حسنة، إلا أنه من المهم معرفة حكمها ومكانتها، نورد هنا بعض الأمثلة عليها للتوضيح:
- “اللَّهُمَّ يَا مُؤَلِّفَ القُلُوبِ، أَلِّفْ بَيْنَ قَلْبِي وَقَلْبِ فُلَانٍ، وَاجْمَعْ شَمْلَنَا عَلَى الخَيْرِ وَالمَحَبَّةِ، وَأَبْعِدْ عَنَّا أَسْبَابَ الشَّحْنَاءِ وَالفُرْقَةِ.”.
- “يَا رَبِّ، يَا مَنْ تُعِيدُ المُتَبَاعِدِينَ وَتَصِلُ المَقْطُوعِينَ، نَسْأَلُكَ بِفَضْلِكَ أَنْ تُقَرِّبَنَا إِلَى أَحِبَّتِنَا وَتَحْفَظَ وُدَّنَا مَعَهُمْ، وَتَجْعَلَ قُلُوبَنَا مُتَمَاسِكَةً عَلَى مَحَبَّتِكَ.”.
- “اللَّهُمَّ كَمَا أَلَنْتَ الحَدِيدَ لِدَاوُدَ، أَلِنْ قَلْبَ أَخِي لِي، وَاصْرِفْ عَنَّا وَسَاوِسَ الشَّيْطَانِ، وَاجْعَلْنَا يَدًا وَاحِدَةً عَلَى طَاعَتِكَ وَبِرِّ وَالِدَيْنَا.”.
تنبيه هام وحكم الدعاء بهذه الصيغ
تنبيه هام: هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية ومباركة وشاملة لكل خير.
أما عن حكم الدعاء بها، فيجوز للمسلم أن يدعو الله تعالى بما يفتح عليه من الأدعية وبأسلوبه الخاص، بشرطين أساسيين:
- ألا يكون في الدعاء اعتداء أو إثم أو قطيعة رحم.
- ألا يعتقد أن هذه الصيغة لها فضل خاص أو أنها سنة متبعة، بل يدعو بها على أنها دعاء عام ومطلق.
والأفضل والأكمل دائمًا هو الحرص على الأدعية المأثورة من الكتاب والسنة، فهي الأسلم والأعظم أجرًا والأقرب للإجابة.
دعاء لإصلاح العلاقة بين الإخوة
الروابط الأخوية من أسمى العلاقات، والخلاف بين الإخوة يؤلم القلب ويُحزن الوالدين، والدعاء هو خير وسيلة لطلب التآلف من الله، يمكن الدعاء بالأدعية الصحيحة المذكورة سابقًا، مع تخصيص النية للإخوة، أو يمكن الدعاء بأدعية عامة مثل:
- “اللَّهُمَّ أَصْلِحْ حَالِي مَعَ إِخْوَتِي، وَاملأْ قُلُوبَنَا بِالوِدِّ وَالخَيْرِ، وَاجْعَلْنَا بَارِّينَ بِوَالِدَيْنَا، وَاحْفَظْنَا مِنْ شَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالجِنِّ.”.
- “رَبِّ، إِنِّي أُحِبُّ إِخْوَتِي، فَاجْعَلْ مَحَبَّتَنَا خَالِصَةً لِوَجْهِكَ، وَقَائِمَةً عَلَى التَّفَاهُمِ وَالمَوَدَّةِ، وَدُلَّنَا عَلَى طَرِيقِ الإِصْلَاحِ، وَاجْعَلْ كُلَّ أَمْرٍ عَسِيرٍ عَلَيْنَا يَسِيرًا.”.
دعاء لإنهاء الخصام بين الأصدقاء
الصداقة الصالحة نعمة عظيمة، والخلافات قد تعكر صفوها، يُستحب المبادرة بالصلح، مع الاستعانة بالله تعالى، يمكن استخدام الأدعية الصحيحة السابقة، أو الدعاء بصيغ عامة مثل:
- “اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ، ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ، وَأَلِّفْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَصْدِقَائِي عَلَى الخَيْرِ وَالبِرِّ وَالتَّقْوَى.”.
- “يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، طَهِّرْ صُدُورَنَا وَقُلُوبَنَا مِنْ كُلِّ بِغْضَاءَ، وَاشْرَحْ صُدُورَنَا لِلصُّلْحِ وَالمَوَدَّةِ، وَارْزُقْنَا صُحْبَةً صَالِحَةً تُعِينُنَا عَلَى طَاعَتِكَ.”.
المصادر والمراجع
- سورة النساء، الآية 114.
- سورة الحشر، الآية 10.
- حديث “اللهم ألف بين قلوبنا”: سنن أبي داود، رقم الحديث 967، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “اللهم إني أسألك حبك”: سنن الترمذي، رقم الحديث 3490، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة
ما هو أفضل دعاء للصلح بين المتخاصمين؟
أفضل الأدعية هي تلك الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، مثل دعاء:
“اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا…”
لأنه دعاء نبوي جامع ومبارك.
هل يجوز أن أدعو الله بلهجتي العامية لإصلاح علاقتي مع شخص؟
نعم، يجوز الدعاء باللهجة العامية أو بأي لغة، فالله سبحانه وتعالى يفهم جميع اللغات واللهجات ويعلم ما في القلوب، المهم هو صدق النية وإخلاص التوجه إلى الله، مع الحرص على ألا يحتوي الدعاء على أي محظور شرعي.
ما هو فضل الإصلاح بين الناس في الإسلام؟
الإصلاح بين الناس من أفضل الأعمال وأعظمها أجرًا، قال الله تعالى:
“فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ” [الأنفال: 1]
، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الإصلاح بين الناس أفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة، (حديث صحيح، رواه أبو داود والترمذي).

