إن الابتلاء سنة إلهية في خلقه، يختبر الله بها عباده ليميز الصادق من الكاذب، والصابر من الجازع، قال الله تعالى في كتابه العزيز:
“وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ” [الأنعام: 165]
، وفي مواجهة هذه المحن، جعل الله لعباده الدعاء سلاحاً وملاذاً، فهو باب الفرج ومفتاح الرحمة.
أدعية ثابتة من القرآن والسنة عند المصائب والشدائد
الأصل في الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهي الأدعية الجامعة المباركة التي تجمع خيري الدنيا والآخرة، ومن هذه الأدعية الصحيحة:
من السنة النبوية المطهرة
- دعاء الكرب والهم: وهو من أعظم الأدعية لتفريج الشدائد، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب:
“لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ، وَرَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ” (صحيح البخاري، حديث رقم 6346؛ صحيح مسلم، حديث رقم 2730).
.
 - دعاء لذهاب الحزن وجلاء الهم: وهو دعاء عظيم يُرجى لمن قاله بيقين أن يُبدل الله همه فرجاً.
“اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي” (مسند أحمد، حديث رقم 3712، وصححه الألباني).
.
 - دعاء للتعوذ من شدة البلاء: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من الأمور الشديدة التي قد تقع على الإنسان.
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهْدِ البَلاَءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ القَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ” (صحيح البخاري، حديث رقم 6347).
.
 
من القرآن الكريم
- دعاء نبي الله يونس عليه السلام: وهو دعاء عظيم لتفريج الكروب، لم يدع به مسلم في شيء إلا استجاب الله له.
“لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ” [الأنبياء: 87].
.
 
صيغ وأدعية عامة لطلب الصبر والفرج
بالإضافة إلى الأدعية الثابتة، يجوز للمسلم أن يدعو الله تعالى بأي صيغة طيبة تناسب حاله وتعبّر عن حاجته، ما لم تتضمن محذوراً شرعياً، ومن الأدعية العامة التي يمكن الدعاء بها:
- اللَّهُمَّ يَا كَاشِفَ الْغَمِّ، وَيَا مُفَرِّجَ الْكَرْبِ، وَيَا مُجِيبَ دَعْوَةِ الْمُضْطَرِّينَ، ابْدِلْ هَمِّي فَرَحًا، وَضِيقِي سَعَةً، وَأَلْهِمْنِي الصَّبْرَ عَلَى مَا ابْتَلَيْتَنِي بِهِ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
 - اللَّهُمَّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَاحْفَظْنِي بِحِفْظِكَ وَرِعَايَتِكَ، وَأَعِذْنِي مِنْ شَرِّ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.
 - اللَّهُمَّ يَا صَبُورُ، هَبْ لِي صَبْرًا جَمِيلًا وَيَقِينًا صَادِقًا، وَأَجِرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَاخْلُفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا.
 - اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تُجِيرَنِي مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ.
 
دعاء شائع منسوب إلى حادثة الطائف
ينتشر بين الناس دعاء يُنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا به عند عودته من الطائف، وهو:
“اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، أَنْتَ رَبُّ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَأَنْتَ رَبِّي، إِلَى مَنْ تَكِلُنِي؟…”
تنبيه هام: هذا الدعاء على الرغم من جمال معناه، إلا أن أهل العلم بالحديث قد بيّنوا أن سند روايته ضعيف، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك، يجوز الدعاء بمعانيه العامة دون نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو اعتقاد فضيلة خاصة به، لأن معانيه لا تخالف الشريعة.
فضل الصبر عند الابتلاء كما ورد في السنة
الابتلاء ليس بالضرورة عقوبة، بل قد يكون علامة على محبة الله للعبد ورفعة لدرجاته، فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أيّ الناس أشد بلاءً؟ قال:
“الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاَؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ البَلاَءُ بِالعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ” (سنن الترمذي، حديث رقم 2398، وقال: حديث حسن صحيح).
وقد بشّر الله الصابرين بقوله تعالى:
“وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ” [البقرة: 155].
حكم الدعاء بصيغ غير مأثورة
الأصل هو الالتزام بالأدعية الواردة في القرآن والسنة، فهي الأكمل والأفضل، أما الدعاء بصيغ لم ترد بنص شرعي فهو جائز بشرطين أساسيين:
- ألا يكون في معنى الدعاء مخالفة للشريعة الإسلامية..
 - ألا يُعتقد أن لهذه الصيغة فضلاً خاصاً أو أنها سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم..
 
فباب الدعاء واسع، ويمكن للمرء أن يناجي ربه بما يفتح الله عليه من كلام طيب يعبر عن حاجته وافتقاره إليه سبحانه.
المصادر والمراجع
- سورة الأنعام، الآية 165.
 - سورة البقرة، الآية 155.
 - سورة الأنبياء، الآية 87.
 - صحيح البخاري، حديث رقم 6346 وحديث رقم 6347، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 - صحيح مسلم، حديث رقم 2730، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 - مسند الإمام أحمد، حديث رقم 3712، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 - سنن الترمذي، حديث رقم 2398، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
 
أسئلة شائعة حول أدعية رفع البلاء
ما هو أفضل وقت للدعاء لرفع البلاء؟
الدعاء مشروع في كل وقت، ولكن هناك أوقات يُرجى فيها إجابة الدعاء أكثر من غيرها، مثل: الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، وآخر ساعة من يوم الجمعة.
هل يجوز الدعاء بصيغ من عندي لرفع المصائب؟
نعم، يجوز الدعاء بأي صيغة طيبة تعبر عن حالك وحاجتك، بشرط ألا تخالف الشريعة الإسلامية وألا تعتقد أنها سنة ثابتة، والأفضل دائمًا هو الجمع بين الأدعية المأثورة والدعاء بما يفتح الله به عليك.
ما هو أصح دعاء ورد عند وقوع المصيبة؟
أصح ما ورد هو دعاء الكرب: “لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ…” ودعاء التعوذ من شدة البلاء: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهْدِ البَلاَءِ…”، وكلاهما ثابت في صحيح البخاري، وهما من الأدعية الجامعة التي ينبغي للمسلم أن يحافظ عليها عند الشدائد.
		
