يسعى المسلم لاستقبال شهر رمضان المبارك بأفضل حالٍ إيماني، مستشعرًا عظمة النفحات والخيرات التي يتفضل الله بها على عباده في هذا الشهر، ومن أعظم القربات التي يتهيأ بها العبد لربه هو الدعاء، حيث يناجي خالقه بقلبٍ حاضرٍ ممتلئ باليقين، طالبًا خيرَي الدنيا والآخرة.
إن الاستعداد لرمضان يتطلب تهيئة النفس والقلب، فهو شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، والفائز هو من أدرك قيمة هذه الأيام المباركة، فأقبل على الله بتوبة صادقة، واجتهد في الطاعات، وعزم على استغلال كل لحظة في ما يرضي الله عز وجل، ليعود بعده بقلبٍ نقي وإيمان متجدد.
دعاء رؤية هلال رمضان الثابت عن النبي ﷺ
إن أول ما يستقبل به المسلم شهر رمضان هو اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم عند رؤية الهلال، وقد ورد في ذلك حديث صحيح يُستحب للمسلم أن يدعو به.
عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ:
«اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالْإِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ»
(رواه الترمذي، وصححه الألباني).
وفي رواية أخرى عند الدارمي بلفظ:
«اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ، وَالتَّوْفِيقِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، رَبُّنَا وَرَبُّكَ اللَّهُ»
وهذا الدعاء هو الصيغة الموثوقة والمأثورة التي ينبغي للمسلم الحرص عليها عند استهلال الشهر الفضيل.

أدعية عامة وصيغ شائعة لاستقبال رمضان
إلى جانب الدعاء النبوي الثابت، يتداول الناس العديد من الصيغ والأدعية العامة التي يعبرون من خلالها عن فرحتهم بقدوم الشهر ورجائهم في نيل مغفرة الله، يمكن للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من الخير، وهذه بعض الأمثلة على ذلك:
- اللَّهُمَّ بَلِّغْنَا رَمَضَانَ وَأَنْتَ رَاضٍ عَنَّا، وَأَعِنَّا فِيهِ عَلَى الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ وَغَضِّ الْبَصَرِ وَحِفْظِ اللِّسَانِ.
- اللَّهُمَّ اجْعَلْ صِيَامَنَا فِيهِ صِيَامَ الصَّائِمِينَ، وَقِيَامَنَا فِيهِ قِيَامَ الْقَائِمِينَ، وَنَبِّهْنَا فِيهِ عَنْ نَوْمَةِ الْغَافِلِينَ، وَهَبْ لَنَا جُرْمَنَا فِيهِ يَا إِلَهَ الْعَالَمِينَ، وَاعْفُ عَنَّا يَا عَافِيًا عَنِ الْمُجْرِمِينَ.
- اللَّهُمَّ سَلِّمْنَا لِرَمَضَانَ، وَسَلِّمْ رَمَضَانَ لَنَا، وَتَسَلَّمْهُ مِنَّا مُتَقَبَّلًا.
- رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ رَمَضَانَ شَهْرَ خَيْرٍ وَبَرَكَةٍ وَنَصْرٍ لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ.
- اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا فِيهِ مِنَ الْمُسْتَغْفِرِينَ، وَاجْعَلْنَا فِيهِ مِنْ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ الْقَانِتِينَ، وَاجْعَلْنَا فِيهِ مِنْ أَوْلِيَائِكَ الْمُقَرَّبِينَ، بِرَأْفَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
تنبيه هام وحكم هذه الأدعية:
هذه الصيغ المذكورة أعلاه هي أدعية عامة واجتهادات من بعض الصالحين، ولم تثبت بسند صحيح متصل عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فهي كافية وشاملة ومباركة، ومع ذلك، يجوز للمسلم الدعاء بأي صيغة تحمل معانٍ طيبة ما لم تتضمن محظورًا شرعيًا، على ألا يعتقد أنها سنة مأثورة بلفظها.
كيف نستقبل شهر رمضان بالطريقة المثلى؟
إن استقبال شهر رمضان لا يقتصر على الدعاء فقط، بل هو منهج متكامل يبدأ قبل قدومه، ومن أهم الأعمال التي ينبغي للمسلم الحرص عليها:
- التوبة الصادقة: العزم على ترك الذنوب والمعاصي والندم على ما فات، وبدء صفحة جديدة مع الله تعالى، فرمضان فرصة عظيمة لتطهير النفس.
- العلم بأحكام الصيام: من الضروري للمسلم أن يتعلم فقه الصيام وما يتعلق به من أحكام ومفسدات وسنن، حتى تكون عبادته صحيحة ومقبولة.
- التخطيط المسبق للعبادة: وضع خطة عملية لاستغلال أوقات الشهر في الطاعات، مثل تحديد ورد يومي من القرآن الكريم، والمحافظة على صلاة التراويح، وتخصيص وقت للذكر والدعاء، وتحديد مبلغ للصدقة.
- تهيئة القلب والنفس: استحضار مشاعر الفرح والسرور بقدوم هذا الموسم العظيم، واستشعار نعمة الله أن بلغنا إياه، مما يحفز على الاجتهاد في العبادة.
- إصلاح العلاقات: السعي لصلة الأرحام، والعفو عن الناس، وإصلاح ذات البين، ليدخل المسلم رمضان بقلب سليم نقي.

دعاء للأبوين ببلوغ رمضان
من البر والوفاء أن يخص المسلم والديه بدعاء صالح، بأن يبارك الله في أعمارهما ويبلغهما شهر رمضان وهما في أتم صحة وعافية، ومن جميل ما يمكن الدعاء به:
- اللَّهُمَّ بَلِّغْ أَبِي وَأُمِّي شَهْرَ رَمَضَانَ وَهُمَا فِي أَحْسَنِ حَالٍ، وَبَارِكْ لَهُمَا فِي أَعْمَارِهِمَا وَأَعْمَالِهِمَا، وَأَعِنْهُمَا عَلَى طَاعَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
- يَا رَبِّ، احْفَظْ لِي وَالِدَيَّ، وَمَتِّعْهُمَا بِالصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ، وَاجْعَلْ رَمَضَانَ شَهْرَ خَيْرٍ وَبَرَكَةٍ وَمَغْفِرَةٍ لَهُمَا.
- اللَّهُمَّ ارْزُقْ وَالِدَيَّ طُولَ الْعُمُرِ وَحُسْنَ الْعَمَلِ، وَاجْعَلْهُمَا فِي هَذَا الشَّهْرِ الْكَرِيمِ مِنْ عُتَقَائِكَ مِنَ النَّارِ.

فوائد شهر رمضان الروحية والاجتماعية
شهر رمضان ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو مدرسة إيمانية متكاملة تعود على الفرد والمجتمع بفوائد عظيمة، منها:
- تحقيق التقوى: وهي الغاية الكبرى من الصيام كما قال تعالى:.
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” [البقرة: 183]
- مغفرة الذنوب: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ”
(متفق عليه).
- ضبط النفس وتربية الإرادة: يعلّم الصيام المسلم الصبر والتحكم في شهواته، مما يقوي إرادته ويعينه على الاستقامة بعد رمضان.
- تعزيز الروابط الاجتماعية: تتجلى في رمضان مظاهر التكافل والتراحم بين المسلمين، من خلال إفطار الصائمين والصدقات وصلة الأرحام.
- الشعور بالفقراء: يوقظ الصيام في قلب المسلم الإحساس بمعاناة الفقراء والمحتاجين، فيدفعه ذلك إلى البذل والعطاء.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 183.
- حديث “اللهم أهله علينا باليمن والإيمان…”، سنن الترمذي، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا…”، صحيح البخاري وصحيح مسلم، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة حول أدعية رمضان
- ما هو الدعاء الصحيح عند رؤية هلال رمضان؟
- الدعاء الصحيح الثابت هو: “اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالْإِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ”، كما ورد في سنن الترمذي.
- هل يجوز الدعاء بصيغ لم ترد في السنة لاستقبال رمضان؟
- نعم، يجوز الدعاء بأدعية عامة تحمل معاني طيبة ما دامت لا تخالف الشرع، ولكن بشرط ألا يُعتقد أنها سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، الأفضل دائمًا هو الالتزام بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة.
- ما هو أفضل وقت للدعاء في رمضان؟
- أوقات إجابة الدعاء كثيرة في رمضان، ومن أرجى هذه الأوقات: عند الإفطار، وفي الثلث الأخير من الليل، وفي السجود أثناء الصلاة، وفي ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.