يُعد عيد الأضحى المبارك مناسبةً إيمانيةً عظيمةً، تفيض بالرحمات وتتجدد فيها الصلة بالله تعالى، ويسبقه فضل العشر الأوائل من ذي الحجة، وهي خير أيام الدنيا التي أقسم الله بها في كتابه، تأكيدًا على شرفها ومكانتها، في هذه الأيام المباركة، يُستحب للمسلم الإكثار من الأعمال الصالحة، وعلى رأسها الذكر والدعاء، حيث تتضاعف الأجور وتُفتح أبواب السماء، ومع حلول فرحة العيد، يتوجه المسلم بقلبه إلى الله شاكرًا لنعمه، وراجيًا عفوه ومغفرته، ومُعظِّمًا لشعائره.
أدعية ثابتة من القرآن الكريم والسنة النبوية
الأصل في عبادة الدعاء هو الالتزام بما ورد في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهذه الأدعية هي الأكمل والأجمع لخيري الدنيا والآخرة، وفيها البركة والقبول، ومن أعظم ما يُدعى به في هذه الأيام الفضيلة، خاصةً في يوم عرفة:
1، خير الدعاء يوم عرفة
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن خير ما يُقال في هذا اليوم العظيم هو كلمة التوحيد التي هي أساس الدين وجوهره.
“خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.”
(المصدر: سنن الترمذي، حديث حسن).
2، دعاء جامع من القرآن الكريم
من الأدعية القرآنية العظيمة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر منها، وهي تجمع بين خيري الدنيا والآخرة، ويُستحب الدعاء بها في كل وقت وحين.
“رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.”
(المصدر: سورة البقرة، الآية 201).
3، التكبير في أيام العيد (من أعظم الأذكار)
يُعد إحياء سنة التكبير من أعظم شعائر هذه الأيام المباركة، وهو ذكر مشروع يتقرب به العبد إلى ربه، وصيغته المشهورة المأثورة عن الصحابة:
“اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.”
ويُشرع التكبير المطلق من بداية شهر ذي الحجة إلى غروب شمس آخر أيام التشريق، أما التكبير المقيد، فيكون عقب الصلوات المفروضة، ويبدأ من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق.
أمثلة على الأدعية العامة المنتشرة
تنبيه هام: هذه الصيغ هي مما يتداوله بعض الناس، ولم تثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، الدعاء عبادة توقيفية، والأصل فيها الالتزام بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وهي كافية ومباركة، ومع ذلك، يجوز للمسلم أن يدعو بما يفتح الله عليه من كلام طيب لا يخالف الشرع، دون أن ينسب هذه الصيغ للسنة أو يعتقد لها فضلاً خاصاً.
- اللَّهُمَّ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ، نَسْأَلُكَ أَنْ تَتَقَبَّلَ مِنَّا صَالِحَ الْأَعْمَالِ، وَأَنْ تَجْعَلَ عِيدَنَا فَرَحًا وَسُرُورًا، وَأَنْ تُبَارِكَ لَنَا فِي أَهْلِنَا وَأَمْوَالِنَا وَالْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ.
- يَا رَبِّ، نَسْأَلُكَ بِكَرَمِكَ وَرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، أَنْ تُفَرِّجَ هُمُومَنَا، وَتَشْرَحَ صُدُورَنَا، وَتُيَسِّرَ أُمُورَنَا، وَتَغْفِرَ ذُنُوبَنَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
- اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا اسْتَعَاذَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
- يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، بِرَحْمَتِكَ نَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنَا إِلَى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ.
- رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْعِيدَ عِيدَ خَيْرٍ وَبَرَكَةٍ وَأَمْنٍ وَأَمَانٍ عَلَى أُمَّةِ الْإِسْلَامِ، وَارْفَعِ الْبَلَاءَ وَالْغَلَاءَ عَنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ.
أوقات وأحوال يُرجى فيها إجابة الدعاء
للدعاء أوقات وأحوال تكون أقرب للإجابة، ويجدر بالمسلم تحريها ليعظم رجاؤه في القبول، ومن هذه الأوقات التي تتزامن مع أيام العيد المباركة:
- يوم عرفة: وهو خير أيام السنة للدعاء كما سبق بيانه في الحديث الشريف.
- الثلث الأخير من الليل: وقت النزول الإلهي، وهو ثابت في الحديث الصحيح:
“يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ.”
(المصدر: صحيح البخاري)..
- بين الأذان والإقامة: فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة، (المصدر: سنن الترمذي، حديث صحيح)..
- في السجود: حيث يكون العبد أقرب ما يكون من ربه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
“أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ.”
(المصدر: صحيح مسلم)..
- دعوة الصائم عند فطره: وهي دعوة لا ترد كما ورد في الحديث:
“ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ…”
(المصدر: سنن الترمذي، حديث حسن)..
إن عيد الأضحى وأيامه المباركة فرصة ثمينة لتعزيز الصلة بالله تعالى، وتجديد العهد معه بالعبادة والذكر والدعاء، مما يغمر النفس بالسكينة والتقوى، ويحقق للمسلم خيري الدنيا والآخرة.
المصادر والمراجع
- سورة البقرة، الآية 201.
- حديث “خير الدعاء يوم عرفة”، رواه الترمذي (3585)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث نزول الرب إلى السماء الدنيا، رواه البخاري (1145) ومسلم (758)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “أقرب ما يكون العبد من ربه”، رواه مسلم (482)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- حديث “ثلاثة لا ترد دعوتهم”، رواه الترمذي (2526)، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
الأسئلة الشائعة (FAQ)
ما هو أفضل دعاء في يوم عرفة؟
أفضل ما يُقال في يوم عرفة هو ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم:
“لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.”
ويُستحب الإكثار من هذا الذكر، ثم يدعو المسلم بعده بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، فإن الدعاء في هذا اليوم أرجى للقبول.
هل هناك دعاء محدد خاص بيوم عيد الأضحى؟
لم يثبت في السنة النبوية الصحيحة دعاء مخصص بصيغة معينة ليوم العيد نفسه، ولكن أعظم ما يشرع في هذه الأيام هو التكبير والتهليل والتحميد، بالإضافة إلى الدعاء العام بما يفتح الله به على عبده من الخير لنفسه وأهله والمسلمين.
ما حكم الأدعية المنتشرة على الإنترنت للعيد؟
الكثير من الأدعية المنتشرة هي صيغ عامة من إنشاء الناس، وليست من السنة النبوية، لا حرج في الدعاء بها إذا كانت معانيها صحيحة ولا تخالف العقيدة، ولكن لا يجوز نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو اعتقاد فضل خاص لها، الأفضل والأكمل دائمًا هو الالتزام بالأدعية المأثورة من القرآن والسنة، فهي جامعة للخير والبركة.

