يُعد دعاء الاستفتاح من السنن النبوية الشريفة التي يُستحب للمصلي أن يبدأ بها صلاته، سواء كانت فريضة أم نافلة، وهو يُقال بعد تكبيرة الإحرام وقبل الشروع في قراءة سورة الفاتحة، وله صيغ متعددة وثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، الهدف من هذا الدعاء هو تهيئة النفس والقلب للوقوف بين يدي الله عز وجل، وتحقيق الخشوع، وإعلان التوحيد والثناء على الله تعالى.
حكم دعاء الاستفتاح أنه سنة عند جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة، فمن أتى به نال الأجر والثواب، ومن تركه نسيانًا أو عمدًا فصلاته صحيحة ولا إثم عليه، بينما يرى المالكية أنه مستحب في صلاة النافلة دون الفريضة.
صيغ دعاء الاستفتاح الصحيحة الواردة في السنة النبوية
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة صيغ صحيحة لدعاء الاستفتاح، ويمكن للمصلي أن يختار أيًا منها ويداوم عليها، أو ينوع بينها اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومن أبرز هذه الصيغ:
1، دعاء “اللهم باعد بيني وبين خطاياي”
هذا الدعاء هو من أشهر الصيغ وأصحها، وقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسكت بين التكبير والقراءة، فسأله عن ذلك، فقال:
«اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ وَالمَاءِ وَالبَرَدِ»
المصدر: حديث صحيح، رواه البخاري (744) ومسلم (598).
2، دعاء “وجهت وجهي للذي فطر السماوات”
ورد هذا الدعاء عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة قال:
«وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ»
المصدر: حديث صحيح، رواه مسلم (771).
3، دعاء “سبحانك اللهم وبحمدك”
هذه الصيغة مختصرة وجامعة، وقد وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يجهر به ليعلمه الناس.
«سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ»
المصدر: حديث حسن، رواه أبو داود (775) والترمذي (243) وصححه الألباني.
- شرح موجز: (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ) أي: أنزهك يا الله عن كل نقص وعيب، (وَبِحَمْدِكَ) أي: وبتوفيقك لي حمدتك، (وَتَبَارَكَ اسْمُكَ) أي: كثرت بركة اسمك، (وَتَعَالَى جَدُّكَ) أي: علت عظمتك ومجدك، (وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ) إقرار بالتوحيد الخالص.
4، صيغ أخرى ثابتة (خاصة بقيام الليل)
كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح صلاة الليل (قيام الليل) بأدعية خاصة، منها ما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:
«اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»
المصدر: حديث صحيح، رواه مسلم (770).
الموضع الصحيح لقول دعاء الاستفتاح في الصلاة
الموضع الصحيح لدعاء الاستفتاح باتفاق جمهور العلماء هو بعد تكبيرة الإحرام مباشرة، وقبل البدء بقراءة سورة الفاتحة، ويُقال في الركعة الأولى فقط من كل صلاة، فإذا كانت الصلاة رباعية مثلاً، يُقال مرة واحدة في بدايتها ولا يكرر في الركعات التالية.
مسائل فقهية متعلقة بدعاء الاستفتاح
- هل يقال سراً أم جهراً؟ السنة في دعاء الاستفتاح أن يُقال سراً، بحيث يُسمع المصلي نفسه فقط ولا يجهر به، وذلك لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
- هل يجوز الجمع بين صيغتين؟ الأفضل هو الاقتصار على صيغة واحدة في الصلاة الواحدة، فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمع بين صيغتين في صلاة واحدة، ولكن يجوز التنويع بين الصيغ المختلفة في الصلوات المختلفة.
- حكم من نسي دعاء الاستفتاح: إذا نسي المصلي دعاء الاستفتاح وشرع في قراءة الفاتحة، فلا يرجع إليه، وصلاته صحيحة، لأنه سنة فات محلها.
فضل دعاء الاستفتاح وأهميته في الصلاة
للمحافظة على دعاء الاستفتاح فضائل عديدة تساهم في تعزيز روحانية الصلاة، ومنها:
- تعظيم الله والثناء عليه: تبدأ الصلاة بتمجيد الله والاعتراف بعظمته، مما يهيئ القلب للخشوع.
- الاعتراف بالعبودية والذنب: تتضمن بعض الصيغ إقرار العبد بضعفه وتقصيره، وطلب المغفرة، وهذا من أعظم أسباب القرب من الله.
- اتباع السنة النبوية: المحافظة عليه هي اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك الأجر العظيم.
- الاستعداد للخشوع: يعمل هذا الدعاء كفاصل بين أمور الدنيا والدخول في مناجاة الله، مما يساعد على طرد الوساوس وتركيز الذهن في الصلاة.
تعليم دعاء الاستفتاح للأطفال
من المهم أن يحرص الآباء والأمهات على تعليم أطفالهم الصلاة وسننها منذ الصغر، ولتعليم دعاء الاستفتاح، يُنصح بالبدء بالصيغ القصيرة والميسرة مثل دعاء “سبحانك اللهم وبحمدك…”، مع شرح معناه بأسلوب مبسط، يمكن تحفيظهم الدعاء عن طريق التكرار معهم في كل صلاة، وبيان أنه كان من هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم، مما يغرس في قلوبهم محبة السنة والحرص عليها.
المصادر والمراجع
- صحيح البخاري، حديث رقم 744، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- صحيح مسلم، حديث رقم 598، 770، 771، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن أبي داود، حديث رقم 775، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
- سنن الترمذي، حديث رقم 243، (يمكن مراجعته على موسوعة الدرر السنية).
أسئلة شائعة (FAQs)
ما هو حكم دعاء الاستفتاح في الصلاة؟
حكمه أنه سنة مستحبة عند جمهور العلماء، وليس بواجب، الصلاة صحيحة بدونه، ولكن يُستحب فعله تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم.
ما هو أفضل دعاء للاستفتاح؟
كل الصيغ الواردة في السنة النبوية صحيحة وفاضلة، بعض العلماء يفضل دعاء “اللهم باعد بيني…” في الفريضة، وبعضهم يفضل “سبحانك اللهم…” لاختصاره، والأمر في ذلك واسع، والتنويع بينها هو الأفضل.
ماذا أفعل إذا نسيت دعاء الاستفتاح وبدأت في الفاتحة؟
إذا شرعت في قراءة الفاتحة، فقد فات محل دعاء الاستفتاح، فلا ترجع إليه وأكمل صلاتك، وهي صحيحة بإذن الله.
هل يقال دعاء الاستفتاح في صلاة الجنازة؟
نعم، يُشرع قول دعاء الاستفتاح في صلاة الجنازة بعد التكبيرة الأولى، وهو قول جمهور أهل العلم.
